هذه الوحدة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين  
 
الموضوع الثاني - دور المدعين العامين
 

قضايا عامة – المدعون العامون بصفتهم "حراس بوابة" العدالة الجنائية

 

يوضح هذا القسم الخصائص الرئيسية لدور المدعين العامين في المجتمع، ويعرِّف الطلاب على مفاهيم استقلال الادعاء العام ونزاهته.

ويؤدي المدعون العامون دورًا أساسيًا في المجتمع. وفهم "حراس بوابة" العدالة الجنائية، وبدون مبادرتهم، لن يكون هناك محاكمة وقمع للجرائم. وإن خدمات النيابة العامة هي في الواقع الوسيلة الرئيسية للمجتمع لمتابعة عقوبة السلوك الإجرامي وتفاعله مع السلطة القضائية. ويتم النظر في القضايا التي يُقدمها المدعون العامون، على وجه الخصوص، إلى المحاكم أو البت فيها من جانب القضاة. وأما الأشكال الأخرى من الادعاء العام (كالادعاء الخاص) فهي موجودة في بعض الدول فقط وتُطبق في حالات مُحددة.

ويتعين على المدعين العامين تطبيق القانون على القضايا الجنائية وحماية حقوق الأشخاص المشاركين في الإجراءات الجنائية واحترام الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية وضمان الأمان العام. ففي العديد من الدول، يلعب المدعون العامون دورًا أساسيًا في تطبيق وتعريف السياسات الجنائية عن طريق استخدام سلطتهم التقديرية بما في ذلك التكيف مع التغيرات الاجتماعية والمجتمعية. وأما في بعض الدول، فيكون المدعون العامون مختصين بالإجراءات المدنية لتامين حماية الحقوق والحريات وحماية مصالح الأحداث (القصر) أو كبار السن أو الأشخاص ذوي الإعاقة أو الأشخاص غير القادرين على اتخاذ الإجراءات اللازمة بسبب حالتهم الصحية.

وأما في القضايا الجنائية، لا يتحمل المدعون العامون مسؤولية تمثيل مصالح المجتمع ككل فقط، بل أيضًا يمثلون ضحايا الجرائم. وكما أن عليهم واجبات تجاه أفراد آخرين بما فيهم الأشخاص المُشتبه في ارتكابهم جريمة والشهود.

وفي الواقع، إن الأنظمة القانونية (والدساتير احيانًا) عادة ما تنص على منح بعض الحقوق الأساسية لضحايا الجرائم والمشتبه فيهم والشهود وهم من يكون المدعون العامون مسؤولين عنهم في المقام الأول. ويُنصح باستدعاء الضحايا وسماعهم بشأن كل من مسألة الكفالة أو إطلاق السراح المشروط والتحضير للمحاكمة ومفاوضات الإقرار بالذنب (لتخفيف العقوبة) وتوصيات إصدار الأحكام وأخيرًا التعويض العيني (الوحدة التعليمية 11 بشأن توفير العدالة للضحايا وتزويدهم بمعلومات إضافية عن حقوقهم). وتمتد بعض هذه الحقوق لتشمل المشتبه بهم في ارتكاب الجرائم، وعادةً تتضمن حقهم في عدم الإدلاء بأقوالهم والتزامهم الصمت وحقهم في إجراء محاكمة علنية لهم في خلال مدة معقولة وحقهم في افتراض براءتهم إلى أن تثبت إدانتهم وحق إمكانية اطلاعهم على الأدلة المُقدمة ضدهم بدون قيد أو شرط، إلى جانب حقهم في أن يُمثلهم محام وأن يتم الاستعانة بمترجم شفوي من أجلهم عند الضرورة. وأيضًا يُعتبر دور الشهود دورًا أساسيًا في الإجراءات الجنائية، ولذا يجب حمايتهم من الضغوط المحتملة ومن الانحياز لطرف ما. "وجميع الحقوق السابق ذكرها هي حقوق أساسية لحماية حقوق الانسان والحفاظ عليها لجميع الأشخاص وفي كل مراحل الإجراءات الجنائية. وتشمل المسئولية الواقعة على عاتق المدعي العام حماية هذه الحقوق كلما أمكن ذلك" (المكتب، 2015، الفقرة 141).

