هذه الوحدة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين

 

الموضوع الثامن: ضحايا الجريمة والقانون الدولي

 

الضحايا والقانون الدولي لحقوق الإنسان

 

مسؤولية الدولة عن انتهاكات حقوق الإنسان

تعتبر الحماية والتعويض لضحايا الجريمة والحماية والتعويض لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان قضيتان منفصلتان، ولكنهما مرتبطتان بشكل واضح:

تقع المسؤولية عن الجريمة في القانون الجنائي الوطني على الجاني. إلا إن الحكومات، من حيث المبدأ، ليست مسؤولة عن السلوك غير القانوني المتضمن.

ويتعامل القانون الدولي بشكل اعتيادي مع مسؤولية الدول تجاه بعضها البعض. مع ذلك، ففي القانون الدولي لحقوق الإنسان، قد يدعي الفرد انتهاك الدولة.

إلا أنه يجدر الإشارة إلى أن هذا الأمر لا يكون واضحًا دائمًا. حيث يتشارك ضحايا الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان في العديد من نفس الاحتياجات والمصالح، مثل الحاجة إلى التعويض عن الأذى الجسدي والعقلي، والحاجة إلى الحماية والمساعدة والحاجة إلى التعويض عن الخسائر المالية. وعلاوة على ذلك، هناك حالات وظروف محددة يمكن للدول أن تكون مسؤولة فيها عن أفعال الأفراد لأن الدول عليها التزام إيجابي بضمان تقديم مرتكبي الأفعال التي تشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان إلى العدالة. فعلى سبيل المثال، يحق لأقارب الشخص الذي اختفى أو قتل تعسفاً، أن يعرفوا حقيقة ما حدث لأحبابهم، وعلى الدولة الالتزام لإجراء تحقيق جنائي في هذه الأفعال. وعلاوة على ذلك، يتضمن قانون حقوق الإنسان الدولي والإقليمي أحكامًا بشأن الحقوق المدنية والسياسية، مثل الحق في محاكمة عادلة، وينطبق الأمر ذاته على الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم وكذلك ضحاياهم. والواقع أن العديد من المبادئ التي تم وضعها في سياق انتهاكات حقوق الإنسان وضحايا الجريمة يعزز بعضها البعض.

آليات حقوق الإنسان

هناك العديد من اتفاقيات ومعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان، ومعنية بشكل أساسي للتعامل مع الحقوق بشكل عام، مثل الحقوق المدنية والسياسية أو الحقوق الاجتماعية والاقتصادية؛ أو حقوق مجموعة معينة، مثل حقوق الأطفال أو حقوق المرأة أو حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛ أو الحق في عدم التعرض لانتهاك معين، مثل الحق في عدم التعرض للتعذيب. وأما على المستوى العالمي، فقد تم إنشاء مجموعة من لجان الأمم المتحدة لرصد امتثال الدول لهذه المعاهدات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان، بما في ذلك، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (قرار الجمعية العامة 2200 ألف (د-21)) التي ترصدها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، أواتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (قرار الجمعية العامة 39/46) والتي ترصدها لجنة مناهضة التعذيب، أو اتفاقية القضاء على الجميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979)، التي ترصدها اللجنة المعنية القضاء على التمييز ضد المرأة. وتعمل "هيئات رصد المعاهدة" على تمكين الضحايا الذين عانوا من انتهاكات حقوق الإنسان من تقديم الشكاوى ضد الدول الأطراف في المعاهدة أمام اللجان المعنية التي بدورها تمتلك الصلاحية في إصدار الرأي القانوني.

وأما على المستوى الإقليمي، هناك أيضًا آليات قوية لحماية حقوق الإنسان. حيث يمكن للجان والمحاكم المعنية بحقوق الإنسان تلقي الشكاوى الفردية ضد الدول، بما في ذلك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي تفصل في انتهاكات الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان؛ وكذلك اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان اللتين تشكلان معا نظام حماية حقوق الإنسان لمنظمة الدول الأمريكية؛ والمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التي تكمل وتعزز وظائف اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.

