هذه النميطة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين  

 

دراسات حالة

 

دراسة الحالة 1: افتراض البراءة

 

قضية كراوزه ضد سويسرا:*

في قضية كراوزه ( Krause)، تناولت المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان الحالة التي يدلي فيها موظفون عموميون ببيانات بشأن الإرهابيين المشتبه فيهم ممن هم رهن التحقيق.

وقد احتجزت السيدة كراوزه على سبيل الحبس الاحتياطي في انتظار مثولها للمحاكمة على جرائم إرهابية. وكانت جماعة من الفدائيين الإرهابيين مكونة من إرهابيين من الألمان والفلسطينيين قد اختطفت طائرة، وطالبت المجموعة الفدائية بإطلاق سراح مجموعة من السجناء، بمن فيهم السيدة كراوزه، وهي امرأة مرتبطة بجماعة إرهابية ألمانية.

وقد سئل وزير العدل السويسري في مقابلات تلفزيونية كيف تعتزم حكومته أن تتصرف ردًّا على ذلك. وفي مقابلة أولى، ذكر أن "بترا كراوزه لا يمكن اعتبارها مجرد فلسطينية مناضلة من أجل الحرية، فقد ارتكبت أفعالا جرمية في عرف القانون العام تتعلق باستخدام المتفجرات. وسوف تمثُل للمحاكمة في الخريف بوصفها محتجزة في حبس احتياطي. وإن محاربة الإرهاب لا يمكن الاضطلاع بها من خلال إطلاق سراح الإرهابيين." ثم في مقابلة تلفزيونية ثانية، أعلن الوزير أن السيدة كراوزه لها صلة بعدة أحداث تفجير، "ولا بد لها من المثول للمحاكمة - وأنا لا أعلم الحكم. ولا يمكن محاربة الإرهاب بالتخلي عن سيادة القانون".

وقد قدمت السيدة كراوزه شكوى إلى المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان بأن هذه الإفادات تنتهك مبدأ افتراض البراءة. وأكدت المفوضية أن مبدأ افتراض البراءة من شأنه أن يُنتهك في حال أن أعلن موظف عمومي أنّ المشتبه فيه مذنب بارتكاب فعل إجرامي قبل أن تثبت المحكمة الذنب عليه. وفي الوقت نفسه، فإن السلطات لا تنتهك هذا المبدأ بإعلامها الجمهور العام بشأن التحقيقات الجارية، وبشأن الاعتقالات، وبشأن الاعترافات التي يدلي بها المشتبه فيهم.

وذكرت المفوضية الأوروبية أن وزير العدل الاتحادي السويسري كان يمكنه أن يختار كلماته بمزيد من العناية. غير أنه أوضح أن السيدة كراوزه لا بد لها مع ذلك أن تمثل للمحاكمة. وفي المقابلة الثانية، ذكر الوزير على التحديد أنه لا يعلم ماذا سوف تسفر عنه إجراءات المحاكمة من نتائج. ولذلك استنتجت المفوضية أن مبدأ افتراض البراءة لم يُنتهك.

*  قضية كراوزه ضد سويسرا Krause v. Switzerland (Merits) (Application no. 7986/77), Judgment of 3 October 1978, European Court of Human Rights .
 

دراسة الحالة 2: إتاحة الحصول على مشورة قانونية

 

قضية سالدوز:*

قبضت شرطة مكافحة الإرهاب على السيد سالدوز ( Salduz) - الذي كان عمره في وقت حدوث الوقائع 17 عاما - للاشتباه في مشاركته في مظاهرة غير قانونية تأييدا لحزب العمال الكردستاني المحظور بوصفه منظمة إرهابية في تركيا وعدة بلدان أخرى. وقد جرى استجوابه في فرع شرطة مكافحة الإرهاب. واعترف بأنه قام بدور رئيسي في تنظيم المظاهرة لصالح حزب العمال الكردستاني وقائده المسجون، وقبل الاستجواب لدى الشرطة وبعده، زاره طبيب، وذكر أنه لا وجود لآثار سوء معاملة على جسم المقبوض عليه. وعلاوة على ذلك، قبل الاستجواب لدى الشرطة، وقّع على استمارة اعترف فيها بأنه تم إعلامه بحقه في التزام الصمت. ثم في اليوم التالي، كرر السيد سالدوز اعترافه أولاً أمام مدعي عام الشرطة، وبعد ذلك أمام قاضي تحقيق، وحينذاك، كان القانون التركي يستلزم في قضايا الإرهاب أن يجري الاستجواب من جانب الشرطة والمثول الأولي أمام المدعي العام والقاضي دونما الاستعانة بمحام.

