هذه الوحدة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين  

 

منع الفساد في القطاع الخاص

 

يتطلب التنظيم الأكثر صرامة والأكثر دقة أن تقوم الشركات بالعمل على تعزيز الامتثال للقواعد، ولكن أيضاً للتركيز على قيمها وتطوير ثقافة أخلاقية. ويتوقع أصحاب المصلحة مثل الموظفين والعملاء والمساهمين وشركاء الأعمال والمجتمع المدني معايير أعلى للنزاهة والسلوك التجاري الأخلاقي مما يمكن فرضه من مجرد القواعد. ولعل التركيز على القواعد والأنظمة وحدها كثيرا ما لا يرقى إلى مستوى تلبية هذه التوقعات الأعلى للممارسات التجارية الأخلاقية. ولذلك، فإن أي برنامج فعال للأخلاقيات والامتثال، يتجاوز مجرد الامتثال ويهدف إلى تعزيز ثقافة النزاهة، ينبغي أن يشمل تدابير داخلية وخارجية وجماعية.

 

من النهج القانوني إلى النهج السلوكي

يخلق التطبيق العالمي للمعايير القانونية لمكافحة الفساد بالنسبة للشركات حوافز للشركات لاعتماد برامج للأخلاقيات والامتثال يمكن أن تكشف الفساد في المنظمات وتمنعه لتجنب الجزاءات والأضرار التي تلحق بالسمعة. وإلى جانب ذلك، بالنسبة للشركات، فإن المشاركة في الجهود الرامية إلى منع الفساد يعد أمرا منطقيا من الناحية التجارية بالنظر إلى الأثر السلبي الذي يمكن أن يحدثه الفساد على الأعمال التجارية الفردية والسوق ككل. وينطوي ذلك أيضا على تغيير كل من السلوك التنظيمي وثقافة الشركات (سوليفان وآخرون، 2013؛ مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، 2013أ).

وقد كانت نُهج الامتثال القانوني التي تعتمد فقط على القواعد التي يتعين على الشركة نفسها إنفاذها، مع التهديد بالعقاب الجنائي أو المدني لدعمها، كانت تاريخيا هي الآلية الرئيسية للتصدي للفساد في القطاع الخاص. وأصدرت عدة حكومات ومنظمات دولية مبادئ توجيهية لمساعدة الشركات على وضع خرائط لبرامجها المتعلقة بأخلاقيات مكافحة الفساد والامتثال لها. فقد نشر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، على سبيل المثال، برنامجا لأخلاقيات مكافحة الفساد والامتثال للأعمال التجارية: دليل عملي، ودليل لأخلاقيات مكافحة الفساد والامتثال للأعمال التجارية (بالتعاون مع منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي والبنك الدولي). وحتى أن المنظمة الدولية للتوحيد القياسي وافقت على عملية موحدة لإدارة مكافحة الرشوة، وهي المقياس (ISO) رقم 37001.

ومع ذلك، شكلت برامج الامتثال المبكر إشكالية حقيقة، لأن الشركات تميل إلى التركيز على عمليات مثل سن مدونات قواعد السلوك وتنفيذ القواعد والإجراءات الداخلية دون تقييم نتائج هذه العمليات وتأثيرها على القضايا الأخلاقية والسلوكية داخل الشركات (هودجز وشتاينهولتز، 2017). ولذلك، فإن هذه العمليات لم تمنع نماذج اشكاليات الأعمال المتبع بالشركات. ولقد اعتُبرت برامج الامتثال منفصلة عن العمليات التجارية الأساسية، مما أدى إلى عدم قدرة هذه البرامج على تغيير قيم المنظمة وأساليب عملها. ونتيجة لذلك، ظلت ثقافة المخالفة داخل الشركات إلى حد كبير مستمرة. وعندما ظهرت حالات فساد واسعة النطاق، مما دل على أن مخالفات الشركات في كثير من الأحيان لم تكن بسبب الموظفين المارقين ولكن بسبب ثقافة شركات محددة، بدأ التركيز يتحول إلى مواءمة الثقافة التنظيمية مع أهداف مكافحة الفساد (تورسيلو، 2018).