وهذه الآليات هي آليات القانون الدولي وليس القانون المحلي، وهي تتعامل مباشرة مع مسؤولية الدولة. وبناءً على ذلك، ينبغي الإشارة أنه لا يمكن تقديم الشكاوى إلا ضد الدولة أو هيئات ومؤسسات الدولة ولكن ليس ضد الأفراد. فعلى سبيل المثال، إذا تعرض ضحية للتعذيب على يد ضابط شرطة، فيمكنه أو يمكنها الذهاب إلى محكمة حقوق الإنسان لتقديم شكوى ضد الدولة التي عمل ضابط الشرطة لديها (على سبيل المثال، يمكن للضحية أن يزعم أن ضابط الشرطة لديه أوامر بالتعذيب أو أن الدولة لديها التزام إيجابي بمنعه من تعذيب صاحب الشكوى)، لكن هيئة حقوق الإنسان لن تسمع الشكوى ضد ضابط الشرطة.

وعلاوة على ذلك، هناك شروط قبول صارمة لشكاوى حقوق الإنسان: يمكن للأفراد الذين يزعمون أنهم عانوا من انتهاكات الحقوق الواردة في اتفاقية دولية أو إقليمية لحقوق الإنسان من تقديم الشكاوى، شريطة ألا يكون موضوع الشكوى معلقاً أمام ولاية قضائية دولية أخرى وأنهم استنفذوا جميع العلاجات المحلية المتاحة.

وتم تفسير شرط استنفاذ سبل التقاضي المحلية بهدف تحقيق هدف محدد: ألا وهو فتح الطريق القانوني الذي يتيح للأفراد التماس تعويض من الدولة عن خطأ يشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان، وذلك بناء على فشل المنظومة القانونية والقضائية في توفير التعويض الجابر للضرر.

وبناءً على ذلك، قد يُرفع هذا الشرط في حالتين: الحالة الأولى في مسائل النزاع المسلح الداخلي أو الدولي، الحالة الثانية عندما لا يتيح التشريع المحلي للدولة المعنية مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة لحماية الحق أو الحقوق التي يُدعى انتهاكها. وعلاوة على ذلك، أوضح الفقه القانوني لحقوق الإنسان أن الضحايا لا يحتاجون إلى إظهار أنهم سعوا إلى سبل التقاضي أو إثبات تعذر الوصول إليها، بما في ذلك سبل التقاضي التي لا توفر أي فرصة معقولة للنجاح. ووفقاً الاجتهاد القضائي لمحكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان (OC-11/90، فيما يتعلق بفتوى المحكمة التي طلبتها اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان، 10 آب /أغسطس 1990)، فقد افترضت أيضاً أن سبل التقاضي المحلية غير متاحة حيث أن الضحايا عادة يفتقرون إلى الموارد المالية لمتابعة مطالباتهم ولا يحصلون على المساعدة القانونية كذلك؛ أو في الحالات التي يوجد فيها "خوف عام" في المجتمع القانوني لتمثيل الضحية أو يمنع الضحية من ممارسة حقها.

المحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان وأحكامها بشأن حقوق ضحايا الجريمة

ويتضمن قانون حقوق الإنسان على أحكام محددة ذات صلة مباشرة بضحايا الجرائم مثل الحق في محاكمة عادلة أو حظر التمييز. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفقه القضائي لمحاكم حقوق الإنسان قد عزز بشكل كبير حقوق ضحايا الجريمة بطرق عديدة، كما يتضح بعضها في الأمثلة الآتية.

وأوضحت السوابق القضائية لمحاكم حقوق الإنسان أنه قد يكون على عاتق الدول التزام إيجابي بضمان التمتع بحقوق الإنسان الأساسية لمقيميها، وأن هذا قد يستلزم أن تتخذ الدولة بشكل استباقي تدابير لحماية ضحايا الجرائم ضد الجريمة.

كما تُلزم المادة 2 (1) من الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية (قرار الجمعية العامة 2200 ألف (د-21)) دولة الأطراف "باحترام الحقوق المعترف بها فيه وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها".

