هذه النميطة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين  

 

الصكوك الإقليمية لحقوق الإنسان

 

ثمة مجموعة من العناصر المختلفة في الحق في محاكمة عادلة تتبدَّى أيضاً بدرجات متباينة ضمن صكوك إقليمية لحقوق الإنسان. وإضافة إلى ذلك، ما فتئت المحاكم الإقليمية تنشط جداً بخصوص تفسير هذه الأحكام، وتطوير الاجتهاد القضائي ذي الصلة بذلك، وبخاصة لأن الحقوق في المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة يمكن أن تؤثر على نحو مباشر أو غير مباشر على حماية حقوق إنسانية أخرى. وتُدرس أمثلة هامة على هذا الاجتهاد القضائي، في الأقسام التالية التي توجّه النظر إلى مبادئ معينة للمحاكمة العادلة.

 

المنطقة الأوروبية

الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان

تعد المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR) (التي اعتُمدت في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1950، ودخلت حيز النفاذ في 3 أيلول/سبتمبر 1953)، من أكثر نصوص الأحكام تفصيلا بشأن الحق في محاكمة عادلة في سياق ذي صلة بالإرهاب، وهي مصحوبة بمجموعة موسَّعة من السوابق القضائية، وفيما يلي عناصر المادة 6، ذات الصلة خصوصاً بهذا المبحث:

  • لكل شخص - عند الفصل في اتهام جنائي موجَّه إليه - الحق في مرافعة علنية عادلة خلال مدة معقولة أمام محكمة مستقلة غير منحازة مشكَّلة طبقا للقانون وعادةً يصدر الحكم علنياً. (المادة 6 (1)).
  • "كل شخص يُتهم في جريمة يعتبر بريئاً حتى تثبت إدانته طبقا للقانون". (المادة 6 (2)).
  • "لكل شخص يُتهم في جريمة الحقوق الآتية كحد أدنى": (المادة 6 (3)).
    • إخطاره فورا - وبلغة يفهمها وبالتفصيل - بطبيعة الاتهام الموجه ضده وسببه. (المادة 6 (3) (أ))
    • منحه الوقت الكافي والتسهيلات المناسبة لإعداد دفاعه. (المادة 6 (3) (ب)).
    • تقديم دفاعه بنفسه، أو بمساعدة محام يختاره هو، (المادة 6 (3) (ج))، ويجب توفير معونة قانونية له مجانا كلما تطلبت العدالة ذلك.
    • توجيه الأسئلة إلى شهود الإثبات، واستدعاء شهود نفي وتوجيه الأسئلة إليهم. (المادة 6 (3) (د)).
    • مساعدته بمترجم شفوي مجانا إذا كان لا يفهم أو لا يتكلم اللغة المستعملة في إجراءات المحكمة.
 

المنطقة الأمريكية

الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان

على نحو مماثل، يُعدّ نص الأحكام ذات الصلة بالموضوع، أي المادة 8 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان (التي اعتمدت في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1969، ودخلت حيز النفاذ في 18 تموز/يوليه 1978)، مادة جيدة التطور. فإن الموقف الأساسي فيها هو أن "لكل شخص الحق في محاكمة تتوفر فيها الضمانات الكافية، وتجريها خلال وقت معقول محكمة مختصّة مستقلة غير متحيزة، كانت قد أُسست سابقاً وفقاً للقانون، وذلك لإثبات أية تهمة ذات طبيعة جزائية موجهة إليه...". ثم تمضي المادة 8 (2) قُدما لكي تبين أن لكل شخص متهم بجُرم جنائي الحق في أن يُعتبر بريئاً. وتقدّم علاوة على ذلك عدداً من الضمانات والكفالات الرامية إلى الحرص على تكافؤ الوسائل. وهي تماثل إلى حد كبير تلك الواردة في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهي إتاحة سُبل الاستعانة بمترجم شفوي حيثما كان مناسباً؛ ومعرفة المتهم التامة بالقضية المرفوعة ضده؛ ومنحه الوقت الكافي والتسهيلات المناسبة لإعداد دفاعه، بما في ذلك توفير التمثيل القانوني له؛ والحق في مواجهة الشهود واستجوابهم. وعلاوة على ذلك، توفَّر التدابير اللازمة لدفاع المتهم عن نفسه شخصيًّا أو بواسطة ممثل قانوني له؛ وعدم إجباره على أن يكون شاهداً ضد نفسه أو على أن يعترف بأنه مذنب؛ وإعطائه الحق في استئناف الحكم أمام محكمة أعلى درجة.

