منذ أن تم افتتاح المركز الوطنيّ للطب العدليّ في فلسطين عام 2017، بدعم مالي من الحكومة الكندية، يعمل سبعة من الأطباء العدليين حديثي التخرج في المركز، على متابعة الحالات العدلية بالتشريح، والكشف الظاهري على الجثث، وفحص الاعتداءات الجنسية، والكشوفات الطبية العدلية (الطب العدلي السريري) للمساعدة في التحقيقات الجنائية وتعزيز نظام العدالة الفلسطيني. وكان الأطباء العدليون قبل الانضمام إلى المركز في الفترة من 2013 إلى 2017، قد درسوا في الجامعة الأردنية بمساعدة مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وذلك للحصول على الاختصاص العالي في الطب العدلي، وقد تدرب الأطباء على فحص حالات العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس. ومن ضمن هؤلاء الأطباء كانت د. حفصة سلامة، أول طبيبة في فلسطين تتخصص في الطب العدليّ؛ الأمر الذي ينظر إليه على أنه من دواعي الفخر والاعتزاز، فضلًا عن كونه عاملاً محفزًا للتغيير من أجل بلدها.
عندما اختارت وزارة العدل الفلسطينية د. حفصة سلامة في عام 2013 للالتحاق بالمركز الوطنيّ للطب العدليّ، قررت برغم مخاوفها والتحديات التي يتعين عليها مواجهتها، القبول لتصبح أخصائية في الطب العدليّ، وتدعم المرأة الفلسطينية. وفي هذا الوقت، كان عمل د. حفصة كأول امرأة فلسطينية تمارس الطب العدليّ عملًا شاقًا إذ لم يسبق لأي امرأة أخرى في فلسطين العمل في هذا المجال من قبل. وقد أثر اختيارها تأثيراً مباشراً على خططها الشخصية والمهنية؛ إذ كانت حفصة أمًا كما كانت تعمل طبيبة أسرة في مدينة جنين. غير أن الدعم الذي حصلت عليه من وزارة العدل، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، على وجه الخصوص قد ساعداها في اتخاذ قرارها. فبجانب البرنامج التدريبي الذي حصلت عليه حفصة في الجامعة الأردنية، أتاح لها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فرصة العمل في مركز سانت ماري المعني بإحالة حالات الاعتداءات الجنسية في مانشستر في المملكة المتحدة، بالإضافة إلى فرصة العمل في مستشفى فيكتوريا في أستراليا، وذلك بهدف تحسين مهاراتها في دراسة حالات العنف الجنسي والعنف القائم على النوع التي يعاني منها 37% من النساء والفتيات الفلسطينيات. [1]
وتُشير حفصة إلى أنها ترى علامات الارتياح على وجوه النساء والفتيات اللاتي يأتين إلى مكتبها للقيام بالكشوف الطبية العدليّة، واكتشاف أن من سيقوم بإجراء الكشف هو طبيبة: "النساء يشعرن بمزيد من الثقة والحرية عندما يتحدثن إلى طبيبة". فبسبب الأعراف والقيم الأبوية التقليدية في المجتمع الفلسطيني، يتردد بعض من النساء اللاتي يتعرضن للعنف في توجيه الاتهامات ضد المعتدين عليهن أو يقومن بتبديل شهادتهن بمجرد أن يرين أن من سيقوم باستجوابهن أو فحصهن جسديًا هو طبيبًا".
وتأمل حفصة، بعد أن تم إرساء الأسس المتعلقة بجودة خدمات الطب العدليّ، أن ترى التغيير في بلدها على نحو يساعد النظام القضائي في التعامل مع حالات العنف الجنسي والعنف القائم على النوع، وفي نفس الوقت تغيير أفكار مجتمعها لتشجيع النساء على الكفاح من أجل حقوقهن، وتشير حفصة إلى أن "هناك حاجة لرفع وعي النساء وزيادة ثقتهن بخدمات الطب العدليّ، كما أن توظيف المزيد من الطبيبات المتخصصات في الطب العدليّ قد يطرح حلًا". وشددت على أهمية " تعزيز مراعاة الخصوصية داخل عيادات الطب العدليّ حيث يخضع الضحايا لفحص الاعتداء الجنسي".
وتدعو حفصة الفلسطينيات لدراسة الطب العدليّ وأن يعملن على مواجهة التحديات التي قد يتعرضن لها. وهي تُعبر في هذا الصدد عن رغبتها في التعاون مع زملاءها من أجل مضاعفة الجهود المبذولة للمساهمة في تطوير الطب العدليّ في فلسطين والقضاء على العنف ضد المرأة. وتُشير إلى أن من أهم أولوياتها؛ إجراء البحوث حول العنف الجنسي والعنف القائم ضد النوع في فلسطين لتحديث البيانات الحكومية أو سد الثغرات التي تُعاني منها.
وفي الأخير، يُمكن تلخيص تجربة حفصة في إحدى النصائح التي تُحب أن تُشاركها مع من تقابلهن من نظيراتها: "لا تخشي تجربة مجالات مختلفة أو مهن جديدة في فلسطين، فإن هذه التجربة سوف تعود عليك بتغييرات إيجابية سواء في حياتك أو في حياة مجتمعنا".
[1] ) - المصدر: بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عن مسح العنف في المجتمع الفلسطيني عام 2011.