ويجب أيضًا على المدعين العامين التأكد من ضمان تحقيق العدالة وخصوصًا عندما تكون السلوكيات العامة على المحك. ولتحقيق هذا الغرض، يجب على المدعين الالتزام بسيادة القانون وضمان قانونية الإجراءات العامة. كما يتعين على المدعين العامين "رصد الإجراءات التي تقوم بها الدولة باستدعاء نظر المحاكم إلى أي حالة غير قانونية أو سلوك فاسد ارتكبه أي من موظفي الدولة أو أي مسئولين آخرين في مناصب السلطة ومحاكمة هؤلاء المجرمين إلى أقصى حد في القانون. وفي الحالات التي تنطوي على فساد وإساءة فيا يخص استخدام السلطة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وأي جرائم أخرى قد يرتكبها الموظفين الحكوميين، يكون دور المدعين العامين هام وحساس بصفة خاصة" (داندراند، 2007).

وباختصار، تسهم خدمات الادعاء العام الفعالة مع مدعين عامين مدربين تدريبًا جيدًا ومؤهلين ومتمكنين على نحو كاف وملتزمين بقيم سيادة القانون في التصدي لنظرية الإفلات من العقاب وحماية حقوق المدنيين وضمان قانونية الإجراءات التي تتخذها الدولة (داندراند، 2007). وللقيام بذلك، تنص مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة بأنه "على أعضاء النيابة العامة أن يؤدوا واجباتهم وفقا للقانون، بإنصاف واتساق وسرعة، وأن يحترموا كرامة الإنسان ويحموها ويساندوا حقوق الإنسان، بحيث يسهمون في تأمين سلامة الإجراءات وسلامة سير أعمال نظام العدالة الجنائية. " (1990، الصفحة 12).

وتختلف خصائص دور المدعين العامين عن خصائص الدور القضائي، كما هو موضح في الموضوع الأول. وفي حين يعهد إلى القاضي بسلطة اتخاذ القرار ولكن لا يستطيع القاضي/القاضية الشروع في اتخاذ الإجراءات القضائية حيث تتمثل الوظيفة الرئيسية للمدعي العام في الشروع في اتخاذ إجراءات جنائية والقيام بها والعمل كطرف في الإجراءات القضائية. وفي العديد من الدول، تكون من وظائف المدعي العام، الإشراف على الشرطة وتوجيهها خلال مرحلة التحقيق. وفي بعض نظم العدالة الجنائية، يعمل المدعون العامون أيضًا على: ضمان تقديم المساعدة الفعالة للضحايا؛ واتخاذ القرار بشأن بدائل المقاضاة؛ وتقديم المساعدة إلى المحكمة في التوصل إلى قرار بشأن الحكم المناسب؛ إلى جانب الإشراف على تنفيذ قرارات المحاكم.

وإن الاختلاف بين أي وكيل (المدعي العام) مكلَّف بالتحقيق والملاحقة الجنائية ووكيل آخر (القاضي) مكلَّف بالحكم يكون على أساس معظم أنظمة العدالة الجنائية ويسهم في تعزيز استقلالية وحياد القاضي. وفي الواقع، إن عدم مشاركة القضاة بشكل مباشر في التحقيق والملاحقة القضائية، يمكِّنهم من الحفاظ على موقفهم المحايد والمستقل في العملية القضائية بشكل أفضل.

وفيما يتعلق بالإجراءات الجنائية على وجه التحديد، فإن دور المدعين العامين ينطوي على نوعين من الأنشطة ذات الصلة وظيفيًا ولكنها مختلفة في طبيعتها. فالأولى مُتعلقة بإجراء التحقيقات وتشمل الأنشطة اللازمة لمعرفة المشتبه بهم في ارتكاب الجرائم وجمع الأدلة لإثبات ارتكابهم الجريمة؛ وأثناء التحقيقات يراعي المدعون العامون وضع الضحايا فيما يتعلق بالآراء والمخاوف التي تساورهم ويضمنون اطلاعهم على حقوقهم. والأخرى تتمثل في أنشطة الطب الشرعي وما يتعلق بتقديم الأدلة إلى القاضي الذي له سلطة تقرير ما إذا كان ينبغي محاكمة القضية و/أو تقرير سواء كان المشتبه به بريء أم مُذنب. ومع اختلاف النظم الجنائية، تتكرر هاتين الوظيفتين بطرق مختلفة في أيدي المدعي العام أو يصاحبها مشاركة مواضيع أخرى (الشرطة أو قاضي التحقيق أو الأطراف الخاصة، وما إلى ذلك) (دي فيدريكو، 1998).

