هذه الوحدة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين  

 

الفساد في مجال التوريد العام

   

إن التوريد العام هو واحد من أكثر النشاطات الحكومية المعرضة للفساد. وتشمل الأسباب: "حجم المعاملات والمصالح المالية المعرضة للخطر" إلى جانب "تعقّد الإجراءات والتواصل عن كثب بين الموظفين العموميين والشركات، وتعدّد أصحاب المصالح" (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، 2016). وفي بعض البلدان، أصبح سوء تنفيذ عمليات الإنفاق الحكومي "بوابة لتحقيق الثروة" (ساليسو، 2000). وقد يشكل الفساد في مجال التوريد العام مشكلة في البلدان النامية والمتطورة على حد سواء، ولو كانت بعض أشكال الفساد تسود في بلدان أكثر من غيرها، بحسب ما أفاد به مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة (مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، 2013). هذا وتشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن 27 بالمئة من كافة حالات الرشوة الأجنبية ناجمة عن الفساد في التوريد.  

كما يتّخذ الفساد في مجال التوريد العام العديد من الأشكال السالفة الذكر، مثل الرشوة والاختلاس واستغلال الوظائف. ومن خلال منافشة هذه النقطة بالتفصيل، نحصل على أمثلة ملموسة عن كيفية تجلّي الفساد في القطاع العام، رطق تتصل بحياتنا اليومية. علاوة على ذلك، يضمن الفساد في مجال التوريد العام المقابل إذ له أسباب وآثار فريدة. وعلاوة على ذلك، قد يحدث الفساد في مجال التوريد العام نتيجة تضارب في المصالح، عندما يريد الموظف العمومي أن يؤمّن لنفسه والفرقاء ذوي الصلة منافع يعود حقها للجمهور العام، وذلك من خلال تجاوز الشروط الرسمية لمنح هذه الامتيازات. ويعتبر التوريد العام بشكل خاص عرضة للفساد كمثلاً التآمر على تحديد الأسعار، والحفاظ على الكارتل، والممارسات الفساد أخرى التي تعطّل المنافسة وتعني أن الحكومة لا تحصل على قيمة مقابل المال في عملية التوريد (ويليامز-أليجبي، 2012). وبعد تعريف التوريد العام ومفهوم الإدارة المالية ذي الصلة، سوف نستعين بأمثلة عن الفساد في التوريد لتوضيح أسباب ومظاهر وتداعيات الفساد في القطاع العان فضلاً عن الفساد في المجتمع بشكل عام.

 

التوريد العام والإدارة المالية العامة

التوريد العام هو العملية التي تنفّذها الحكومة لشراء السلع والخدمات والأعمال (البناء) التي تحتاج إليها من أجل تفعيل والارتقاء قدر الإمكان بالرفاهية العامة. وإن نظام التوريد العام المشار إليه في هذه النميطة هو كامل نظام مشتريات الحكومة، بما في ذلك أنظمة وضع الموازنة، والحوكمة، والتدقيق وأنظمة المحاسبة. وبعيداً عن الهبات والبرامج الاجتماعية، إنه أحد أبرز الطرق لإنفاق الأموال العامة، أما المبالغ الضخمة التي تدخل في العملية فقد تفسح المجال أمام ممارسات لا أخلاقية كالاحتيال والفساد.

وتقوم عملية التوريد على خمس مراحل، ونجد مخاطر الفساد في كل مراحل عملية التوريد :

  • نشاطات ما قبل الاختيار مثل تقييم الحاجات وتصميم المشروع وإعداد استدراج العروض.
  • عملية المناقصة، بما في ذلك صياغة الخصائص التقنية ومعايير الاختيار، ونشر المناقصة، وتقديم العروض.
  • تقييم العروض القائم على عملية اختيار أفضل مناقص. 
  • نشاطات ما بعد الاختيار، التي تشمل إدارة وتنفيذ العقد، والتصرف بالأصول، وإعادة التفاوض في العقد، وأوامر التغيير.
  • الاحتفاظ بالسجل والتدقيق.