وقد عالجت النُهج القانونية لمسؤولية الشركات هذا التحول من منظور الاقتصاد الأرثوذكسي ونظرية الاختيار العقلاني (انظر، على سبيل المثال، بيكر، 1968). وباختصار، كان الافتراض هو أن المزيج الصحيح من الكشف والجزاءات هو المفتاح لردع سوء السلوك. ومع ذلك، فإن الاعتماد حصراً على الردع في الممارسة العملية ثبت أنه مكلف للغاية وغير فعال، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية (هودجز وشتاينهولتز، 2017). وتبين البحوث المتعلقة بالعلوم النفسية والسلوكية أن التغيرات في السلوك بدافع الحوافز والجزاءات تأتي بتكلفة باهظة. حيث تتطلب هذه التغييرات توفير الموارد المالية والبشرية، مثل نظم المراقبة ونظم الحوافز وما يتصل بها من تتبع. وعلاوة على ذلك، فإن أخلاقيات مكافحة الفساد وبرامج الامتثال القائمة والتي ترتكز بقوة على الكشف والجزاءات تبعث برسالة انعدام الثقة داخل المنظمة. ويمكن أن يكون للمراقبة أثر سلبي بوجه خاص على ثقافة الشركات. وفي بيئة من عدم الثقة، قد يتردد الموظفون في مراقبة انتهاكات السياسات الداخلية والكشف عنها طوعاً، وقد يشعرون بالانفصال وأنهم موضع شك باستمرار.

وللتغلب على ثقافة المخالفات داخل الشركات، يتعين على الإدارة العليا أن توضح أنها لا تدعو إلى ارتكاب المخالفات كما انها لا تتغاضى عنها، وأنه بعد إجراء تحقيق وتحري عن الأسباب الحقيقية، سيعاقب مرتكب الفساد المتعمد. في المصطلحات التقنية، غالبا ما يشار إلى هذا باسم "خطاب من السلطة العليا". ولعل سياسة عدم التسامح مطلقا مع الفساد يجب أن يتم ابلاغها في إطار يجمع بين عصا العقاب وعصا الرسالة الإيجابية بشأن نوع السلوك الذي تتوقعه الشركة من موظفيها.

كما أن إجراء تحليل وتحقيقات للأسباب الجذرية قبل تحديد ما إذا كان العقاب مطلوباً يسهم أيضاً في بناء "ثقافة عادلة" حيث يراعي الإنصاف ويمكن للأشخاص أن يتعلموا من أخطائهم. وفي مثل هذه البيئة، سيكون من الممكن تحديد السبب الحقيقي للمشكلة (الذي قد يكون، على سبيل المثال، أن الأهداف التي تحددها الإدارة العليا يستحيل تحقيقها بأي طريقة أخرى) والتعلم من هذه الممارسة وإصلاح المشكلة الأساسية، بدلا من مجرد إلقاء اللوم على كبش فداء ومعاقبته.

ومن المسلم به على نحو متزايد أن نُهج تغيير السلوك القائمة على البرامج القائمة على القيمة تؤدي، مقارنة بنُهج الامتثال القانوني، إلى مستويات أعلى من الوعي الأخلاقي، وزيادة عدد الموظفين الذين يلتمسون المشورة بشأن المسائل الأخلاقية، وزيادة احتمال إبلاغ الموظفين عن الانتهاكات، مما يقلل من الأضرار إلى أدنى حد. وتقوم البرامج القائمة على القيمة على افتراض أن الموظفين يتعاملون مع أي قيم موجودة في الشركة، أو مؤيدة للمجتمع أو غير اجتماعي، وأن يعتمدوها كقيم خاصة بهم. وعندما تكون هذه القيم موجهة نحو المشاركة المؤيدة للمجتمع، يكون من الأرجح أن يمتثل الموظفون للقواعد، حتى عندما لا يتم مراقبتهم. وتتمثل العناصر الرئيسية في البرامج القائمة على القيمة في معاملة الموظفين معاملة عادلة، ومكافأة السلوك الأخلاقي، ومعالجة السلوك غير الأخلاقي غير المقصود، ومعاقبة السلوك الإجرامي (تريفينيو وآخرون، 2006). وتتمثل خطوة أخرى في هذا الاتجاه في تطوير تعهد القيم. وهذا التزام جماعي من جانب المنظمات بأن تصبح منظمات قائمة على القيم حقا  وأن تدعم تهيئة بيئة أعمال قائمة على القيم. و"UK Values Alliance" هي مثال جيد حول مبادرة تجمع بين الأفراد والشركات التي تهدف إلى تطوير تعهد القيم في المملكة المتحدة.   