كما تطور دور المدعين العامين بشكل كبير، مما يعكس البعد الدولي المتنامي لظواهر الجريمة؛ كالجريمة المنظمة والفساد. وقد ثبت أن نظم العدالة الجنائية الوطنية غير كافية و/أو غير فعالة فيما يتعلق بالجريمة الدولية والجريمة العابرة لحدود الدولة الوطنية. وقد أدت الحاجة إلى تعزيز التعاون الدولي في أنشطة التحقيق والادعاء إلى أن يسعى المدعون العامون إلى تجاوز الحدود الوطنية (دي فيدريكو، 1998). ولقد جعل هذا الأمر المدعين العامين يواجهون تحديات جديدة صعبة، مما جعل مسؤولياتهم وواجباتهم أكثر تعقيدًا (على سبيل المثال، فهم في كثير من الأحيان أعضاء في فرق متعددة التخصصات ومع أخصائيين من تخصصات أخرى ومن المتوقع أن يمارسوا مهارات قيادية جديدة). وبالتالي، فإن الادعاء الفعّال الكفء يتطلب على نحو متزايد تنسيق أنشطة الادعاء مع أنشطة مكاتب الادعاء الأخرى ـ بدرجات متفاوتة وعلى الصعيدين الدولي والإقليمي أيضًا. وبالتالي، فإن المحاكمة القضائية الكفء والفعالة تتطلب على نحو متزايد أن تكون أنشطة المدعين العامين - بدرجات متفاوتة - منسقة مع أنشطة المدعين العامين الآخرين، على المستويين الدولي والإقليمي.

وإن إحدى الشبكات الإقليمية التي تؤدي هذه الوظيفة هي شبكة السلطات الإفريقية المركزية والمدعين العامين لمكافحة الجريمة المنظمة التي تضم ممثلين من 15 دولة في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ومن موريتانيا، وتهدف إلى العمل كنقطة "تبادل المعلومات والممارسات الجيدة بين المدعين العامين والممارسين وممارسي تطبيق القانون بشأن التعاون الدولي في المسائل الجنائية.

وبالإضافة إلى ذلك، تعد بعض الشبكات كيانات مهمة لوضع المعايير. فعلى سبيل المثال، الرابطة الدولية للمدعين العامين وشبكة المدعين العامين لمكافحة الجريمة المنظمة، والمجلس الاستشاري للمدعين العامين الأوروبيين. ويتألف المجلس الاستشاري للمدعين العامين الأوروبيين من مدعين عامين رفيعي المستوى للدول الأعضاء في مجلس أوروبا. كما أن لديه مهام مختلفة، بما في ذلك: إعداد الآراء للجنة وزراء مجلس أوروبا بشأن القضايا المتعلقة بخدمة النيابة لتعزيز تنفيذ توصيات مجلس أوروبا بشأن دور النيابة العامة في نظام العدالة الجنائية. وجمع المعلومات حول عمل أجهزة النيابة العامة في أوروبا. حيث إن آرائها لها تأثير كبير في نظام مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي.

مثال : أذربيجان: تنظيم مؤتمر دولي حول دور واستقلالية المحامين في باكو.

في 15 و16 نوفمبر 2018، عقدت اللجنة الدولية للحقوقيين، بالاشتراك مع مجلس أوروبا ونقابة المحامين في أذربيجان، مؤتمرها الدولي السنوي في باكو حول "دور واستقلالية المحامين: وجهات نظر مقارنة". يهدف المؤتمر، وهو أول حدث من نوعه حول دور واستقلال مهنة المحاماة المنظمة في البلاد، إلى جمع وجهات النظر حول حوكمة ودور المهنة القانونية من خبراء دوليين وممثلين من مجموعة واسعة من البلدان، بما في ذلك دول مجلس أوروبا وآسيا الوسطى بالإضافة إلى ممثلي المنظمات الدولية.