وقد اتهم السيد سالدوز، بموجب قانون مكافحة الإرهاب، بمعاونة حزب العمال الكردستاني والتواطؤ معه. وبُوشرت المحاكمة أمام محكمة أمن الدولة بعد ثلاثة أشهر تقريبا من القبض عليه؛ وحظي بمساعدة محامي دفاع. وقد رجع السيد سالدوز عن أقواله التي سبق أن أدلى بها، وأنكر أنه كان ضالعا في المظاهرة. وكذلك رجع كل الشركاء معه في الاتهام - الذين وصفوه بأنه واحد من منظمي المظاهرة - عن أقوالهم التي أدلوا بها سابقا. غير أن المحكمة خلصت إلى أن السيد سالدوز وبعض الشركاء المتهمين معه مذنبون، بناء على إفاداتهم المقدمة إلى الشرطة والنائب العام وقاضي التحقيق، وحكمت عليه بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف. وقد أقر الحكم الصادر لدى محكمة الاستئناف وكذلك لدى المحكمة العليا.

ورفع السيد سالدوز طلبا إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، يتضمن شكوى بشأن انتهاك حقه في محاكمة عادلة. وفي الحكم الذي أصدرته المحكمة الأوروبية (الفقرة 54)، أبرزت أهمية مرحلة التحقيق من أجل إعداد إجراءات الدعوى الجنائية، وبينت حالة الاستضعاف التي يكون فيها المتهم في هذه المرحلة. وذكَّرت بأن الحق في المحاكمة العادلة يقتضي عادة أن تتاح للمتهم الاستعانة بمحام في المراحل الأولية من الاستجواب من جانب الشرطة (الفقرة 52). غير أن هذا الحق اعتُبر قابلا للتقييد في حال وجود سبب وجيه.

ولدى تطبيق هذه المبادئ على قضية السيد سالدوز، ارتأت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنه بمعزل عن أقوال المذكور وأقوال المدعى عليهم معه (وكلها أُدلي بها بلا استعانة بمحام)، يُعتبر دليل الإثبات على السيد سالدوز ضعيفاً على الأرجح. وقد وجدت المحكمة الأوروبية (في الفقرة 58) أن السيد سالدوز "قد مسّه بلا شك أثر تدبير التقييد المفروض على الاتصال بمحام، بحيث أن إفادته التي أدلى بها للشرطة استخدمت لإدانته. ومن ثم فإنه لا المساعدة المقدمة لاحقاً بواسطة محام، ولا طابع المواجهة في إجراءات الدعوى المتأتية عن ذلك، كان فيهما ما يمكن أن يعالج العيوب التي وقعت أثناء مرحلة الاحتجاز في عهدة الشرطة". كما سلَّطت المحكمة الأوروبية الضوء على صغر عمر السيد سالدوز (17 عاما) باعتبار ذلك عنصر معينا من عناصر القضية. واستنتجت المحكمة الأوروبية أن المحاكمة كانت غير منصفة: "يمكن القول إجمالا ... أن عدم وجود محام أثناء فترة وجوده محتجزا في عهدة الشرطة أثر على نحو غير قابل للتدارك في حقوقه الخاصة بالدفاع عن نفسه" (الفقرة 62).

وفي قضية سالدوز، شدَّدت المحكمة الأوروبية على أهمية الحق في إتاحة الحصول الفوري على مشورة قانونية وذلك على وجه التحديد بالنظر إلى صغر عمر السيد سالدوز. ولكن في قضية لاحقة بخصوص رجل بالغ متهم بكونه عضوا في جماعة إرهابية، أوضحت المحكمة الأوروبية بأن الحق في الاستعانة بمحام حالما يودع الشخص المعني في عهدة الاحتجاز يُطبق في جميع الحالات. فقالت المحكمة الأوروبية:

وفقاً للقواعد المعيارية الدولية المعترف بها عموماً ... يحق للشخص المتهم بجرم أن يستعين بمحام حالما يُحتجز، وليس أثناء استجوابه فحسب،... وفي الحقيقية أن الإنصاف في إجراءات الدعاوى يقتضي أن يكون بمقدور المتهم الحصول على طائفة كاملة من الخدمات التي تقترن على وجه التحديد بالمساعدة القانونية. وفي هذا الصدد، لا بد من أن يكون بمقدور المحامي أن يؤمّن بلا تقييد توفير الجوانب الأساسية من الدفاع عن الشخص المعني: مناقشة حيثيات القضية، وتنظيم الدفاع، وجمع الأدلة المؤاتية لصالح المتهم، والاستعداد للاستجواب، ومساندة المتهم في حال العسْر، وتدقيق صحة ظروف الاحتجاز".**

 

قضية مكتب غازي سليمان للمحاماة:***

قُبض على ثلاثة رجال بتهم الضلوع في أنشطة إرهابية وتعريض السلم والأمن في السودان للخطر. وقد رُفض طلبهم أن تُتاح لهم سبل الاتصال بمحاميهم وأُسرهم. وكان مكتب المحاماة الذي اختارته لهم أُسرهم، وهو مكتب غازي سليمان وآخرون، قد طلب عبثا إلى السلطات المختصة، بما في ذلك المحكمة العليا، الحصول على إذن لزيارة موكليه، ولاحقاً لتمثيلهم أثناء المحاكمة. وعيّنت المحكمة العسكرية التي حاكمت الرجال الثلاثة محامين آخرين للدفاع عنهم.

وفي القرار الذي أصدرته اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان بشأن الشكوى المقدمة من مكتب غازي سليمان للمحاماة، ارتأت (في الفقرة 59) أن "الحق في اختيار المتهم محاميه بنفسه بحرية حق أساسي لضمان المحاكمة العادلة. وأما التسليم بأن للمحكمة الحق في الاعتراض على اختيار المتهم لمحاميه فيبلغ حد انتهاك غير مقبول لهذا الحق". وخلصت اللجنة الأفريقية إلى الاستنتاج القائل (في الفقرة 60) بأن رفض منح الضحايا الحق في أن يمثلهم محام يختارونه بأنفسهم يبلغ حد انتهاك المادة 7 (1) (ج) من الميثاق الأفريقي ("حق التقاضي مكفول للجميع، ويشمل هذا الحق ... حق الدفاع، بما في ذلك الحق في اختيار مُدافع عنه").

*  قضية سالدوز ضد تركيا. Salduz v. Turkey (Application no. 36391/02), Judgment of 27 November 2008, European Court of Human Rights .
**  قضية دايانان ضد تركيا . Dayanan v. Turkey (Application no. 7377/03), Judgment of 13 October 2009, European Court of Human Rights, para. 32 .
***  اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان (2003). قضية مكتب غازي سليمان للمحاماة ضد السودان. Law Office of Ghazi Suleiman v. Sudan , Communication nos. 222/98 and 229/99، 29 أيار/مايو.
 

دراسة الحالة 3: الحق في عدم تجريم الذات

 

قضية هيني وماكغينّس:*

وقع انفجار كبير في ثكنة عسكرية، قتل فيه خمسة جنود وشخص مدني. وضمن التحقيقات التي أعقبت الانفجار مباشرة، داهمت الشرطة من‍زلا اشتُبه بأنه مكان يستخدمه الجيش الجمهوري الأيرلندي (آي آر إيه، تنظيم شبه عسكري غير قانوني)، الذي اشتبه بأنه نفذ الاعتداء. وعثر في المن‍زل على أشياء ومنها خُوذ قناعية من نوع البالاكلافا وقفازات مطاطية من اللاتكس، كما عثر في المن‍زل على هيني وماكغينّس وآخرون، المشتبه في كونهم أعضاء في الآي آر إيه)، وقُبض عليهم. وجرى استنطاق هيني وماكغينّس عن تحركاتهم في ذلك اليوم، وخصوصاً تحركاتهم حوالي الوقت الذي وقع فيه الانفجار. وتلت عليهم الشرطة نص المادة 52 من قانون تشريعي بشأن مكافحة الإرهاب في أيرلندا (قانون مكافحة الأفعال الجُرمية ضد الدولة لعا 1939)، والذي ينص على اعتبار عدم تقديم الشخص المعني بيانات عن تحركاته فعلاً جُرمياً قائما بذاته. وقد رفضوا الإجابة عن الأسئلة.