وتشير نتائج البحوث والتجارب العملية إلى أن النماذج القائمة على القيم ليست فقط مثل او أكثر فعالية من النماذج التقليدية القائمة على الإكراه، بل إنها أيضا أفضل بكثير في تشجيع الامتثال الطوعي للقواعد وتقليل الصعوبات والتكاليف المرتبطة بإنشاء والمحافظة على آليات مراقبة فعالة في النماذج القائمة على الجزاءات. وللاطلاع على مناقشة أوسع حول القيم والبرامج القائمة على القيمة للشركات، انظر الوحدة التعليمية 11 من سلسلة  الوحدات التعليمية الجامعية E4J حول النزاهة والأخلاق.

ويعد ما قدمه لانجفورت (2017) مفيدا بشكل خاص لفهم كيفية تطبيق نتائج الأخلاقيات السلوكية على تنفيذ أخلاقيات مكافحة الفساد وبرامج الامتثال. وإلى جانب الحاجة الواضحة إلى مواءمة مخططات التعويض وممارسات الترويج مع القيم الأخلاقية، فإن عمل لانجفورت يبين كيف أن الأفكار المقبولة على نطاق واسع حول ما يجعل الأعمال التجارية ناجحة، على سبيل المثال ولاء المجموعة والقدرة التنافسية والرغبة في المخاطرة، قد تعمل كمسارات خفية للسلوك غير الأخلاقي.

 

برامج فعالة لأخلاقيات مكافحة الفساد والامتثال

هناك نماذج إدارية مختلفة للتدابير الداخلية التي تضمن نزاهة الأعمال والأخلاقيات، ولكنها تشترك جميعها في خصائص متشابهة:

  • يعرب قادة الأعمال والمديرون بنشاط عن دعمهم للقيام بالشيء الصحيح، وهم ملتزمون شخصيًا وراغبون في العمل على أساس القيم التي يعتنقونها. ومع ذلك، فينبغي أن يأتي هذا الخطاب أيضا من المديرين المتوسطين، الذين هم قادة الفريق والعمود الفقري للشركات. ويمكن القول إن الأخلاق هي مسؤولية الجميع، على الرغم من أنها يجب أن تبدأ من القمة.
  • القيم والالتزامات التوجيهية منطقية ويتم إبلاغها بوضوح في كل فرصة مناسبة، بما في ذلك في مدونة متوازنة للأخلاقيات والمبادئ التوجيهية.
  • تستند التدابير الداخلية إلى تقييم للمخاطر لإنفاق موارد محدودة بأكبر قدر ممكن من الفعالية.
  • يتم دمج القيم في الأعمال اليومية، ويتم توفير الموارد العملية والتدريب لتوجيه الموظفين حتى في المواقف الصعبة والمناطق الرمادية.
  • أنشئ نظام للرقابة الداخلية، وهناك قنوات مختلفة للإبلاغ، مثل الإبلاغ عن المخالفات.
  • يُفهم برنامج أخلاقيات مكافحة الفساد والامتثال على أنه عملية مستمرة للتعلم، ويجري رصد التدابير واستعراضها على أساس منتظم. ويمكن استخدام الموارد المتاحة بحرية لأغراض التعليم المستمر، مثل أداة التعلم الإلكتروني بالفيديو التي اشترك في تطويرها مكتب الأمم المتحدة العني بالخدرات والجريمة، والاتحاد العالمي للأمم المتحدة (الذي هو محور التمارين السابقة على المحاضرة في هذه الوحدة التعليمية).

ووجود الدعم والالتزام الكاملين من جميع مستويات الإدارة أمر أساسي لخلق ثقافة تحركها القيم الأخلاقية وتنفيذ برنامج فعال لأخلاقيات مكافحة الفساد والامتثال له (مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، 2013ب). وعند وضع البرنامج، ينبغي النظر في آليات الرقابة مع الضوابط الداخلية وحفظ السجلات. وللبرامج الفعالة أيضا سياسات واضحة ومرئية ويسهل الوصول إليها والتي تحظر الفساد، وتخفف من مخاطره الخاصة، وتتصدى للانتهاكات. كما أنها تنشئ قنوات للإبلاغ عن الفساد (مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، 2015).