وإن نص المادة 8 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان أوسع تفصيلاً من النص المقارن به للمادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، من حيث إنه ينص على أن "يُعتبر اعتراف المتهم بالذنب سليما ومعمولا به شرط أن يكون قد تم دون أيّما إكراه من أي نوع" (المادة 8 (3))؛ كما ينص على أنه "إذا بُرِّئ المتهم بحكم غير قابل للاستئناف فلا يجوز أن يخضع لمحاكمة جديدة للسبب عينه" (المادة 8 (4)). وعلى غرار الاتفاقية الأوروبية، ينبغي أن تكون إجراءات الدعوى الجنائية علنية (المادة 8 (5)). غير أنه، في الممارسة العملية، ليس ثمة من فارق ذي دلالة بالغة بين نطاق وطابع الحقوق وتدابير الحماية الممنوحة بمقتضى الاتفاقية الأوروبية والاتفاقية الأمريكية كلتيهما، لأن المحاكم التي تطبق كلا منهما ما فتئت تنشط في تفسير أحكامهما، وفي سد أي ثغرات يحتمل أن توجد في هذا الخصوص. وعلى سبيل المثال، مع أن المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لا تشير صراحة إلى مبدأ تكافؤ الوسائل، فإن هذا المبدأ الأساسي يُعد جوهريا في هذا الصدد، ويتبدى بخاصة في المادة 6 (3) منها، والتي تبرز بانتظام في الاجتهادات القضائية لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

 

المنطقة الأفريقية

الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب

الحق في محاكمة عادلة منصوص عليه أيضاً ضمن أحكام المادة 7 من الميثاق الأفريقي (الذي اعتُمد في 1 حزيران/ يونيه 1981، ودخل حيز النفاذ في 21 تشرين الأول/أكتوبر 1986)، وإن كان ذلك بتفصيل أقل منه في الأحكام ذات الصلة من الاتفاقيتين الإقليميتين الأخريين، التي دُرست على التوّ هنا. وهي تنص على ما يلي:

1-  لكل شخص الحق في الاستماع لقضيته. وهذا يشمل:

  1. الحق في اللجوء إلى أجهزة وطنية مختصة للنظر في أي أفعال تعد خرقا لحقوقه الأساسية المعترف له بها وتضمنها الاتفاقيات والقوانين واللوائح التنظيمية والأعراف السائدة؛
  2. الحق في افتراض براءته حتى تثبت إدانته أمام محكمة أو هيئة قضائية مختصة؛
  3. الحق في الدفاع عن نفسه، بما في ذلك الحق في اختيار مدافِع عنه؛
  4. الحق في محاكمته خلال فترة معقولة وبواسطة محكمة محايدة.

2-  لا يجوز إدانة شخص بسبب عمل أو امتناع عن عمل لا يشكل جُرما يعاقب عليه القانون وقت ارتكابه. ولا يجوز فرض عقوبة على جُرم إلا بنص. والعقوبة شخصية ولا يمكن فرضها إلا على الجاني.

وحسبما يمكن أن يُرى، ثمة عدد من العناصر الأساسية للحق في محاكمة عادلة موجود هنا في هذه المادة، ومنها مثلاً افتراض البراءة، والحق في المحاكمة في غضون فترة معقولة أمام محكمة غير منحازة، والحق في الاستئناف، وغير ذلك. ولكن على النقيض من المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والمادة 8 من الاتفاقية الأمريكية، لا تتضمن المادة تفاصيل ما تستلزمه هذه الحقوق والضمانات. وعلاوة على ذلك، فإن النهج الذي ينطوي عليه النظام الأفريقي لحقوق الإنسان ينحو إلى عدم قراءة المادة 7 بمعزل عن غيرها عند تقرير الحقوق في المحاكمة العادلة، بل ينبغي قراءتها مع المادة 3 من الميثاق الأفريقي - التي تنص على أن الناس سواسية أمام القانون - وكذلك المادة 26 التي تُلزم الدول الأطراف بشأن "ضمان استقلال المحاكم". غير أنه ينبغي القول مرة أخرى بأن تفاصيل هذه الأحكام لم تُحدَّد، بل تُرك البت فيها للجنة الأفريقية والمحكمة الأفريقية المعنيتين بحقوق الإنسان والشعوب.