وعندما يتم تفسير المادة 2، ترى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أنه من الضروري "لفت انتباه الدول الأطراف إلى أن الالتزام بمقتضى العهد لا يقتصر على احترام حقوق الإنسان، بل إن الدول الأطراف قد تعهدت كذلك بأن تكفل لجميع الأفراد الخاضعين لولايتها التمتع بهذه الحقوق. وأن هذا الجانب يتطلب أنشطة محددة من قبل الدول الأطراف لتمكين الأفراد من التمتع بحقوقهم"." (التعليق العام رقم 3 على المادة 2).

وعلى وجه الخصوص، فإن هذا الاستنتاج يعني ضمناً أنه قد يُطلب من الدول الأطراف التحقيق بفعالية في انتهاكات الحقوق والحريات الفردية وملاحقتها قضائياً والمعاقبة عليها (مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، 2003).

وهناك إطار متماثل بموجب الأحكام في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (1950). كما أن حقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في الاتفاقية، مثل الحق في الحياة، والحق في حرية التعذيب أو الحق في الحياة الأسرية، تنطوي أيضاً على واجب أساسي على الدولة لضمان التمتع بهذه الحقوق. ويتطلب ذلك من الدول الأطراف في الاتفاقية الأوروبية على اتخاذ تدابير فعالة لمنع انتهاكات هذه الحقوق والتحقيق فيها وقمعها والمعاقبة عليها.

وقد أوضح الاجتهاد القضائي للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن واجب الدولة في ضمان الحقوق المعنية قد يتتبع أيضًا واجبًا قانونيًا للدولة لضمان احترام تلك الحقوق والحريات بين المواطنين العاديين.

وعلى سبيل المثال، حكمت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية مرفوعة من "X" و"Y" ضد هولندا في عام 1985 أن على الحكومة الهولندية واجب قانوني إيجابي لضمان الحق في احترام الحياة الخاصة لفتاة معاقة ذهنياً تم اغتصابها لكنها كانت غير قادرة قانونيًا على إقامة إجراءات جنائية ضد مرتكب الجريمة وأن هذه الفجوة في القانون المحلي تشكل انتهاكًا لحق الطفل في الحياة الأسرية على النحو المنصوص عليه في المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية من عام (1950). وقد أمرت حكومة هولندا بدفع تعويض للفتاة بعد الانتهاك الذي حدث لحق الفتاة في الحياة الأسرية.

وقد أوضح الاجتهاد القضائي لمحاكم حقوق الإنسان أن التزام الدول بمحاكمة الجرائم الخطيرة هو أيضاً حق خاص مستحق لضحايا هذه الجرائم.

ويُفهم من واجب الدولة في مقاضاة الجرائم الخطيرة تقليديا على أنه التزام للجمهور، وليس كحق خاص يمكن أن ينفذه الضحايا الأفراد. ومع ذلك، فإن السوابق القضائية من قبل لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان (IACHR) في قضية فيلاسكيز رودريغيز ضد هندوراس لعام 1988، وهي قضية تتعلق بالاختفاء القسري لطالب جامعي هندوراسي تم القبض عليه بدون أمر توقيف في وضح النهار من قبل مجموعة من رجال مدججين بالسلاح في لباس مدني. ونصت اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان ما يلي:

"يقع على عاتق الدولة واجب قانوني لاتخاذ خطوات معقولة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان واستخدام الوسائل المتاحة لها لإجراء تحقيق جاد في الانتهاكات المرتكبة داخل ولايتها القضائية، وتحديد المسؤولين عنها، وفرض العقوبة المناسبة وضمان الضحية تعويض مناسب".

وفي قضايا لاحقة، مثل قضية مانويل جارسيا فرانكو ضد الإكوادور (1997)، وهي قضية مشابهة تتعلق بالاختفاء القسري، أوضحت اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان أنه يجب الشروع في إجراء المحاكمات في غضون "فترة زمنية معقولة" من قبل محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة.