وبعد فحص الأشياء التي عُثر عليها في المنزل ثبت أنها ليست مرتبطة من حيث التحليل الجنائي بذلك الهجوم بالقنابل على الموقع العسكري. واتُهم هيني وماكغينّس بالانتساب إلى عضوية تنظيم غير مشروع قانونا (الجيش الجمهوري الأيرلندي)، بموجب المادة 52، مع عدم تقديم معلومات تبين تحركاتهم أثناء تلك الفترة المحددة. وفي المحاكمة أيضاً، التزم هيني وماكغينّس الصمت. وقد أُبرئ كلاهما من تهمة الانتساب إلى ذلك التنظيم، ولكن اعتبرا مذنبين بعدم تقديم المعلومات التي تبين تحركاتهم في ذلك اليوم، وحُكم عليهما بعقوبة الحبس لمدة ستة أشهر.

ورفع هيني وماكغينّس قضيتهما إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وقد حاججت الحكومة بأن المادة 52 تعد ردا مناسبا على التهديد الذي كان يشكله الإرهاب في أيرلندا في ذلك الوقت. غير أن المحكمة الأوروبية تبينت أن درجة الإكراه المفروض على هيني وماكغينّس بموجب المادة 52 من قانون مكافحة الإرهاب المشار إليه، وذلك من أجل إجبارهما على تقديم معلومات فيما يتعلق بالتهم الموجهة إليهما، كانت شديدة بحيث أنها في الواقع تتلف جوهر الامتياز الممنوح بشأن عدم تجريم الذات والحق في التزام الصمت (الفقرة 55 من تقرير المحكمة الأوروبية). ومن ثم وجدت المحكمة الأوروبية أن ذلك يمثل انتهاكا للحق في المحاكمة العادلة. وعلاوة على ذلك، لاحظت المحكمة الأوروبية وجود صلة وثيقة بين حق المرء في عدم تجريم ذاته وحقه في افتراض براءته؛ وتبينت المحكمة الأوروبية وجود انتهاك لهذا الحق الآخر أيضاً.

*  قضية هيني وماكغينّس ضد أيرلندا، تقرير المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان Heaney and McGuinness v. Ireland ( Application no. 34720/97), Judgment of 21 December 2000, European Court of Human Rights .
 

دراسة الحالة 4: استبعاد الأدلة المتحصل عليها على نحو ينتهك قانون حقوق الإنسان

 

قضية طابا:*

في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2004، أدت هجمات بالقنابل في المنتجعين السياحيين طابا ونويبع في شبه جزيرة سيناء إلى وفاة 34 شخصا وإصابة أكثر من مائة شخص من المصريين والأجانب. وقد اعتقلت قوى الأمن المصرية أشخاصا كثيرين في أعقاب الهجمات، وكان من ضمنهم محمد جايز صباح وأسامة محمد عبد الغني النخلاوي ويونس محمد أبو جرير. وأودع المتهمون رهن الاحتجاز مع منع الاتصالات عنهم (بما في ذلك دونما إتاحة الاتصال بمحام)، لمدة نصف سنة، ثم حُوكموا أمام محكمة أمن الدولة العليا في مصر، التي وجدت أنهم مذنبون وذلك استنادا في المقام الأول إلى الاعترافات التي أدلوا بها أثناء الاحتجاز، وحكمت عليهم بعقوبة الإعدام.

وقد رفعت منظمتان معنيتان بحقوق الإنسان طلبات بالنيابة عنهم إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان. وتبينت اللجنة الأفريقية أن الرجال الثلاثة أدلوا باعترافاتهم بعد إخضاعهم للتعذيب مرارا وتكرارا (الفقرة 189 في التقرير). وكان الرجال الثلاثة قد احتجزوا دونما أن تتاح لهم سبل الاتصال بالعالم الخارجي لمدة تتراوح بين ستة وتسعة أشهر. وقدموا شكاوى بشأن المعاملة السيئة التي تعرضوا لها، وذلك للمرة الأولى عندما طُلبوا للمثول أمام مدع عام. وأمر المدعي العام بفحصهم طبيا، وقرر أنهم لا تظهر عليهم آثار إصابات خارجية. فاشتكى المدعى عليهم إلى المحكمة التي تتولى محاكمتهم، التي أمرت أيضاً بإجراء فحص طبي لهم. وعلى الرغم من انقضاء وقت طويل، أظهر الفحص الطبي وجود إصابات لا تفسير لها تتوافق مع الإصابات التي تضمنتها الشكاوى المقدمة من الرجال الثلاثة؛ ولكن المحكمة لم تواصل تقصي المسألة، بل حكمت على المدعى عليهم بعقوبة الإعدام، معوّلة في ذلك على اعترافاتهم التي أدلوا بها إلى قوى الأمن.