ولكي تعمل النيابة العامة بشكل فعال، يجب أن تكون قادرة على توفير اتخاذ قرارات محايدة وغير سياسية وغير تعسفية حول تطبيق القانون الجنائي على القضايا الحقيقية. قد يكون للاستخدام غير المناسب أو الحزبي للتحقيق الجنائي عواقب وخيمة على حماية الحقوق المدنية والمعاملة المتساوية للمواطنين أمام القانون (غالباً ما يكون التحقيق الجنائي، في الواقع، عقوبة بحد ذاتها، قد تستمر لسنوات قبل أي مراجعة قضائية). وبناءً عليه، يتعين على النيابة العامة أن تظهر الاستقلالية والحياد في أداء وظائفها لتحقيق رسالتها المؤسسية. يجب أن المدعون بعيدين عن أي ضغط أو نفوذ سياسي لا مبرر له.

وإن الاستقلالية والحياد قيمتان أساسيتان لدور الادعاء العام، لكن هناك حاجة إلى بعض التوضيحات. فالاستقلال، في الواقع، يحمل معنى خاص فيما يتعلق بمعنى القضاة والقضاء. فعلى عكس القضاة، الذين يكون استقلالهم ملازمًا لدورهم، قد يتمتع المدّعون بمستويات دنيا من الاستقلال المؤسسي والتشغيلي. وعلى الرغم من أن بعض الدول تخلق تشابهًا بين استقلالية القضاء والادعاء، إلا أن الاستقلالية الممنوحة للنيابة العامة (وأعضاء النيابة العامة) عادةً ما تختلف عن تلك الخاصة بالسلطة القضائية (والقضاة الأفراد)، بمعنى أن :

  • في العديد من البلدان، يتمتع المدعون العامون باستقلالية أقل بسبب الهيكل الهرمي لجهاز النيابة. ويكمن الأساس المنطقي لذلك في كل من الإرث التاريخي والدور الوظيفي للمدعي العام. ونظرًا لكون دور النيابة مفيدًا في تنفيذ السياسات العامة في القطاع الإجرامي، يمكن للسلطات المسؤولة سياسياً عن تنفيذ هذه السياسات توجيه نشاط المدعين.
  • إذا كان للسلطات غير التابعة للادعاء العام أو للمدعين العامين رفيعي المستوى (أو السلطات الأخرى) الحق في إعطاء تعليمات عامة أو محددة للمدعين العامين، فيجب أن تكون هذه التعليمات شفافة وخاضعة للمبادئ التوجيهية المعمول بها لحماية واقع وإدراك استقلالية الادعاء. يختلف مستوى الشفافية في الواقع من بلد إلى آخر.
  • يجب النظر في الترتيبات الدستورية والمؤسسية والقانونية المختلفة بشكل شامل وليس منفردًا. على سبيل المثال في بعض البلدان، يكون الاعتماد المؤسسي للمدعين العامين على السلطة التنفيذية هو الوضع الراهن المقبول، ومع ذلك فإنهم يحافظون على درجة معينة من السلطة التقديرية فيما يتعلق بصنع القرار.
  • تؤثر درجة معينة من السلطة التقديرية دائمًا على نشاط المدّعين، حتى في البلدان التي لا تعترف به رسميًا، ويرجع ذلك إلى أسباب مختلفة: تتم كتابة القوانين بعبارات مجردة تمامًا لتناسب مجموعة كبيرة من الحالات، وبالتالي قد يكون لدى المدعين العامين بعض السلطة التقديرية في تطبيق القانون على حقائق محددة؛ وهي أن الموارد المالية والوقت محدود، ويكون لدى المدعين العامين بعض السلطة التقديرية لتحديد القضايا التي تتطلب المزيد من الجهد، وبالتالي تقليل الجهد في القضايا الأخرى.

وهناك درجة معينة من الاستقلال المؤسسي لا غنى عنها لضمان نزاهة الادعاء في الممارسة الملموسة لوظيفة التحقيق والمحاكمة القضائية. فالاستقلال، في الواقع، ليس إلا أداة أساسية لتحقيق النزاهة. وبالتالي، فمن واجب جميع الدول وفقًا لمبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن دور المدعين العامين ضمان قدرة المدّعين العامين على أداء وظائفهم المهنية دون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق أو تعرض غير مبرر للمسؤولية المدنية أو الجزائية أو غيرها من المسؤوليات. كما يجب على المدعين العامين حماية المصلحة العامة في أداء واجباتهم، والتصرف بموضوعية، ومراعاة وضع المشتبه به والضحية مراعاة مناسبة، وإيلاء الاهتمام لجميع الظروف ذات الصلة، بغض النظر عما إذا كانا لصالح أو لغير صالح المشتبه به (1990، الصفحات 4 و13).

