يستلزم الطابع عبر الوطني لخطر الإرهاب الإشعاعي والنووي اتخاذ تدابير جماعية ومنسقة من جانب المجتمع الدولي للتصدي له، تدابير قائمة على أطر قانونية قوية وفعالة. فالأنشطة المؤدية إلى هذه الجرائم كثيرا ما تحدث في عدة بلدان، مما يجعل مواءمة التشريعات عبر الولايات القضائية، والتعاون الدولي الفعال في المسائل الجنائية، ضرورة لازمة للتحقيق في هذه القضايا ومقاضاة مرتكبيها ومحاكمتهم.
والاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي (ICSANT) صك قانوني أساسي موجود تحت تصرف الدول لتعزيز نظم العدالة الجنائية لديها، ومنع ومكافحة السلوك غير المشروع والمتعمد الذي ينطوي على مواد نووية أو مواد مشعة أخرى، بشكل فعال. وعلى الرغم من أن الانضمام إلى الاتفاقية خطوة أولى ضرورية، فإن التنفيذ الفعال لالتزامات التجريم وسائر الالتزامات ذات الصلة الواردة فيها له نفس القدر من الأهمية. وفي هذا الصدد، يساعد المكتب المعني بالمخدرات والجريمة الدول الأطراف في الاتفاقية على إدماج أحكام الاتفاقية بفعالية في تشريعاتها الوطنية وعلى تعزيز قدراتها من خلال مجموعة من أنشطة المساعدة التقنية والموارد المبتكرة.
ولدعم هذه الجهود، نظم المكتب تدريبا إقليميا بعنوان "تحقيق جنائي ومحاكمة صورية بشأن الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي للدول الأطراف من جنوب شرق أوروبا." وقد عُقدت هذه الفعالية في تيرانا، ألبانيا، في الفترة من 25 إلى 27 حزيران/يونيه 2024 بدعم مالي وعيني من حكومة كندا، وشاركت حكومة ألبانيا في استضافتها كجزء من جهود ألبانيا المبذولة لتنفيذ الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي بعد انضمامها مؤخرا إلى الاتفاقية في أيلول/سبتمبر 2023.
واستند التمرين إلى التدريب التجريبي على التحقيق الجنائي ومحاكمة صورية بشأن الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي الذي أجراه المكتب بنجاح في فيينا في تشرين الثاني/نوفمبر 2022. وكان التمرين أيضا بمثابة نشاط متابعة لحلقة عمل إقليمية بشأن الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي لبلدان جنوب شرق أوروبا عُقدت في فيينا في آذار/مارس 2023، طُلب خلالها من المكتب أن يقدم المزيد من المساعدة المصممة خصيصا في مجال بناء القدرات، على المستويين الوطني والإقليمي، بشأن التنفيذ الفعال للاتفاقية.
وافتتح المحاكمة الصورية كل من السيد ألبان دوتاج (مدير مديرية مكافحة الإرهاب/المديرية العامة لشرطة الدولة الألبانية)، والسيدة جوليا غيبسون (مديرة مشروع الأمن النووي والإشعاعي، شعبة برنامج الحد من تهديد الأسلحة، الشؤون العالمية في كندا) (عبر رسالة بالفيديو)، والسيد دانيلو ريزي، الممثل الإقليمي للمكتب المعني بالمخدرات والجريمة لجنوب شرق أوروبا (ملاحظات ألقتها السيدة فرانشيسكا أندريان، المكتب المعني بالمخدرات والجريمة، نيابة عن السيد ريزي) الذي تكلم عن التهديدات المحتملة التي يشكلها الإرهاب النووي، وأهمية الأطر القانونية والتعاون الدولي للتصدي لهذه المخاطر، والحاجة إلى تنمية قدرات أصحاب المصلحة في هذا الصدد. وعلى وجه الخصوص، أشار السيد دوتاج إلى أن المحاكمة الصورية تهيئ "فرصة ممتازة لتبادل معارفنا وخبراتنا وتعزيز قدراتنا على التصدي للتحديات مستقبلا"، وأثنى على ما يقدمه المكتب المعني بالمخدرات والجريمة من دعم وتعاون قيِّم في مجال قمع الإرهاب الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي. وبالمثل، أشارت السيدة غيبسون إلى أن "كندا مؤيد قوي للتعاون الوطيد على الصعيدين الإقليمي والدولي من أجل تعزيز جميع حلقات هذه السلسلة [الأمنية النووية]" وأكدت أنه "لا بد من ضمان حصول موظفي الجهاز القضائي على الدعم اللازم [...] لصياغة التشريعات المطلوبة لاشتراع أحكام الاتفاقيات، بما في ذلك أحكام التجريم المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي." وأعاد السيد ريزي التأكيد على هذه النقاط وتكلم عن السبل التي يمكن بها للفعالية أن تساعد أيضا على تعزيز التعاون الإقليمي في المسائل الجنائية من جهة الجرائم التي تقع ضمن اختصاص الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي، وذلك بتيسير تشاطر الممارسات الجيدة وتبادل المعلومات.
وأسهم هذا النشاط، من خلال عروض إيضاحية قدمها خبراء تبيِّن أهمية الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي ومناقشات تفاعلية وتحليل لسيناريو تخيُّلي، في تعزيز قدرات 25 من موظفي العدالة الجنائية وغيرهم من الموظفين المعنيين من ألبانيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وصربيا ومقدونيا الشمالية على التحقيق والملاحقة القضائية والمحاكمة بفعالية في الجرائم الإرهابية والجنائية الأخرى التي تنطوي على مواد نووية أو مواد مشعة أخرى تندرج ضمن نطاق تطبيق الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي.
وبالاستفادة من مساهمات الخبراء من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والإنتربول، ومن مؤسسات وطنية من رومانيا وكندا وهنغاريا وهولندا، أثبتت المحاكمة الصورية انطباق الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي من مسرح الجريمة إلى قاعة المحكمة. وقد هيأت للمكتب فرصة أيضا أن يستبين ويناقش مع أصحاب المصلحة الوطنيين احتياجاتهم من المساعدة التقنية والتشريعية الأخرى من جهة التنفيذ الفعال للاتفاقية، بما يشمل التدريب المتقدم على التصدي للتحديات المرتبطة بالأعمال الإجرامية، وما يليها من إجراءات جنائية، التي تنطوي على مواد نووية أو مواد مشعة أخرى.
وكانت الفعالية المذكورة أعلاه هي الأولى من سلسلة من تمارين إقليمية للتحقيقات الجنائية والمحاكمات الصورية. ويخطط المكتب لتنفيذ خمسة أنشطة أخرى من هذا النوع في أفريقيا، ووسط وجنوب شرق آسيا، وأمريكا اللاتينية والكاريبي.