وفي القرار الصادر عن اللجنة الأفريقية، كررت اللجنة تأكيد عدة مبادئ هامة جداً ترد أيضاً في الاجتهادات القضائية لهيئات دولية أخرى معنية بحقوق الإنسان:

  • عندما يصاب شخص بندوب وهو رهن الاحتجاز أو تحت سيطرة قوى الأمن، فإن ذلك يدل على افتراض إخضاع ذلك الشخص للتعذيب أو المعاملة السيئة (في الفقرة 168 من التقرير).
  • إذا ما أراد الادعاء التعويل على أدلة إثباتية يزعم الشخص المعني بأنها انتُزعت منه من خلال التعذيب أو المعاملة السيئة، يقع على الادعاء عبء إثبات عدم الحصول على تلك الأدلة من خلال التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة للكرامة. كما ذكرت اللجنة الأفريقية أنه "حالما يثير الشخص الضحية شكوكا فيما إذا جرى تحصيل أدلة معينة بالتعذيب أو بأي شكل آخر من أشكال المعاملة السيئة، وجب عدم القبول بالأدلة المشكوك فيها، ما لم يكن بمقدور الدولة المعنية أن تظهر عدم وجود احتمال خطير للتعرض للتعذيب أو المعاملة السيئة". وعلاوة على ذلك، إذا تم الحصول على اعتراف من الشخص المعني أثناء فترة احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي، ينبغي اعتبار ذلك الاعتراف منتزعا بالقسر وينبغي عدم السماح بقبوله دليلا إثباتيا (في الفقرة 212).
  • إتاحة سبل الاتصال بمحام هي إحدى الضمانات اللازمة لدرء التعسف أثناء إجراءات المحاكمة العادلة (في الفقرة 179).
  • اللجوء الفوري إلى سلطة قضائية مستقلة عن السلطات المسؤولة عن الاحتجاز والاستجواب ثم المقاضاة في نهاية المطاف، يكون جانبا جوهريا من جوانب منع وردع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة (في الفقرة 183). كما أن مثول المحتجزين أمام مدع عام ليس كافيا لاستيفاء هذا الاشتراط.
  • من ضمن سبل الانتصاف الأخرى، أوصت اللجنة الأفريقية مصر بعدم تنفيذ الأحكام الصادرة بعقوبة الإعدام، وإطلاق سراح الرجال الثلاثة، وتعويضهم بشكل كاف. وفي شباط/فبراير 2012، أسقطت الحكومة المصرية الأحكام الصادرة بعقوبة الإعدام.
 

قضية نالاراتنام سينغاراسا:**

قبض على السيد سينغاراسا للاشتباه في ضلوعه بأنشطة حركة نمور التاميل "إيلام"، بما في ذلك شن هجمات على معسكرات تابعة للجيش في سري لانكا. واحتجز في عهدة الشرطة لشهور كثيرة دون أن يتاح له الاتصال بمحام، وزعم أنه تعرض للضرب. وبعد انقضاء ستة أشهر على اعتقاله، جُلب للمثول أمام ضابط شرطة عالي الرتبة، وطُلب منه التوقيع على إفادة، أصبحت فيما بعد الأساس الذي قامت عليه إدانته لدى محاكمته. وحُكم عليه بعقوبة السجن لمدة 35 سنة. ووفقاً للسيد سينغاراسا، لم يكن بمستطاعه فهم تلك الإفادة (لأنها كتبت باللغة السنهالية، وهو لم يكن قادرا على التكلم والقراءة إلا باللغة التاميلية)، فرفض التوقيع عليها، ولكن ضابط الشرطة أكرهه عنوة على أن يدمغ بإبهامه الإفادة المطبوعة.