ولا يتمثل دورهم في كسب الإدانات بأي ثمن، بل تقديم جميع الأدلة المتاحة ذات الصلة والمقبولة والمطلوبة أمام المحكمة لتمكين المحكمة من تحديد ذنب المتهم أو براءته. كما توصلت المحكمة العليا الكندية في قضية باوتشر ضد الملكة إلى أن دور المدعين العامين، "يستبعد أي فكرة عن الفوز أو الخسارة؛ ووظيفتهم هي مسألة واجب عام (...). ويجب ان يؤدوها بإحساس متأصل بكرامة الإجراءات القضائية وخطورتها وعدالتها "(1955، الصفحة 23-24).

وهذا مبدأ هام تشترك فيه معظم أنظمة العدالة الجنائية. ويجب على المدعي العام "التأكد من إجراء جميع الاستفسارات الضرورية والمعقولة والكشف عن النتيجة للمشتبه فيه، سواء كان ذلك يشير إلى ذنب أو براءة المشتبه فيه. وفي الواقع إن من واجب المدعي العام، البحث عن الحقيقة، ومساعدة المحكمة على الوصول إلى الحقيقة واستعادة العدالة في المجتمع، والضحية والمتهم وفقًا للقانون وإملاءات الضمير" (المكتب، 2015، الفقرة 163؛ المجتمع المنفتح، 2008؛ سيبرت-فوهر،2011). ومع ذلك، قد يشعر المدعون، عند إثبات إدانة في قضية جنائية، بالضغط من جانب الضحية، وعائلة الضحية، ومجموعات الدفاع عن الضحايا، ووسائل الإعلام، والجمهور، والمدعين العامين الآخرين، إلخ. كما يمكن أن يؤدي هذا الضغط إلى "سيكولوجية الإدانة"، وتشير إلى الإفراط في التركيز على الإدانات على حساب السعي إلى "تحقيق العدالة". ولتجنب ذلك، يُطلب من المدّعين تحقيق توازن دقيق بين المتطلبات والتوقعات المختلفة.

والتحدي الثاني هو الالتزام الأخلاقي للاعتقاد في القضية التي تتم مقاضاتها. قد يتجلى هذا الالتزام ببساطة في أنه نتيجة لإحساس المدعي العام بدوره الأساسي في خدمة العدالة. وقد لوحظ أن هذا النهج يمكن أن يؤدي إلى استخدام المدعين العامين "رؤية نفقية" "يمكن أن تعرض موضوعيتهم للخطر - لأن المدّعين الذين يسعون إلى تحقيق العدالة يجب عليهم أولاً أقناع أنفسهم بأن الشخص مذنب كشرط مسبق لقرار أن الإدانة الجنائية هي النتيجة العادلة." (المكتب، 2015، الفقرة 166).

الجدل الرئيسي

على سبيل المثال في جنوب إفريقيا، تكون الوظيفة الأساسية للمدعين هي "مساعدة المحكمة في التيقن من الحقيقة". وإن المدعي العام مُلزم أخلاقياً بإظهار أعلى درجة من الإنصاف للمتهم. ويفصح المدعي العام عن معلوماته المواتية للدفاع، وإذا كان هناك تعارض بين الشهادة الشفوية للشاهد في المحكمة وبيان مكتوب في وقت سابق، يجب على المدعي العام لفت الانتباه إلى هذه الحقيقة وإتاحة البيان المكتوب للدفاع لأغراض الاستجواب. ولكن من الناحية العملية، يتم قياس أداء المدعين العامين في الغالب من خلال معدل الإدانة - عدد الإدانات الناجحة كنسبة من المحاكمات. وبالتالي، هناك ضغط على المدعين العامين من أجل: (أ) إثبات الإدانة حيث تم بدء الادعاء، و(ب) رفض بدء الادعاء ما لم يتم تأكيد الإدانة (دو بليسيز وريدباث وسكونيك، 2008، ص359).