ويشكل التوريد العام جزءًا من ملحوظاً من الإنفاق الحكومي: تقدّر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن البلدان تنفق معدل 13 إلى 20 بالمئة من ناتجها القومي المحلي على التوريد (الشفافية الدولية، 2014). وغالباً ما يخضع التوريد العام لنظام قانوني وإداري شامل، بهدف حماية الأموال العامة واستخدام أموال المكلّفين بالضرائب بطريقة قانونية. وترمي عملية التوريد إلى الحصول على السلع أو الخدمات أو الأعمال الضرورية بأفضل قيمة ممكنة، وغالباً ما يشار إلى هذا الأمر بـ "المناقصة الأكثر إفادة من الناحية الاقتصادية (MEAT)". وذلك يقتضي أخذ العديد من العوامل في الاعتبار، مثل السعر والجودة والفعالية ودورة الحياة وتكاليف التصرّف، وأيضاً خدمة ما بعد البيع، حيثما ينطبق.

ويستخدم نظام التوريد لتحقيق مجموعة من أهداف السياسات العامة من خلال الإنفاق الحكومي. ومن بين الأمثلة على ذلك: التشجيع على إنتاج السلع المستدامة بيئياً؛ وإشراك الشركات الصغيرة والأقليات أو المجموعات المحرومة اقتصادياً عبر تخصيص جزء من العقود الحكومية لأشخاص من الفئات المستهدفة (أروسميث وكونزليك، 2009)؛ وتعزيز الامتثال لحقوق الإنسان من خلال الحرص على تقيّد الشركات المشاركة في العقود الحكومية بحقوق الإنسان المحددة وأن تكون سلاسل التوريد الخاصة بها خالية من أشكال الرق المعاصر (مارتن-أورتيغا وأوبراين، 2019). ويستخدم التوريد أيضاً لغايات الأمن القومي والعسكري. لمزيد حول هذا الموضوع، راجع النميطة 11 من مجموعة المقررات الجامعية حول مكافحة الفساد التابعة لمبادرة التعليم من أجل العدالة.

كما يعتبر نظام التوريد العام جزءًا لا يتجزأ من نظام الإدارة المالية العامة ككل، ويتوقف نجاحه أو فشله على مدى قوة هذا النظام. كما يوضح الموقع الالكتروني للوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي ما يلي: "يتضمن نظام الإدارة المالية العامة كل مكونات موازنة البلد – الأنشطة التحضيرية (بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي، وإطار المصروفات على المدى المتوسط، والموازنة السنوية) والأنشطة التصريفية (بما في ذلك إدارة الإيرادات، والتوريد، والتحكم، والمحاسبة، ورفع التقارير، والمراقبة والتقييم، والتدقيق والإشراف) على حد سواء". ويضمن نظام الإدارة المالية العامة الجيد تمكّن القطاع العام من تأدية دوره على أكمل وجه؛ وتحسين جودة الخدمات العامة؛ وبناء ثقة الشعب في القطاع العام؛ وضمان الاستخدام الفعال والفعلي للأموال العامة. أضف إلى أن نظام الإدارة المالية العامة الجيد يكفل المنافسة العادلة والشفافة ويحول دون التآمر وتأثير الكارتل. وبالتالي، فإن إنشاء نظام مناسب للإدارة المالية العامة هو تدبير مهم للحد من مخاطر الفساد في الإتفاق الحكومي.

 

آثار الفساد في القطاع العام

يحمل الفساد في التوريد العام كل الآثار السلبية للفساد عموماً. ويرى تانزي (1998) أن الكلفة الاقتصادية والاجتماعية السلبية لأعمال الفساد، من حيث الموارد المهدورة، والفعالية وتفويت الفرص، دائماً ما تكون أعلى من المنافع التي يمكن الحصول عليها من خلال هذه الأعمال. ذلك يؤدي في النهاية إلى الحد من ثقة الشعب في الحكومة ويقوّض النزاهة العامة الضرورية للارتقاء بالخير العام (راجع أيضاً الوحدة التعليمية 13 من سلسلة الوحدات التعليمية الجامعية حول النزاهة والأخلاق التابعة لمبادرة التعليم من أجل العدالة). فعلى سبيل المثال، خلال تنظيم ألعاب الكومنولث لسنة 2010، شهدت الهند العديد من المشاكل المرتبطة بعمليات التوريد، مثل الافتقار إلى المنافسة والمناقصات الثابتة، التي أدّت في نهاية المطاف إلى تأخّر ملحوظ وتكاليف أعلى للمنتجات بجودة أقل مما هو متوقع (مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، 2013). وفي سياق التوريد، يظهر البحث الصادر عن المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال أن خسائر الاتحاد الأوروبي المباشرة الناتجة من الفساد في مجال التوريد قد تصل إلى 18 بالمئة من تكاليف المشاريع (بي دبليو سي، 2013). وإلى جانب الخسائر المالية المباشرة والزيادة في كلفة العقود الحكومية (روز-إكيرمان وباليفكا، 2016)، قد يتسبب الفساد في مجال التوريد بدرجات مختلفة من الضرر للمواطنين والقطاع العام والقطاع الخاص.