وفي وقت حدوث الوقائع، كان القانون السري لانكي المتعلق بالأدلة الإثباتية ينص على عدم قبول إفادة مُدلى بها أمام ضابط شرطة. غير أن قانون منع الإرهاب (PTA) يتضمن استثناء من هذه القاعدة، بالنص على قبول الاعتراف المدلى به أمام ضابط شرطة عالي الرتبة. ومع أن السمة الطوعية في الإدلاء بإفادة أو اعتراف على هذا النحو يمكن الطعن فيها، فإن عبء إثبات انعدام الطوعية في الإدلاء بالاعتراف يقع على عاتق الشخص الذي يدعي ذلك. وأثناء المحاكمة، ادّعى السيد سينغاراسا بأن "اعترافه" كان بالإكراه. غير أن المحكمة طبقت نص قانون مكافحة الإرهاب، وسمحت بقبول الإفادة (مستندة إليها في إثبات وقوع الذنب وإصدار حكم العقوبة)، حيث إن السيد سينغاراسا لم يكن بمقدوره إثبات عدم طوعية الإفادة المدلى بها.

وقد تولت هذه القضية اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وأكدت "أنه يُفهم ضمنا من هذا المبدأ [ألا يُكره أحد على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب] أن تقوم النيابة العامة بإثبات أن الاعتراف قد صدر دون إكراه" (في الفقرة 7-4 من وثيقة الآراء التي اعتمدتها اللجنة). وإذا ما تبينت المحكمة (سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة أو في مرحلة المحاكمة) أن الادعاء قد قصّر في إظهار أن الإفادة المجرمة لم تُنتزع بالإكراه عندما يثير الدفاع هذه المسألة، وجب إذ ذاك استبعاد تلك الأدلة لضمان الإنصاف في المحاكمة.

 

قضية غيلاني:***

كان أحمد خلفان غيلاني قيد المحاكمة في المحكمة الاتحادية الأمريكية في مدينة نيويورك بتهم ارتكاب جريمة القتل العمد والتآمر لارتكاب جرائم إرهابية، وأفعال جُرمية أخرى، حيث اشتبه في أنه ضالع (اتُهم بقيامه بدور لوجستي رئيسي) في التفجيرين الإرهابيين للسفارتين الأمريكيتين في كينيا وتن‍زانيا في عام 1998، حيث قتل 224 شخصا.

وقد أُلقي القبض على السيد غيلاني في باكستان في عام 2004، واحتجز في معتقل سري تابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (ما يسمى موقعا مبهما)، ثم في معتقل القاعدة البحرية في غوانتانامو لمدة خمس سنوات قبل جلبه للمحاكمة أمام محكمة مدنية. ولدى استجوابه أثناء احتجازه في "الموقع المبهم" التابع لوكالة الاستخبارات المركزية، أدلى السيد غيلاني بإفادات وصفتها تقارير بأنها تبلغ حد الاعترافات بشأن دوره في التفجرين. ولم يقم الادعاء بأي محاولة لتقديم هذه الإفادات بوصفها أدلة إثباتية أثناء المحاكمة. وأدلى السيد غيلاني بإفادات أيضاً إلى محققي وكالة السي آي إيه، قادتهم إلى رجل يدعى حسين أبيبي. وفي وقت لاحق، أخبر السيد أبيبي المحققين بأنه باع السيد غيلاني المتفجرات التي استخدمت في الهجمات.

وقد اعتبر الادعاء السيد أبيبي شاهدا رئيسيا، ولكن محامي الدفاع عن السيد غيلاني اعترض على استدعائه للإدلاء بشهادته أثناء المحاكمة، وذلك لأن المعلومات التي قادت إلى معرفة هوية السيد أبيبي بوصفه شاهدا، قد انتُزعت من السيد غيلاني تحت التعذيب، حسبما زعم. وامتنعت حكومة الولايات المتحدة عن تقديم معلومات إلى القاضي عن الظروف الذي جرى فيها استجواب السيد غيلاني، وقبلت بأن يفترض القاضي، تبعاً لذلك، أن إفادات السيد غيلاني قد تم الحصول عليها بالإكراه.