وبالنسبة للشركات الأكبر حجما، ينبغي للبرنامج أن يعمل مع الشركاء التجاريين والشركات الفرعية والوسطاء. وتدريب الموظفين وتعزيز السلوك الأخلاقي والامتثال وتحفيزهما أمران أساسيان للتنفيذ الفعال. وينبغي مراجعة البرنامج ككل وتقييمه دوريا (منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والبنك الدولي، 2013). وينبغي أيضا تحسين فعالية التدابير القائمة من وقت لآخر. وتُشجَّع الشركات الأكبر حجماً على توسيع نطاق التدابير وتبادل الممارسات الجيدة مع أطراف اجنبية، وذلك مثلاً من خلال المشاركة في مشاريع العمل الجماعي لمكافحة الفساد، والتي سيتم مناقشتها بمزيد من التفصيل أدناه.

وينبغي للشركات ألا تركز على ثقافتها الخاصة في مجال الأخلاقيات فحسب، بل ينبغي لها أيضاً أن تعمل مع الشركاء التجاريين وسلاسل التوريد الخاصة بهم. وكثيرا ما يكون الوسطاء الحلقة الضعيفة، ولا يركز التصور العام على المورد نفسه فحسب، بل يركز أيضا على الشركات التي تعاقدت معهم (مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، 2013ب). وبالإضافة إلى ضمان الامتثال للأنظمة الوطنية والدولية، ينبغي للشركات بالتالي أن تعتمد نهجاً استباقياً لتعزيز نزاهة الأعمال التجارية والأخلاقيات في سلاسل التوريد الخاصة بها، فيما يتعلق بمسؤوليتها المؤسسية وممارساتها التجارية المستدامة.

وأخيرا، يمكن للشركات أيضا أن تشارك في العمل الجماعي مثل تبادل الخبرات داخل فرق العمل أو الانضمام إلى مبادرات مثل الاتفاق العالمي للأمم المتحدة. وفي البيئات التي تسود فيها الممارسات غير الأخلاقية، يمكن للشركات أن تلجأ إلى العمل الجماعي لمحاولة تغيير الوضع الراهن. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تحصل على المنظمين للتدخل أو وضع معايير في مجالات مثل سلاسل الإمداد. وسيتم تناول هذا العمل الجماعي بمزيد من التفصيل لاحقا.

وقد تتطلب الأعمال التجارية نُهجا مختلفة لخلق ثقافة أخلاقية فعالة بسبب خصائصها. مثلا، من حيث الحجم، والمركز القانوني، و/أو التعقيد. ولا يوجد نموذج واحد يناسب الجميع، ولكن المبادئ الأساسية تنطبق على الشركات الكبيرة والصغيرة على حد سواء، بما في ذلك الشركات الناشئة (منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والبنك الدولي، 2013). على سبيل المثال، في الأعمال التجارية الكبيرة، قد يتمثل أحد أشكال الخطاب من السلطة العليا في فيديو على موقع الويب أو بطاقة بريدية مرسلة من ممثل الإدارة إلى الموظفين، لأنه لا يمكن للرئيس التنفيذي أن يجتمع شخصيًا بجميع الموظفين. أما بالنسبة للأعمال التجارية الصغيرة التي يقودها المالك، سيكون من المناسب إجراء محادثات مباشرة مع الموظفين مما يزيد من أهمية النزاهة كقيمة أساسية للشركة.

وفي حين أن الشركة الصغيرة أو الشركة الناشئة قد لا تحتاج إلى صياغة مدونة قواعد سلوك مفصلة (على الرغم من أن ذلك سيتغير مع نمو الأعمال التجارية)، فقد تحتاج الشركات المتعددة الجنسيات إلى النظر في أفضل طريقة للتعبير عن قيمها في سياقات مختلفة مع إيلاء اهتمام خاص لاختلاف القواعد الخاصة بكل دولة والتي سيحاسب موظفوها وفقا لها. وستحتاج الشركات المتعددة الجنسيات أيضا إلى تقييم مخاطر السلوك غير الأخلاقي في مختلف البيئات التي تعمل فيها لاختيار الضوابط المناسبة التي تحتاج إلى وضعها. وكثيرا ما تواجه شركة متعددة الجنسيات أيضا مشكلة الأهمية الثقافية أو الإقليمية. هل ينبغي أن يكون هناك قانون واحد ينطبق في جميع البلدان التي يعمل فيها، أم ينبغي أن تكون هناك مدونات متعددة لتنظم السياقات المختلفة؟ ولعل الحل الأكثر جاذبية هو وجود مدونة عالمية توفر إرشادات عالية المستوى حول قيم الشركة، مدعومة بإرشادات مرتبطة بالدولة التي ستطبق فيها والتي توفر مستوى ً من المرونة، ولكنها لا تتعارض أبدًا مع القيم العالمية أو القانون المعمول به، والتي قد تكون خاصة بولاية قضائية أخرى، مثل قانون الرشوة في المملكة المتحدة أو قانون ممارسات الفساد في الخارج الأمريكي، حيث قد تخضع شركة متعددة الجنسيات لتلك القوانين أينما تقوم بأعمالها.

