نشرت النسخة الإنجليزية لأول مرة في تموز(يوليو) 2018؛ تمت مراجعتها في كانون الثاني (يناير) 2019.

نُشرت الترجمة العربية في نيسان (أبريل) 2021.

 

 
  هذه الوحدة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين  

 

الموضوع الثاني - نُهج حقوق الإنسان تجاه العنف ضد المرأة

 

اعترف لأول مرة بالعنف ضد المرأة كمشكلة تتعلق بحقوق الإنسان، من قبل اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة‏‏ التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، جنبا إلى جنب مع القراءات المنادية بحقوق المرأة التي تتعلق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.

و تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان بشكله الحديث بشكل ملفت في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية (1939-1945) كرد على العنف الكارثي الذي ترتكبه الدول ضد مواطنيها، وكذلك المدنيين في الدول التي كانوا يحاربونها. إلا إنه في البداية، كان هناك اهتمام أكبر على الحقوق المدنية والسياسية - كالحق في الحياة، والحق في عدم التعرض للتعذيب، والحق في الحرية، والحق في محاكمة عادلة. وبناء عليه، أدت الحملات الدعائية لحقوق الإنسان للمنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية إلى توعية الجمهور بخطورة التعذيب، وكذلك عقوبة الإعدام، كأشكال نهائية من العنف الذي ترتكبه الدول ضد مواطنيها. وبدأ إطار حقوق الإنسان الأولي بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان (قرار الجمعية العامة 217 ألف)، وهو قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتم تطويره لاحقًا من خلال المعاهدات والقرارات الدولية والإقليمية. وسعت منظومة قانون حقوق الإنسان إلى إلزام الدول بالالتزامات القانونية بعدم انتهاك حقوق الإنسان للأفراد، ولم يُنظر في البداية إلى إلزام أنشطة الأفراد فيما يتعلق بالطريقة التي يعاملون بها بعضهم البعض. إلا أنه طورت منظمات المجتمع المدني مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش مبادئ القانون على غرار انتهاكات الدولة لحقوق الأفراد، من خلال البحث والدعوات المتكررة التي سلطت الضوء على استخدام الدول للعنف ضد الأفراد - على سبيل المثال، التعذيب، واستخدام عقوبة الإعدام وعمليات القتل و "اختفاء" المعارضين السياسيين خارج نطاق القضاء.

فقد كانت المهمة الأولى لأولئك الذين يسعون إلى إقامة روابط بين العنف ضد النساء والفتيات والتزامات الدول بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان هي التأكيد على شدة صور وأشكال العنف ضد المرأة - في كثير من الحالات، كان العنف الذي وقع يشبه الى حد كبير أعمال التعذيب وسوء المعاملة (A/HRC/7/3). وسعى محامو حقوق الإنسان ذو التوجه النسائي، ولا سيما روندا كوبيلون، أن يثبتوا أن العنف ضد المرأة - الذي كان يُنظر إليه حتى أوائل التسعينات على أنه "مشكلة اجتماعية" سببه استهلاك الكحول - كان بنفس خطورة وأهمية التعذيب. إلا أن هذا الرأي كان هذا مثيرًا للجدل لسببين. أولاً، لأن التعذيب يُفهم في السابق على أنه "ألم شديد أو معاناة شديدة، جسديًا أو عقليًا" (اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، قرار الجمعية العامة 39/46) والطبيعة الخطيرة للعنف ضد المرأة كانت غير مفهومة بشكل جيد. إلا أنه في الواقع، لم يتم الاعتراف ببعض أشكال العنف على هذا النحو - على سبيل المثال، تم الاعتراف باستخدام الاغتصاب والعنف الجنسي ضد النساء المحتجزات فقط كشكل من أشكال التعذيب مرة واحدة في قضية في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام 1997.

