كانت ليلة فرح اجتمع فيها عبد الرحمن وأسرته وأقرباؤه للاحتفال بزواج أحد الأقرباء. وكان من المفترض أن تكون ليلة سعيدة مليئة بالأفراح والموسيقى الجميلة والطعام الشهي، غير أنها كانت ليلة قلبت حياة عبد الرحمن ذي الستة عشر ربيعاً رأسا على عقب.
ففي بلد تعاني فيها الأسر منخفضة الدخل من شغف العيش، عادة ما يلجأ الناس للمخدرات هرباً من الهموم. ويُقدَّم الحشيش للضيوف في الأفراح والاحتفالات كشكل من أشكال الترفيه. وكما جرت العادة، أرسل عبد الرحمن لجلب الحشيش للضيوف، إلا أن الشرطة ألقت القبض عليه. وحكم عليه بالإيداع في المؤسسة العقابية في المرج لمدة ثلاث سنوات.
قبل ثلاثة أشهر من الإفراج عنه، استفاد عبد الرحمن من برنامج إعادة تأهيل وإعادة إدماج الأبناء المفرج عنهم، الذي يجريه المكتب مع وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية وتنفذه مؤسسة آفاق جديدة للتنمية الاجتماعية، وهي منظمة غير حكومية يدعمها المكتب تقنياً.
إثناء تواجده في المؤسسة العقابية، انضم عبد الرحمن إلى ورش التدريب المهني التي نظمتها مؤسسة آفاق وقام المكتب بتجديدها وتجهيزها، حيث عمل على الارتقاء بمهاراته وبناء قدرته على الاعتماد على نفسه عند أطلاق سراحه. ونظراً لحبّه للخياطة، التحق عبد الرحمن بورشة عمل الخياطة حتى اتقن مهارات المهنة. كما أتيحت له فرصة مواصلة تعليمه المدرسي داخل العقابية.
"بمساعدة المكتب، فتحت محل خياطة خاص بي في بني سويف. كما ساعدوني في تحسين مسكني لأتمكن من الزواج"، قال عبد الرحمن الذي كان قد تلقى وأسرته المساعدة النفسية والاجتماعية لتسوية الخلافات التي نشأت بينهم عقب إطلاق سراحه. تلى ذلك إعادة تسجيله في مدرسته الثانوية الصناعية في باروط. بعد ذلك، عمل عبد الرحمن لمدة عام في مصنع ملابس جاهزة حتى تمكن من فتح محله. واعترافا منه بالجميل وتسليما بما حققه برنامج إعادة الإدماج وإعادة التأهيل معه، وفّر عبد الرحمن فرصتي عمل لحَدَثين سابقين من المؤسسة من خلال علاقاته! وهو يحرص على حضور كل اللقاءات التي تعقد مع الشباب، برفقة زوجته صابرين، ليروي قصته للأبناء الآخرين وليوفر لهم فرص عمل. وفعلاً، استطاع عبد الرحمن بعد سنتين من إطلاق سراحه من تشغيل أربعة شبان في محله.
عبد الرحمن هو واحد من 492 شاباً من عشر محافظات استفادوا حتى الآن من المساعدة التعليمية والإدارية والقانونية والاجتماعية والصحية والنفسية التي يقدمها المكتب داخل وخارج المؤسسة العقابية في المرج. ولكي يلبي المكتب احتياجاتهم من التعليم وبناء المهارات، قام بتجديد وتجهيز مختلف ورش التدريب المهني، كالنجارة والكهرباء واللحام والتبريد والصباغة والخياطة. وإدراكاً منه لأهمية الترفية والصحة البدنية والعقلية للأبناء، قام أيضا ببناء صالة رياضية وملعبين لكرة القدم، وصالة سينما داخل المؤسسة.
والأهم من هذا كله، فأنه قبل ثلاثة أشهر من مغادرة الأبناء للمؤسسة العقابية، يُشجعون على وضع "خطة حياة" مع الأخصائي الاجتماعي. الغرض من هذه الخطة هو تحديد المسار الذي يرغبون في اتباعه لدى الإفراج عنهم. فالمكتب يوفر لهم ما يكفي من المعرفة والتدريب على المهارات فضلاً عن قروض مالية صغيرة لإقامة مشروعات صغيرة لتحقيق أحلامهم، ومن ثم يواصل متابعتهم لضمان وصولهم الى أهدافهم.
يؤمن المكتب بأن بإمكان الأحداث - إذا ما منحوا المساعدة والمتابعة القانونية والاجتماعية والصحية والنفسية والاجتماعية - أن يلعبوا دوراً إيجابياً في المجتمع وبأنهم يستحقون أن يُمنحوا فرصة ثانية. وبالتالي يقدم المكتب فرصة أخرى للأبناء من خلال برنامج عدالة الأحداث في مصر الذي تموله مؤسسة دروسوس السويسرية. بدأت المرحلة الأولى للمشروع "تعزيز القدرة التشريعية والمؤسساتية لعدالة الأحداث في مصر" عام 2003، وسيتم الانتهاء من المرحلة الثانية "إعادة إدماج الأطفال والشباب المفرج عنهم في المجتمع المصري" في كانون الأول/ديسمبر 2012. ومن المزمع أن تبدأ المرحلة الثالثة في بداية عام 2013.
مؤسسة آفاق جديدة للتنمية الاجتماعية هي منظمة غير حكومية تعمل من أجل مساعدة الفئات المحرومة في مصر، ولمعرفة المزيد عن أنشطتها يرجى زيارة موقعه على الانترنت.
لمشاهدة فيلم وثائقي قصير عن أنشطة المكتب في هذا المشروع اضغط هنا.