 

المنطقة الآسيوية

فيما يخص النظام الآسيوي لحقوق الإنسان، ثمة وثيقتان رئيسيتان هما إعلان رابطة أمم جنوب شرق آسيا بشأن حقوق الإنسان (إعلان آسيان) (المعتمد في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2012)، و الميثاق الآسيوي لحقوق الإنسان (المعتمد في 17 أيار/مايو 1998).

أما فيما يخص إعلان آسيان، فإن نص الحكم الرئيسي الوارد فيه الذي يتناول مسألة الحقوق في المحاكمة العادلة والأصول القانونية الواجبة هو المادة 20 (1)، التي تبين ما يلي:

كل شخص يُتهم بجرم جنائي تُفترض براءته إلى حين إثبات كونه مذنبا، وذلك وفقاً للقانون في محاكمة منصفة وعلنية أمام هيئة قضائية مختصة ومستقلة وغير متحيزة يُكفل فيها للمتهم الحق في الدفاع عن نفسه.

وهذا الحكم، في ظاهره، يعيد تبيان عدد من المبادئ الجوهرية للمحاكمة العادلة والأصول الإجرائية القانونية الواجبة، وهي افتراض البراءة؛ والحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة (غير متحيزة)، وحق الشخص المتهم في الدفاع عن نفسه. ومع ذلك فإن مما تجدر ملاحظته أن المادة 20 لا تتضمن حكماً بشأن بعض الجوانب المشمولة بصكوك دولية أو إقليمية أخرى فيما يخص الحق في محاكمة عادلة. وعلى سبيل المثال، لا يُنص على حكم صريح فيما يتعلق بتكافؤ الوسائل، مع أن هذا الحق وارد بصيغة مخففة إلى حد ما في المادة 3، التي تبين أن الأشخاص جميعاً متساوون أمام القانون. ومع ذلك، لا تُقدم تفاصيل عما قد يعنيه ذلك في الممارسة العملية فيما يخص مثلاً الحقوق في مراعاة الأصول الإجرائية الواجبة، الممنوحة للشخص المتهم، بما في ذلك إمكانية الاستعانة بمترجم شفوي إذا احتاج لذلك، أو إمكانية مواجهة الشهود واستجوابهم، أو توفير المعونة القانونية. وباعتبار كل ما سبق قوله، فإن من الممكن أن يكون تدارك هذه الإغفالات الظاهرة مضمَّنا في المادة 3 (1)، التي تنص بصيغة أكثر عموماً على أن الميثاق الآسيوي لحقوق الإنسان يقر كل الحقوق الواردة في الصكوك الدولية. ولا ضرورة لإعادة تبيانها هنا. ونحن نعتقد بأن هذه الحقوق من اللازم النظر إليها على نحو كلي، وبأن الحقوق الفردية تتابع من خلال تصور مفاهيمي أوسع مدى، يشكل الأساس الذي يقوم عليه البند التالي.

فيما يتعلق بالميثاق الآسيوي لحقوق الإنسان، فإن نص الحكم الوثيق الصلة هو المادة 3 (7)، التي تبين ما يلي:

على كل الدول أن تلغي عقوبة الإعدام. وحيثما توجد هذه العقوبة، لا يجوز إيقاعها إلا في حالات نادرة بشأن أشد الجرائم خطورة. وقبل أن يُحرَم أي شخص من حياته بإيقاع عقوبة الإعدام عليه، لا بد من أن تُكفل له محاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة ونزيهة، مع إتاحة الفرصة التامة له ليحصل على تمثيل قانوني بواسطة محام يختاره هو، ووقت كاف لإعداد دفاعه، ومع افتراض براءته، وكفالة حقه في اللجوء إلى هيئة قضائية أعلى لإعادة النظر في قضيته. ولا ينبغي أبداً تنفيذ هذه العقوبة علناً ولا عرضها على الجمهور العام على أي نحو آخر.

المسألة الأولى الجديرة بالملاحظة هنا هي أن الحق في محاكمة عادلة غير منصوص عليه إلا في سياق فرض عقوبة الإعدام، مع ترك الموقف بشأن المحاكمة على جرائم لا يُعاقب عليها بالإعدام غير واضح. ومما تجدر ملاحظته أيضاً أنه في حين أن المادة 3 (7) تشير إلى عدد من الحقوق الأساسية في المحاكمة العادلة ومراعاة الأصول القانونية الواجبة - ومن ذلك مثلاً استقلال الهيئة القضائية وعدم انحيازها؛ وإمكانية الحصول على تمثيل قانوني مناسب (وإن كان من غير الواضح فيما إذا كان ينبغي للدولة أن تُمول ذلك من خلال المعونة القانونية)؛ وافتراض البراءة؛ والحق في الاستئناف - فإن هناك إغفالات لمسائل هامة أيضاً. وهي تشمل مبادئ تكافؤ الوسائل، وتحديد الحقوق الإجرائية ومنها مثلا إمكانية الاستعانة بمترجم شفوي، وإمكانية مواجهة الشهود واستجوابهم، وغير ذلك.