ولدى الفصل في مسألة مقبولية شهادة السيد أبيبي، عقد القاضي جلسات مرافعة مغلقة، استمع خلالها إلى أقوال أشخاص كانوا حاضرين بوصفهم شهودا عندما جرى إقناع السيد أبيبي بالاعتراف بدوره، من أجل توريط المتهم، ومن أجل التعاون مع السلطات. ثم بت القاضي بأن دستور الولايات المتحدة لا يسمح بأن يمثل السيد أبيبي بوصفه شاهدا لأن "الحكومة لم تثبت أن شهادة السيد أبيبي هي إفادة بصيغة مخففة بقدر كاف من أقوال السيد غيلاني المنتزعة بالإكراه، وذلك بما يجيز الأخذ بها في عداد الأدلة الإثباتية". وأضاف القاضي بقوله:

إن المحكمة لم تتوصل إلى هذا الاستنتاج بخفة في التقدير، وهي تدرك بدقة الطبيعة المحفوفة بالخطورة الشديدة التي يتسم بها هذا العالم الذي نعيش فيه. ولكن الدستور هو الصخرة التي تقوم عليها أمتنا. وعلينا أن نتبع هذا الدستور لا حينما يكون ملائما لنا، بل حينما يوجهنا الخوف والإحساس بالخطر إلى اتباع اتجاه مختلف. وأما الركون إلى القيام بما هو أقل من ذلك، فإنه يقلل من شأننا ويقوض الأسس التي نقف عليها.

وفي وقت لاحق، برّأت هيئة المحلفين السيد غيلاني من التهم البالغ عددها 280 تهمة موجهة إليه، ما عدا تهمة واحدة منها، بما في ذلك من تهمة القتل العمد والتآمر لاستخدام أسلحة دمار شامل. غير أنه وُجد مذنبا بجريمة واحدة هي التآمر لتدمير مبان وممتلكات حكومية. وحكم عليه القاضي بالسجن مدى الحياة.

 

قضية الحسكي:****

السيد الحسكي مواطن مغربي دخل، بعد قضائه فترات في سوريا والمملكة العربية السعودية وأفغانستان (حيث اشترك في دورات تدريب عسكري لدى زعيم مليشيا)، إلى بلجيكا على نحو غير قانوني في عام 2004. وبعد خمسة أشهر من وجوده في بلجيكا، تقدّم بطلب لجوء، ولكنه بعد أسبوعين من تقديمه الطلب، قُبض عليه واتّهم بالمشاركة بوصفه قائدا في نشاط جماعة إرهابية (الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية) ('GICM' بحسب مختصر اسمها باللغة الفرنسية)، وفي جرائم أخرى.

وقد أُضيفت إلى ملف قضية الحسكي الجنائية في بلجيكا الأدلة التي أحالتها السلطات المغربية، المتحصّل عليها أثناء إجراءات قضائية بوشرت عقب وقوع تفجيرات الدار البيضاء في عام 2003. وتضمنت تلك الأدلة إفادات شهود بينت ضلوع السيد الحسكي وأنشطته في الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية.

وحُوكم السيد الحسكي، ووجد مذنباً بالمشاركة في أنشطة جماعة إرهابية، وحُكم عليه بعقوبة الحبس لمدة سبع سنوات. فاستأنف الحكم الصادر، ملتمسا لدى المحكمة الاستئنافية استبعاد الإفادات المتحصّل عليها في المغرب، والتي زعم أنها انتُزعت من خلال التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية. غير أن محكمة الاستئناف ارتأت أن السيد الحسكي لم يقدم أي دليل قابل لإلقاء "قدر معقول من الشك" على الطريقة التي تم بها الحصول على الإفادات. ولذلك فقد رفضت تلك الحجة وساندت الحكم الصادر، وذلك استنادا إلى جملة أمور أخرى ومنها الإفادات التي أحالتها السلطات المغربية.

وقد تقدم السيد الحسكي بشكوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وأشارت المحكمة الأوروبية إلى المبدأ القائل بأن استخدام الأدلة الإثباتية المتحصل عليها بطريقة تعد انتهاكا لحظر التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة يؤدي تلقائيا إلى جعل الإجراءات القضائية بكليتها مجحفة.