ويقدم  "برنامج قواعد أخلاقية لمكافحة الفساد وامتثال المنشآت التجارية لها: دليل عملي" التابع لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة  المشورة للأعمال التجارية بشأن كيفية وضع معايير النزاهة المعززة موضع التنفيذ. ويركز هذا الدليل على العناصر المشتركة الأساسية التي ينبغي أن تتصدى لها الأعمال التجارية، مع التركيز بوجه خاص على التحديات والفرص المتاحة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم. وهو يستند إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فضلا عن الصكوك الدولية والإقليمية الأخرى التي تزود الأعمال التجارية بالتوجيه بشأن كيفية دعم معايير النزاهة المعززة، وأن تكون من الشركات الجيدة.

وتشمل المبادرات الدولية الإضافية التي توفر التوجيه في مجال أخلاقيات الأعمال مبادرة الشراكة من أجل النـزاهة التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي، والاتفاق العالمي للأمم المتحدة، والتحالف المعني بالنزاهة، ومبادئ الأعمال التجارية بشأن مكافحة الرشوة الخاصة بمنظمة الشفافية الدولية، ومبادئ إدارة الشركات لمجموعة العشرين/منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ومبادرة أعمال 20  (B20) لمجموعة العشرين، ومبادرة منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي CleanGovBiz.

وقد وضعت منظمات عديدة مبادئ توجيهية للمساعدة في تيسير الممارسات الجيدة. فعلى سبيل المثال، نشرت شركة MexicanoscontralaCorrupciónylaImpunidad (المكسيكيون ضد الفساد والإفلات من العقاب)، وهي منظمة مكسيكية غير ربحية تركز على حماية سيادة القانون وإدانة الفساد المنهجي والإفلات من العقاب والمعاقبة عليهما والقضاء عليهما في القطاعين العام والخاص، مدونة قواعد السلوك الخاصة بها. تعمل هذه المدونة كمعيار ومصدر توجيه للشركات التي تقوم بصياغة وتنفيذ مدونات قواعد السلوك الخاصة بها (المكسيكيون ضد الفساد والإفلات من العقاب، 2019). ولمزيد من المناقشة حول مدونات قواعد السلوك ومدونات الأخلاقيات في مجال الأعمال التجارية، انظر الوحدة التعليمية 11  والوحدة التعليمية 14 من سلسلة  الوحدات التعليمية الجامعيةE4J حول النزاهة والأخلاق.

 

نهج إدارة المخاطر لمكافحة الفساد في القطاع الخاص

حتى عندما تعتمد جميع المنظمات تدابير لمكافحة الفساد، فإنها لا تزال عرضة لمخاطر الفساد. ولذلك ينبغي أن تشمل برامج الأخلاقيات والامتثال إجراءات لتحديد ومعالجة المخاطر المتصلة بالفساد التي يمكن أن تؤثر على أداء المنظمة (لجنة المنظمات الراعية، 2016) وأصبحت نُهج إدارة المخاطر جزءا أساسيا من مجال امتثال الشركات. وعموما، يُنظر إلى إدارة مخاطر الفساد على أنها عملية لتحديد المخاطر وتحديد أولوياتها (تقييمها) من أجل وضع خطة مجدية للتصدي لها، ومن ثم تنفيذ الخطة، مع رصد البيئة المتغيرة والاستعداد للاستجابة المرنة للتحديات الجديدة.