 

منطقتا الشرق الأوسط والخليج

ينص الميثاق العربي لحقوق الإنسان بصيغته المنقحة على الحق في محاكمة عادلة. والنص الابتدائي فيه هو المادة 13:

  1. لكل شخص الحق في محاكمة عادلة تتوافر فيها ضمانات كافية وتجريها محكمة مختصة ومستقلة ونزيهة ومنشأة سابقا بحكم القانون؛ وذلك في مواجهة أية تهمة جزائية تُوجَّه إليه، أو للبت في حقوقه والتزاماته. وتكفل كل دولة طرف لغير القادرين ماليا الإعانة العدلية للدفاع عن حقوقهم.
  2. تكون المحاكمة علنية، إلا في حالات استثنائية تقتضيها مصلحة العدالة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان.

وبالمقارنة بالإيجاز النسبي الذي يتميز به نص الحكم الخاص بالمحاكمة العادلة الوارد في الميثاق الأفريقي، يُعد نص هذا الحكم أقل استفاضة من حيث نطاقه وتفاصيله، غير أنه يشتمل فعلا على عدد من المبادئ الجوهرية بشأن اختصاص المحكمة واستقلالها وعدم تحيزها، والإمكانية المتاحة لكي يستطيع المتهم الدفاع عن نفسه؛ ووجوب أن تُجرى المحاكمة عادة علانية. ومع ذلك ينبغي القول مرة ثانية بأن هذا الحكم لا ينبغي أن يُقرأ معزولا، بل مشفوعا بالمادة 11، التي تنص على أن "جميع الأشخاص متساوون أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحمايته من دون تمييز"؛ والمادة 12 التي تنص على أن "جميع الأشخاص متساوون أمام القضاء"، وكذلك على "استقلال القضاء". ولئن قيل ذلك، لا تزال هناك مسائل هامة مغفلة، ومنها مثلاً الحق في الاستئناف، أو الحق في الاستعانة بمترجم شفوي، لكي يتسنى للمتهم أن يستوعب الإجراءات القانونية ويشارك فيها تماماً. غير أن بعض هذه الثغرات يمكن تداركه بواسطة الأحكام والمبادئ التوجيهية التي هي أكثر عمومية والمبينة بالتفصيل في المادة 3 من الميثاق العربي. ومما تجدر ملاحظته أن المادة 12 تنص صراحة أيضاً على حماية القضاة "من أي تدخل أو ضغوط أو تهديدات"، الأمر الذي يمكن أن يكون مشكلة خطيرة الشأن، ولا سيما عند معالجة الشؤون ذات الصلة بالإرهاب.

أما بالنسبة إلى منظمة التعاون الإسلامي، فإن نص الحكم ذا الصلة بالموضوع في إعلان القاهرة لعام 1990 حول حقوق الإنسان في الإسلام (المعتمد في 5 آب/أغسطس 1990) هو المادة 19. وهي مادة موجزة جداً بالفعل؛ والأجزاء ذات الصلة منها تنص على ما يلي فحسب:

(أ) الناس سواسية أمام الشرع، يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم؛

(ب) حق اللجوء إلى القضاء مكفول للجميع؛

(د) لا جريمة ولا عقوبة إل بموجب أحكام الشريعة؛

(هـ) المتهم بريء حتى تثبت إدانته بمحاكمة عادلة تُؤمَّن له فيها كل الضمانات الكفيلة بالدفاع عنه.

ولكنّ كثيراً من المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة غير مبينة بتفصيل، ومنها مثلاً الحق في المقاضاة أمام محكمة مختصة مستقلة وغير متحيزة، أو الحق في الاستئناف. ومع ورود إشارة في المادة 19 (هـ) إلى أن المتهم تُؤمَّن له "كل الضمانات الكفيلة بالدفاع عنه"، فلا تُقدَّم تفاصيل عما قد يعني ذلك في الممارسة العملية.

 

الرجوع إلى البداية