"يسهل حصول العديد من الشباب الذين يقطنون المدينة القديمة على المخدرات". هكذا قال مصطفى زكي*، الذي لم يكن عمره يتجاوز 14 عاماً عندما أخذ يدخّن الحشيش في المدرسة في مخيم شعفاط للاجئين في القدس الشرقية. وفي عام 1982 شرع مصطفى الذي كان في الثامنة عشرة من عمره آنذاك في تعاطي الهيروين إلى جانب الحشيش، بادئاً رحلته الطويلة مع تعاطي الهيروين.
ضغط عليه والداه كي يتزوج على أمل أن يغيّر الزواج من سلوكه وأن يغرس فيه بعض الشعور بالمسؤولية، ولم يدركا أن الارتهان بالمخدرات هو مرض مزمن متعدد العوامل يتطلب دعماً طبياً ونفسياً واجتماعياً. بازدياد تحمّل مصطفى للهيروين، بدأ يتعاطى الهيروين بالحقن وسجن ثلاث مرات بتهمة حيازة المخدرات. خلال وجوده في السجن، بدأ مصطفى يتقاسم الإبر مع غيره من السجناء لعدم توفر المخدرات بسهولة. وبعد خروجه من السجن، لم يتمكن من العمل إلا بأشغال وضيعة مؤقتة، وبالتالي كان دائما في حالة من البطالة الجزئية. وهكذا اعتمد بشكل متزايد على السرقات الصغيرة كمصدر للدخل لأجل تلبية طلبه المتزايد للمخدرات.
قال مصطفى بكل صراحة "خلال هذه الفترة واصلت تعاطي المخدرات بالحقن وكانت رغبتي هي الموت في كلَ لحظة. فقد توفي العديد من أصدقائي بسبب تعاطي جرعة زائدة وأنا بدوري كنت انتظر الموت!" جاء بصيص الأمل في عام 2010، عندما تعرف مصطفى على أحد العاملين في مجال التوعية من مؤسسة المقدسي لتنمية المجتمع، وهي منظمة غير حكومية محلية. قال مصطفى "لقد قدّم الفريق الميداني لي الدعم حين أخبرتهم بأنني أود أن أخضع للفحص الخاص بفيروسي نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد". وفّر له الفريق الذي كان يعمل من خلال سيارة متنقلة محاقن وإبر جديدة، وأحاله إلى فحص فيروس نقص المناعة البشرية وفيروس التهاب الكبد. دفعه ثبوت اصابة مصطفى بالتهاب الكبد إلى النظر بجدية في الحصول على المزيد من الدعم. ومن ثم قامت مؤسسة المقدسي بالتنسيق مع إخوته بإحالته إلى خدمات الفطام والعلاج النفسي التي تقدمها إحدى المنظمات غير الحكومية المحلية بغرض العلاج.
يجري العاملون الميدانيون في مؤسسة المقدسي زيارات منتظمة للتوعية في إطار مشروع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة والذي يتم بالشراكة مع وزارة الصحة و وزارة الداخلية الفلسطينيتين، حيث يزور العاملون في مجال التوعية أوكار تعاطي المخدرات (شبيهة للوكر الموضح في الصورة) في مناطق مختلفة لتوزيع الإبر والمحاقن والواقي الذكري.
حالياً يعمل مصطفى كمتطوع في مركز استقبال تابع لمؤسسة المقدسي، وباعتباره مدمن متعافي فهو يقدم مساعدات لا تقدر بثمن من خلال جهوده الرامية إلى توعية طلبة المدارس والجامعات حول مخاطر تعاطي المخدرات. وقال لنا "لقد بدأت أشعر بأني شخص نافع للمجتمع، وعائلتي فخورة بي مرة أخرى. وأنا على اتصال مع مؤسسة المقدسي بشكل منتظم".
يدعم المكتب السلطة الفلسطينية منذ عام 2006 في القيام ببرامج وصول متعاطي المخدرات وتبادل الإبر والمحاقن فيما بين متعاطي المخدرات بالحقن في الأرض الفلسطينية المحتلة وذلك بهدف الحفاظ على تدني انتشار وباء فيروس نقص المناعة البشرية في االأرض الفلسطينية المحتلة. وقد تم تقديم الدعم من خلال الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا في عام 2010 لإنشاء مركزي استقبال في غزة والضفة الغربية بالتعاون الوثيق مع وزارتي الصحة والداخلية الفلسطينيتين. كما دعم المشروع برامج وصول متعاطي المخدرات من خلال المنظمات غير الحكومية مثل مؤسسة المقدسي التي نجحت في الوصول إلى 255 متعاطياً للمخدرات (منهم 175 متعاطياً بالحقن) في الضفة الغربية، بما فيها مخيمات اللاجئين، لتوزيع 1500 إبرة معقمة ومحقن و1100 واقٍ ذكري في غضون خمسة أشهر خلال عام 2010. إن وزارة الصحة الفلسطينية ولجنتها الوطنية لمكافحة الإيدز ملتزمتان تماما بدعم استجابة شاملة للحدّ من ضرر المخدرات التي تشمل برامج توفير الإبر والمحاقن والعلاج الشامل من الارتهان بالمخدرات.
حدّدت وزارة الصحة الفلسطينية قلّة القدرات التقنية والبشرية على التقييم المستند إلى الأدلة والتشخيص والعلاج من الارتهان بالمخدرات على أنها نقطة ضعف رئيسية في نظامها الصحي وطلبت رسميا الحصول على دعم من المكتب ببناء قدراتها في هذا الصدد. تسلّم اللجنة الوطنية العليا للوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية بكون الارتهان بالمخدرات مرض مزمن متعدد العوامل وقد شاركت بهمة في تطوير وتنسيق الاستجابة الوطنية في هذا الشأن. ومن المتوقع أن يتم بناء أول مركز وطني للعلاج من الارتهان بالمخدرات في رام الله وتشغيله خلال فترة 2013-2015. ومع ذلك، ينبغي بذل الجهود لدعم إرساء نظام للعلاج من إدمان المخدرات وإعادة تأهيل المدمنين في الأرض الفلسطينية المحتلة.
في شهر تموز/يوليو 2012، نظم المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمكتب دون الإقليمي بدول التعاون الخليجي زيارة دراسية للجنة الوطنية الفلسطينية لمنع المخدرات والمؤثرات العقلية إلى المركز الوطني للتأهيل في أبو ظبي. هدفت هذه الزيارة إلى توعية الفريق الفني بشأن علاج الارتهان بالمخدرات المستند إلفى الأدلة الذي يستخدمه المركز الوطني للتأهيل وإلى توجيه تفكيرهم للإدارة المستقبلية لمركز علاج المخدرات الذي سينشأ في رام الله.
تعزيزا لهذه الجهود، سوف ينظم مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة دورات تدريبية إضافية متخصصة على الحد من الضرر الشامل والعلاج المستند إلى الأدلة من الارتهان بالمخدرات، بما في ذلك العلاج بمواد بديلة لأثر الأفيون، وذلك خلال شهري تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2012، لتوجيه وتدريب وتوعية صناع قرارات الحكوميين العاملين في مجال الصحة العامة، ومديري برامج المنظمات غير الحكومية على الاستجابة الشاملة.
* ملاحظة: لم تستخدم الأسماء الحقيقية من أجل الحفاظ على الهاوية