وتختلف مخاطر الفساد. ففي حين أن هناك عوامل خطر خارجية تتصل، على سبيل المثال، بالبلد وقطاع الصناعة ونوع العملية، فإن هناك أيضا مخاطر داخلية خاصة بالمنظمة، مثل عدم كفاية قنوات الإبلاغ، وتضارب الحوافز، والافتقار إلى السياسات والإجراءات. تختلف مخاطر الفساد من شركة إلى أخرى وفقًا لخصائصها المميزة، مثل الحجم أو الهيكل أو العوامل الجغرافية أو نموذج الأعمال أو العمليات الداخلية. حجم الشركة مهم خاصة لأنه يملي كيفية تطبيق التدابير والاستراتيجيات. ويرتبط الحجم بالموارد، مثل الموظفين والوقت والمال، التي تؤثر على أنواع أخلاقيات مكافحة الفساد وبرامج الامتثال التي يمكن تنفيذها (سوليفان وآخرون، 2013). فمحدودية الموارد المتاحة، على سبيل المثال، تجعل تقييمات المخاطر صعبة بشكل خاص بالنسبة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي يجب أن تحقق توازنا بين فعالية التكلفة والحد بكفاءة من مخاطر الفساد. ومع ذلك، ينبغي ألا يكون نقص الموارد عائقا أمام تطوير ثقافة أخلاقية.

وتقييمات مخاطر الفساد ضرورية لضمان وضع الموارد في الاماكن الاكثر أهمية، ولتعزيز الشفافية وبناء الثقة والحد من الفساد. لمنع الفساد ومكافحته بفعالية، تحتاج الشركة إلى معرفة كيف وأين تحدث الجريمة. ويساعد توافر هذه المعلومات على تحديد المشاكل الحقيقية وليس المتصورة فقط في إطار عمليات وهياكل منظمة معينة، وفي نهاية المطاف، تحديد وتطبيق التدابير ذات الصلة الرامية إلى حل هذه المشاكل. ويمكن أن تكون تقييمات مخاطر الفساد حاسمة لأنه في حين أن المديرين قد يعترفون بخطر الفساد بصورة عامة، إلا أنهم قد لا يعرفون أو يدركون آليات ارتكاب الفساد داخل شركتهم.

وفي السنوات الأخيرة، وضعت عدة منظمات دولية أدوات وآليات لدعم حاجة القطاع الخاص إلى تحديد مخاطر الفساد والتصدي لها. وقد تم تطوير أدوات تقييم المخاطر هذه، على سبيل المثال، من قبل الاتفاق العالمي للأمم المتحدة،  ولجنة المنظمات الراعية التابعة للجنة تريدواي،و المبادرة الإقليمية لمكافحة الفساد، ومنظمة الشفافية الدولية.

في حين أن الأدلة المذكورة أعلاه تختلف في بعض الجوانب، مثل المصطلحات، وخطوات وتقنيات جمع البيانات وتحليلها، فإن معظمها يتبع الإطار الموحد لتصميم وتنفيذ وصيانة أنظمة إدارة مخاطر الفساد التي تقدمها المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس (ISO) حسب  المقياس رقم 31000 بشأنإدارة المخاطر - المبادئ والخطوط التوجيهية. ويقترح هذا الإطار نهجاً موحداً لإدارة المخاطر، يتألف من ثلاث مراحل رئيسية هي: تحديد المخاطر؛ وتحليل المخاطر؛ وتقييم المخاطر (المقياس رقم 31000، 2018). ويتضح هذا النهج في شرائح "باور بوينت" المتاحة في قسم أدوات تدريس إضافية في هذه الوحدة التعليمية.

وينبغي أن تركز تقييمات مخاطر الفساد في الشركات على المخاطر الداخلية والخارجية على حد سواء، بما في ذلك مخاطر الثقافة التنظيمية. وبمجرد تحديد مسارات محددة للفساد، يصبح من الممكن بعد ذلك وضع ضوابط لمنع ارتكاب هذه الأفعال. ولضمان وجود نظام امتثال فعال وميسور التكلفة، يجب إجراء تقييمات للمخاطر بصورة منتظمة، وكذلك عندما يكون هناك تغيير كبير في أعمال الشركة.