كما لاحظت المحكمة الأوروبية أن الإفادات قيد البحث قد أدلى بها أشخاص مشتبه بهم في المغرب في أثناء تحقيقات وإجراءات قضائية أعقبت تفجيرات الدار البيضاء في 16 أيار/مايو 2003. واستنادا إلى عدة تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية، تبينت المحكمة الأوروبية وجود "احتمال خطورة حقيقية" حينذاك في أن تكون الإفادات قد جرى الحصول عليها باللجوء إلى معاملة مخالفة لحظر التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة، وأن النظام القضائي المغربي الذي كان قائما في الفترة التي أعقبت تفجيرات الدار البيضاء لم يكن يوفر ضمانات حقيقية في إجراء تمحيص مستقل وغير منحاز وجاد لمزاعم التعذيب.

وارتأت المحكمة الأوروبية أنه في تلك الظروف المحيطة بالقضية كان يكفي أن يبين السيد الحسكي بوضوح للمحكمة الوطنية أنه كان يوجد "احتمال حقيقي" لأن تكون الإفادات قد انتُزعت بالتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة. وكان ينبغي للمحاكم البلجيكية أن تكون قد تأكدت بنفسها من أن ذلك لا ينطبق على الحالة المعروضة، أو أن تكون خلافا لذلك قد استبعدت تلك الإفادات من ملف القضية. وأما الاشتراط على السيد الحسكي أن يقدم "إثباتا ملموساً" قابلا لأن يلقي "قدرا معقولا من الشك" على الطريقة التي جرى بها الحصول على الإفادات فلم يكن ردا ملائما من جانب المحاكم البلجيكية على اعتراضات السيد الحسكي. وخلصت المحكمة الأوروبية إلى الاستنتاج بوقوع انتهاك للحق في المحاكمة العادلة.

*  اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (2011). قضية المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وإنتررايتس ضد مصر (حيثيات القضية)، البلاغ رقم 334/06، في الفقرة 185، 1 آذار/مارس. African Commission on Human and Peoples' Rights (2011). Egyptian Initiative for Personal Rights and Interights v. Egypt (Merits), Communication No. 334/06 at para. 185. 1 March .
**  الأمم المتحدة، اللجنة المعنية بحقوق الإنسان (2004). قضية نالاراتنام سينغاراسا ضد سري لانكا. United Nations, Human Rights Committee (2004). Nallaratnam Singarasa v. Sri Lanka , Communication no. 1033/01. 21 July. CCPR/C/81/D/1033/2001. Para. 7.4 .
***  قضية الولايات المتحدة الأمريكية ضد أحمد خلفان غيلاني. United States of America v. Ahmed Khalfan Ghailani , Case no. S10, Judgment of 12 July 2010, US District Court Southern District of New Yok, 98 Crim. 1023(LAK) .
****  قضية الحسكي ضد بلجيكا. El Haski v. Belgium (Application no. 649/08/03), Judgment of 25 September 2012, European Court of Human Rights .
 

دراسة الحالة 5: رفض الإفصاح عن معلومات بناءً على موجبات المصلحة العمومية

 

قضية ألف وآخرين:*

تتعلق هذه القضية بالاحتجاز الإداري لا بالإجراءات القضائية الجنائية. فقد استحدثت المملكة المتحدة إجراءً من شأنه أن يجيز إحالة ما يسمى 'المواد المغلقة'، التي ترفض الحكومة الإفصاح عنها للمحتجزين بناء على موجبات الأمن الوطني، لإعادة النظر فيها، بالنيابة عن المحتجزين، من جانب 'محامي دفاع خاصين'، تعينهم الحكومة. وقد تبينت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن اللجوء إلى 'محامي دفاع خاصين' يمكن أن يعد طريقة للتخفيف من شدة الوضع غير المؤاتي الذي يعانيه المحتجزون من جراء رفض الإفصاح لهم عن المواد التي تسوغ المزاعم الموجهة ضدهم. غير أن السؤال، وكذلك الاختبار، الذي يعد أكثر أهمية في هذا الصدد، هو ما إذا كانت 'المواد المفتوحة' المتاحة للمحتجزين تقدم لهم ما يكفي من المعلومات التي تمكنهم من الطعن في المزاعم الموجهة ضدهم. [مسألة تُناقش على نحو إضافي في النميطة 10].

*  قضية ألف وآخرين ضد المملكة المتحدة، A. and Others v. the United Kingdom (Application no. 3455/05), Judgment of 19 February 2009, European Court of Human Rights, paras. 203-204.
 

الرجوع إلى البداية