Director-General/Executive Director
14 December 2021
السيد المستشار حمادة الصاوي، نائب عام جمهورية مصر العربية
السيدات والسادة، الحضور الكرام،
يسعدني أن أنضم إليكم اليوم لمناقشة أحد أهم الموضوعات ذات الصلة بالتعاون الدولي لمكافحة الفساد، وهو موضوع استرداد الموجودات المسروقة.
إن الموجودات المسروقة تستنزف موارد الدول، وخاصة الدول النامية، وتحرم شعوبها من ثرواتهم، مما يحرمهم من حقهم في العدالة والمساءلة، ويعيق أمالهم في تحقيق التنمية المستدامة، حيث تنهب شبكات الفساد الموارد التي تحتاجها هذه الدول للاستثمار في مستقبلها وتحريك عجلة الاقتصاد ومعالجة الفقر.
وفي هذا الإطار، تمثل الشبكات الإجرامية التي تسمح بسرقة وتهريب الموجودات تهديداً حقيقياً أيضاً لأمن المجتمعات، فهي التي تتيح الفرصة لنقل عائدات الجريمة عبر الحدود الوطنية وبما يسمح بتوظيفها والإفلات من الملاحقة القانونية، حيث يتم تهريب هذه الأموال ووضعها في حسابات بنكية وصناديق استثمارية مغمورة تملكها شركات مشبوهة أو وهمية.
وعليه، فإن هذا النوع من الفساد يمُكن أنواع أخرى من الجريمة مثل الإتجار بالبشر والجرائم ذات الصلة بالمخدرات وغيرها، ويجعل هذه الجرائم مربحة لمرتكبيها.
ومما لا شك فيه أن استعادة الموجودات المسروقة ومعاقبة المرتكبين هي مسئولية دولية مشتركة، فهذه جريمة عابرة للحدود بطبيعتها، لا يمكن التصدي لها إلا عن طريق التعاون الدولي الوثيق، وهو أمر مطلوب لكي تفي الدول بتعهداتها المشتركة لمكافحة الفساد وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي هذا الصدد، تمثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أداة دولية لا غنى عنها، فهي تعتبر أول اتفاقية دولية تتناول قضية استرداد الموجودات، والتي تم تخصيص الفصل الخامس من الاتفاقية كاملاً لمعالجتها، حيث يؤكد هذا الفصل من الاتفاقية على أن استرداد الموجودات يعد ضمن المبادئ الأساسية التي يتعين الالتزام بها لمكافحة الفساد.
وعلى الرغم من هذا الالتزام الدولي، والذي تم إقراره في اتفاقية دخلت حيز النفاذ منذ خمسة عشر عاماً وأصبحت تضم 189 دولة، إلا أن استرداد الموجودات بشكل فعال يظل ضمن أصعب التحديات التي تواجه التعاون الدولي ضد الفساد، فعملية الاسترداد تستغرق وقتاً وتستنفذ موارد الدول، فضلاً عن أنها تواجه عقبات إجرائية وتشريعية لا حد لها.
وقد كشفت الدراسات الاستقصائية التي أجراها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن أبرز التحديات التي تواجه الخبراء العاملين في مجال استرداد الموجودات هي رفض أو عدم الاستجابة لطلبات المساعدة القانونية لأسباب غير واضحة، وصعوبة التعرف على المالكين المنتفعين من عائدات الفساد والجريمة.
كما أن آلية استعراض اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي تقوم حالياً بإجراء دورة الاستعراض الرابعة المعنية بموضوع استرداد الموجودات، قد توصلت حتى الآن إلى نتائج مشابهة، فقد أبرزت عملية الاستعراض في العديد من الدول صعوبة تفعيل أمور تنفيذ تجميد ومصادرة الموجودات الصادرة عن جهات أجنبية، وكذلك صعوبة التحقق من المالكين المنتفعين لتلك الموجودات.
هناك حاجة ماسة لتعزيز التعاون الدولي من خلال وضع آليات لتيسير وتسريع التعاون في مجال استرداد الموجودات، وذلك بالتوازي مع بناء القدرات وتطوير التشريعات اللازمة لتسهيل هذا التعاون.
هذا هو تحديداً هدف مبادرة "ستار" الخاصة باستعادة الموجودات المسروقة، التي يعمل من خلالها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بالتعاون مع البنك الدولي لدعم الجهود الدولية في هذا المجال، وهي ذات المبادرة التي نحتفل بها اليوم على هامش مؤتمر الدول الأطراف.
تقدم مبادرة "ستار" الدعم الفني للدول فيما يتعلق باسترداد الموجودات المسروقة ومكافحة غسل العائدات المالية للفساد، وذلك من خلال تقديم التدريب ومساعدة الدول على صياغة ومراجعة التشريعات ذات الصلة، فضلاً عن تعزيز قدراتها العملياتية، وخاصة بالنسبة إلى التحقيقات المالية وجمع المعلومات والتعاون العابر للحدود الوطنية.
وفي عام 2021 قدمنا المساعدة إلى 17 دولة في إطار المبادرة، بما في ذلك الدعم التشريعي، والذي نتج عنه اعتماد عدة قوانين وتعديلات جديدة تتعلق باسترداد الموجودات في عدد من الدول، إضافةً إلى تعزيز عمليات التنسيق الداخلي بين الجهات المعنية.
واليوم، فقد قمنا في إطار المبادرة بإطلاق إصدارٍ جديد حول تنفيذ أمور المصادرة الأجنبية، وذلك بهدف مساعدة الدول على مواجهة أبرز التحديات الراهنة في هذا الإطار.
وبالإضافة إلى تمكين الدول من مكافحة هذا النوع من الفساد، علينا أن نعمل سوياً من أجل بناء الثقة بين الجهات المعنية في الدول المختلفة، ووضع أسس قوية تمكنها من التعاون الفعال، ولذلك، فنحن حريصين على الاستمرار في دعم الشبكات الإقليمية والدولية المعنية باسترداد الموجودات.
وقد قام مكتبنا هذا العام بإنشاء شبكة "جلوب" العالمية المخصصة لجهات إنفاذ القانون المعنية بالفساد، والتي تهدف إلى توفير منصة دولية للتعاون السريع والمباشر بما يقلص من العقبات الإجرائية أمام هذا التعاون. وعليه، أود أن انتهز هذه الفرصة لأدعوكم للتفاعل مع هذه الشبكة، والتفاعل أيضاً مع جهودنا لدعم قدرات وآليات استرداد الموجودات.
السيدات والسادة،
إذا أردنا بالفعل ملاحقة ومعاقبة المجرمون والفاسدون، فأحد أهم أركان جهودنا يتمثل في منعهم من الاستفادة من عائدات أعمالهم الإجرامية، والتي تهدد مستقبل وحقوق المجتمعات من أجل مصالحٍ خاصة.
أود أن أتقدم بخالص الشكر إلى السيد المستشار حمادة الصاوي، وإلى النيابة العامة المصرية، لجهودهم المبذولة لعقد هذا الحدث الهام، والذي يسلط الضوء على موضوع محوري ذات صلة بالجهود الدولية في مكافحة الفساد والأشكال المختلفة للجريمة.
وكذلك فإنني أود أن أشكر جميع المشاركين في هذا الحدث اليوم على اهتمامهم بهذه القضية وجهودهم الرامية لمعالجتها.
من خلال تعزيز العمل المشترك وإزالة العقبات التي تعيق التعاون الدولي، نستطيع أن نضمن الحفاظ على حقوق شعوب العالم واستعادة ما تم سرقته ونهبه من ثرواتهم، وذلك بهدف استثمارها في خدمة مصالحهم.