وبهدف الحدّ قدر الإمكان من الآثار السلبية للفساد في مجال التوريد، تطلب المادة 9 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد إلى الدول الأعضاء "أن تتخذ ما يلزم من خطوات لإنشاء نظم اشتراء مناسبة تقوم على الشفافية والتنافس وعلى معايير موضوعية في اتخاذ القرارات، وتتسم، ضمن جملة أمور، بفاعليتها في منع الفساد". هذا وتفرض المادة 9 الشفافية والمحاسبة في إدارة الأموال العامة، بما في ذلك إعداد الموازنة، ورفع التقارير حول مصروفات وإيرادات الحكومة، والتدقيق وإدارة المخاطر.

 

أسباب الفساد في مجال التوريد العام

بشكل عام، تنطبق كل العوامل التي تسبب الفساد في القطاع العام على مجال التوريد أيضاً. ومن جهة أخرى، يكون التوريد العام عرضة للفساد لبعض الأسباب المحددة.

والسبب الأول هو المبالغ الضخمة التي قد تنطوي عليها العمليات وحجم العقود الكبير. ووقفا  لفيرجوسون (2018)، تشكل مشاريع التوريد العام ما يصل إلى 50 بالمئة من الإنفاق الحكومي السنوي حول العالم. وتحدث بعض أكبر مخططات الفساد الموثقة في هذا القطاع. ووصفت وزارة العدل الأميركية "عملية مغسل السيارات" بـ "أكبر حالة رشوة أجنبية في التاريخ". وتورّط في هذه العملية موظفون من أكثر من 12 بلداً، وأدّت إلى ملاحقة وإدانة العديد من مسؤولي الشركات (ليسا، 2017). ومثال آخر هو حالة ألستوم حيث أدينت شركة الهندسة الفرنسية "ألستوم" بالتواطؤ على رشوة موظفين عموميين ليتوانيين لضمان عقد محدد.

وثانياً، إن الأقسام الحكومية المسؤولة عن التوريد، والمعروفة أيضاً بكيانات التوريد، هي غير تجارية بطبيعتها. وهي تميل إلى التركيز على المساعي غير التجارية ولا يمكنها إنشاء أنظمة للاستجابة لمخاطر الفساد المرتبطة بعمليات التوريد التي تتسم أكثر بطبيعة تجارية. وأخيراً، نظراً إلى الاستنساب المسموح في إجراء تصميم معايير التقييم، قد يعمد الموظف العمومي إلى سوء ممارسة صلاحيته لجهة اختيار الكيانات المدعوة للمناقصة، وذلك من خلال تصميم معايير التقييم التي تصب في صالح شركة معينة، أو من خلال التلاعب في العملية وإرساء العقد على الكيان المفضّل (سوريد، 2002). وقد يقوم الموظف العمومي أيضاً بتقسيم عقد ضخم إلى عقود صغيرة متعددة ليغشّ في القواعد التي تقتضي التصريح والشفافية التابعة لمبادرة العقود الضخمة (ويليامز-أليجبي، 2012). وقد تسعى الكيانات الخاصة إلى تجنب إصدار المستندات المطلوبة للمشاركة في عملية التوريد، أو الاحتيال (كمثلاً إنشاء فواتير غير صحيحة) عند التعامل مع القطاع العام بالتواطؤ مع موظفين عموميين (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، 2016)، أو الحصول على معلومات سرية حول المناقصة أو المنافسين (سوريد 2002). 

 

 التالي

 العودة الى الأعلى