وإن الاستقلالية والحياد هما وسيلتان أساسيتان لمنع الفساد ومكافحته داخل أجهزة النيابة العامة، من خلال تقليل فرص المسؤولين الفاسدين للتدخل في التحقيقات/الإجراءات الجنائية. ويساهم المدّعون العامون في عدالة وفعالية المحاكمات (العملية القضائية) من خلال التعاون مع الشرطة والمحاكم ومحامي الدفاع والوكالات الحكومية ذات الصلة، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي. ولذا فإن منع الفساد وتجنبه أمر أساسي لكي يؤدي المدعون دورهم بشكل صحيح. وفي تلك الدول التي تشكل فيها النيابة العامة جزءًا من السلطة القضائية، أو تتمتع باستقلالية مماثلة لتلك التي تتمتع بها الخدمة القضائية، يمكن تطبيق التدابير التي لها نفس التأثير مثل تلك المتخذة فيما يتعلق بالسلطة القضائية على النيابة العامة أيضًا (المكتب، 2015، الفقرة 137). كما يمكن أن تشمل التدابير الأخرى للحد من خطر التدخل غير السليم في نشاط الادعاء، على سبيل المثال، المراجعة القضائية، وحظر التعليمات في القضايا الفردية، والإجراءات التي تتطلب إصدار أي تعليمات من هذا القبيل كتابةً ونشرها، وأي آليات أخرى تضمن الاتساق وشفافية اتخاذ قرارات المدعين العامين.

وإن السلطة التقديرية - بشكل أو بآخر - الممنوحة للمدعين العامين تطرح أسئلة مهمة فيما يتعلق بمُساءلتهم. ووفقًا للمبادئ الأساسية لسيادة القانون، حيثما يتم منح مؤسسات العدالة الجنائية السلطة التقديرية والسلطة لاتخاذ القرارات بنفسها، هناك حاجة لضمان مساءلة الجهات الفاعلة والوكالات المسؤولة عن القرارات التي تتخذها (داندوراند، 2007). ومن ثم، يجب مُساءلة المدعين العامين، وكذلك القضاة، عن أفعالهم واتخاذ تدابير مختلفة.

وبالإضافة إلى المبادئ العامة، يجب أن يعتبر تحليل الخصائص الرئيسية لدور المدعين العامين بالضرورة أن تنظيم النيابة العامة يختلف اختلافًا كبيرًا من بلد إلى آخر، وقد يكون هناك العديد من التكوينات الممكنة، والممارسات المتأصلة في ثقافات قانونية مختلفة. ويمكن تحديد المكونات الرئيسية التي يمكن أن تؤثر على نشاط المدعين اعتمادًا على مختلف العناصر على النحو التالي :

  • أنظمة العدالة الجنائية ذات الطبيعة المتخاصمة وتلك الخاضعة للتحقيق ؛
  • الأنظمة التي يُكلَّف فيها المدّعون بالتحقيق الجنائي، وتلك التي يُستثنى فيها المدّعون من مرحلة التحقيق، وفي هذه الحالة يبقى التحقيق هو المجال الحصري للشرطة (أو وكالات التحقيق الأخرى)؛ وبالتالي فإن مهام التحقيق والادعاء تكون منفصلة ومستقلة، على الرغم من أن بعض التعاون يكون ممكنًا ؛
  • الأنظمة التي يكون فيها الادعاء إلزاميًا (وفقًا لمبدأ الشرعية) وغيرها حيث يكون للمدعي سلطة تقديرية في عدم المحاكمة (وفقًا لمبدأ الفرصة) إذا كانت المصلحة العامة لا تتطلب ذلك، على سبيل المثال ؛
  • الأنظمة التي تكون فيها النيابة العامة مركزية، وتلك التي تكون لامركزية فيها ؛
  • الأنظمة التي ينتمي فيها المدعون والقضاة إلى هيئة مهنية واحدة، وأخرى يكونون فيها منفصلين تمامًا ؛
  • تسمح بعض الأنظمة بالمقاضاة الخاصة بينما البعض الآخر لا يفعل ذلك، أو يعترف بإمكانية المقاضاة الخاصة على أساس محدود فقط ؛
  • الأنظمة التي يخضع فيها المدعون للتوجيهات والإشراف على الموضوعات التي تتحمل المسؤولية السياسية عن أنشطتهم (الهيكل الهرمي) والنظام الذي يتمتع فيه المدعون بضمانات الاستقلال التي تشبه تلك الخاصة بالقضاة؛
  • الأنظمة التي يمكن أن يتدخل فيها المدّعون رفيعو المستوى مباشرةً في قضية المرؤوس (قد يكون المدّعون الأعلون أيضًا واجهة بين دائرة النيابة والفروع السياسية) وتلك التي يتمتع فيها المدعي العام بمفرده باستقلالية أكبر.

 

 التالي

 العودة الى الأعلى