وثانياً، يُنظر إلى العنف ضد المرأة عادة على أنه مشكلة اجتماعية، مثل الجرائم الصغيرة، التي يرتكبها أفراد عاديون وليس دولاً - وبالتالي لا يمكن أن تكون مشكلة تتعلق بحقوق الإنسان. إلا أن المحامون النسويون اعترضوا على هذا النموذج لأسباب قانونية وعملية. ووصفت روندا كوبلون كيف أن أنواع العنف التي يرتكبها أفراد - رجال فرديون - ضد زوجاتهم - تشبه إلى حد كبير أعمال تعذيب الدولة. كما طعنت في فكرة أن العنف العائلي ذو طبيعة خاصة سرية، ولا تعرف الدولة عنه، وبالتالي فهي ليست مسؤولة. وانظر دراسة الحالة واو وزاي أدناه.

وتطلب عمل روندا كوبلون من حركة حقوق الإنسان أن تفكر بمنظور مختلف في مفهوم العنف ضد المرأة - لاستخدام قواعد حقوق الانسان القانونية والأنشطة النسوية للتصدي للعنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف العائلي. وأدى عملها إلى قيام منظمات مثل منظمة العفو الدولية ببدء حملة حول العنف ضد المرأة باعتباره انتهاكًا لحقوق الإنسان.

والطريقة الثالثة وهي غاية في الأهمية لتحليل وتوصيف مفهوم العنف ضد المرأة كمشكلة لحقوق الإنسان هي الاعتراف به كشكل من أشكال التمييز ضد المرأة. وفي توصيتها العامة رقم 19، التي تُعتبر تأسيسة، حددت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة العنف ضد المرأة بأنه "شكل من أشكال التمييز الذي يعوق بشدة قدرة المرأة على التمتع بالحقوق والحريات على أساس المساواة مع الرجل" (اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة‏‏، التوصية العامة 19، الفقرة 1).

ووصفت المادة الأولى من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (قرار الجمعية العامة 34/180)، العنف ضد المرأة كشكل من أشكال التمييز. وأوضحت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة نقطة مهمة بشأن التمييز المباشر وغير المباشر: فهي تتضمن الأفعال والحالات التي يتم ممارستها بغرض التمييز ضد المرأة - أي التمييز المتعمد الذي يتم بغرض التمييز - والأفعال والحالات التي لها تأثير التمييز ضد المرأة. وعلى سبيل المثال، فالفجوات في الأجور بين الجنسين، ربما لم يتم التخطيط لها للتمييز ضد المرأة، أو بقصد التمييز ضد المرأة، ولكن إذا كانت النتيجة أقل تفضيلا للنساء منها بالنسبة للرجال، فهذا شكل من أشكال التمييز التي تعتبرها الدولة من الناحية القانونية ملزمة بإعادة النظر فيها من جديد. انظر المادة 1 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (قرار الجمعية العامة 34/180).

وتجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى معالجة قضية التمييز ضد النساء، عالجت اللجنة المعنية للقضاء على التمييز ضد المرأة مسألة مسؤولية الدولة عن أفعالها، وعن تصرفات المواطنين العاديين (الجهات الفاعلة من غير الدول): "يجدر التأكيد على أن التمييز في الاتفاقية لا يقتصر على أعمال من جانب الحكومات أو باسمها " (انظر اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، قرار الجمعية العامة 34/180، المواد 2 هاء و2 f و5). وعلى سبيل المثال، بموجب المادة 2 هاء، تدعو الاتفاقية الدول الأطراف إلى اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من قبل أي شخص أو منظمة أو مؤسسة. بموجب القانون الدولي العام واتفاقية حقوق الإنسان، قد تكون الدول مسؤولة أيضًا عن الأفعال الخاصة إذا لم تتصرف بالعناية الواجبة لمنع انتهاكات الحقوق أو للتحقيق في أعمال العنف والمعاقبة عليها، أو الفشل في التعويض الجابر للضر (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، قرار الجمعية العامة 34/ 180، المادة 2 هاء).

 

التالي

العودة الى الأعلى