 

العناية الواجبة لشريك العمل

لإبعاد المخاطر التجارية عن الشركة ولأسباب أخرى، تقوم الشركات في بعض الأحيان بإسناد العمليات إلى أطراف ثالثة مثل الوكلاء والاستشاريين والموزعين والمقاولين من الباطن والبائعين والشركات الأجنبية التابعة والشركاء التجاريين في المشاريع المشتركة، وبشكل عام، أي شخص لديه القدرة على التصرف نيابة عن الشركة أو يمكن أن يؤدي سلوكه إلى تحقيق مصلحة الشركة. ومع ذلك، ينطوي العمل مع أطراف ثالثة على مخاطر فساد كبيرة. فعلى سبيل المثال، أشارت بحوث أجرتها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (2014) إلى أن 75 في المائة من جميع جرائم الرشوة عبر الوطنية التي ارتكبت بين عامي 1999 و2014 تنطوي على مدفوعات عن طريق وسطاء. ونظرا لانتشار عادة اللجوء للوسطاء لدفع الرشاوى على نطاق واسع، الأمر الذي دفع المجتمع الدولي إلى تشديد مسؤولية الشركات من خلال اشتراط بذل العناية الواجبة عند التعامل مع أطراف ثالثة.

ويعد واجب الإشراف على سلوك الأطراف الأجنبية تطبيق للمبدأ القائل بأن أي شخص يخلق حالة من الخطر ملزم باتخاذ تدابير احترازية مناسبة لتكون بمثابة حماية من وقوع الضرر. ولمعالجة مخاطر الطرف الثالث، تحتاج الشركات أولاً إلى رسم خرائط لأطرافها الثالثة على مستوى العالم وفهم الغرض من كل علاقة تجارية. وتتيح هذه المعلومات للشركات تصنيف أطرافها الثالثة في مصفوفة للمخاطر واعتماد تدابير متناسبة على النحو المناسب للتخفيف من المخاطر المحددة. وفي كثير من الحالات، تؤدي عمليات بذل العناية الواجبة إلى انخفاض في عدد الشركاء التجاريين وإلى ترشيد العمليات، وغالبا ما يعود ذلك بالفائدة على الشركة.

وتتراوح تدابير التخفيف من المخاطر بين الحصول على اعتراف والتزام الشركاء التجاريين بالالتزام بالقانون ومدونة قواعد السلوك الخاصة بالشركة ووضع ضمانات تعاقدية، بما في ذلك حقوق التدقيق والإنهاء، وتنفيذ تدريب الأطراف الثالثة على مكافحة الرشوة. وينطوي جزء من عملية بذل العناية الواجبة على التحقق من سمعة الشركاء التجاريين المحتملين في قواعد بيانات مختلفة، مثل تلك التي تحتوي على أشخاص المجازون، وأشخاص مدرجين في القائمة السوداء، وأشخاص مكشوفين سياسيا، وتقارير إعلامية سلبية باللغة المحلية. إذا ظهر الطرف الثالث في هذه القوائم، فيمكن للشركة إجراء تحقيق أكثر شمولاً. لمناقشة تطور العناية الواجبة تجاه الطرف الثالث، راجع  منظمة الشفافية الدولية في المملكة المتحدة (2016).

وكما هو الحال مع الموظفين، يمكن أن تتخذ التدابير الرامية إلى التخفيف من مخاطر الأطراف الثالثة أشكالا مختلفة. فقد تركز الشركات على تجنب العمل مع الشركاء التجاريين المشتبه في فسادهم. وسيركز النهج القائم على المراقبة والجزاءات على عملية اختيار الشركاء التجاريين وعلى التدابير القانونية لحماية الشركة إذا انتهك الطرف الثالث القواعد في وقت لاحق. وعلى النقيض من ذلك، يهدف النهج القائم على القيمة إلى العمل مع الشركاء الذين يشتركون في القيم المشتركة ومساعدتهم على خلق ثقافة الشركات الصحيحة لتجنب الفساد. ويكتسي هذا التمييز أهمية خاصة في سياقات الفساد النظامي، حيث يتم التعاقد مع شركاء تجاريين محليين لعملية محددة، مثل التخليص الجمركي، والحصول على تراخيص أو تصاريح، وقد لا يكون لديهم خيار سوى دفع رشاوي لتسليم السلع والخدمات إلى عملائهم. وفي إطار علاقة امتثال مع الشركات الكبيرة، قد يميل الوكلاء المحليون إلى إخفاء أنشطتهم. أما إذا كانت العلاقة أكثر انفتاحا، يمكن للوكلاء المحليين المشاركة مع الشركات الكبيرة في استراتيجية جماعية للحد من الفساد في تلك العملية التجارية المحددة.

 
 التالي: العمل الجماعي والشراكات بين القطاعين العام والخاص لمكافحة الفساد
 العودة إلى الأعلى