كما اعتبرت اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان، في هذه الحالة، أن "دولة الإكوادور فشلت في الوفاء بالتزامها بتوفير اللجوء القانوني البسيط والسريع والفعال لعائلة غارسيا، حتى يتمكنوا من معرفة الحقيقة الكاملة عما حدث لمانويل، بما في ذلك ظروف تعذيبه وموته"(1997، الفقرة 73). وأضافت المحكمة أن "هذا الحق في معرفة الحقيقة حول ما حدث يعتمد أيضًا على الحاجة إلى المزيد من المعلومات لتبرير حق آخر. ويحق لأفراد الأسرة، في حالة الاختفاء، معرفة مصير الضحية بدقة، ليس فقط لغرض معرفة بالضبط كيف تم انتهاك حقوقه، ولكن أيضًا من أجل فرض حقهم في التعويض من الدولة" (1997، الفقرة 74).

وقد أيدت السوابق القضائية لحقوق الإنسان أيضاً الحق في التحقيقات الجنائية الفعالة في سياقات من قضايا أخرى. مثلا، في قضية ضد دولة رومانيا، قُتل شقيق المدعي في ظروف مريبة أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من وجود وتوفر أدلة على وقوع الهجوم، لم تفعل السلطات إلا القليل للتحقيق في الجريمة على مدى السنوات الـ 12 المقبلة. وقضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن جهودهم لم تكن كافية على الإطلاق. وكانت لهذه القضية تأثير يتجاوز الحكم نفسه من حيث أنها أثرت على الإصلاحات لتحسين فعالية التحقيقات الجنائية في رومانيا (قضية تروفين ضد رومانيا، 2010).

وقد أوضح الاجتهاد القضائي لمحاكم حقوق الإنسان أن الضحايا لهم الحق في الوصول إلى العدالة، وأن هذا الأمر قد يتطلب حصولهم على مساعدة قانونية مجانية.

وفي قضية أُخرى ضد جمهورية أيرلندا، أرادت المدعية أن تنفصل بشكل قانوني عن زوجها الذي يُزعم أنه مدمن على الكحول. ومع ذلك، لم تستطع المدعية تحمل أتعاب المحامي ولم يكن هناك أماكن للمساعدة القانونية يمكنها التقدم له. وقضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن نقص المساعدة القانونية قد حرم السيدة إيري من الوصول فعليًا إلى المحكمة، منتهكة بذلك حقوقها في الوصول إلى العدالة. وأدت القضية أيضًا إلى التغيير على المستوى النظامي: تم تقديم المساعدة القانونية لمثل هذه الحالات في أيرلندا في العام التالي (قضية آيري ضد أيرلندا، 1979).

الإطار القانوني الدولي للتعويضات

وبالتوازي مع الاتجاه إلى تعزيز حقوق ضحايا الجرائم في السوابق القضائية لهيئات ومحاكم حقوق الإنسان في الحق في التحقيق والملاحقة القضائية والمشاركة في المحاكمة، كان هناك أيضًا تطور في الحق في السبل الفعالة للإنصاف والتعويض لضحايا الانتهاكات الجسيمة لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، مثل جرائم الحرب.

ومن المعالم البارزة في هذا السياق هو اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2005 للمبادئ العامة والمبادئ التوجيهية الأساسية المتعلقة بحق ضحايا انتهاكات قانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي في الانتصاف والجبر.

وتدعو المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية الدول إلى تزويد ضحايا الانتهاكات الجسيمة وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة وفق القانون الإنساني الدولي بسبل الانتصاف والجبر.

إلا أنه عند وضع المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية، فقد أثيرت مسألة مسؤولية الجهات الفاعلة من غير الدول في المناقشات والمفاوضات، بما في ذلك ما يتعلق بالحركات أو الجماعات التي تمارس سيطرة فعلية على إقليم معين مكتظ بالناس تحت سلطة الإقليم، وكذلك فيما يتعلق بمؤسسات الأعمال التي تمارس القوة الاقتصادية. ووفقاً لأحد صائغي الوثيقة، كان هناك اتفاق عام على أنه "يجب تحميل الجهات من غير الدول الموقعة المسؤولية عن سياساتها وممارساتها، مما يسمح للضحايا بالسعي إلى الجبر والتعويض على أساس المسؤولية القانونية والتضامن الإنساني، وليس على أساس مسؤولية الدولة" (فان بوفن، 2010). وعلاوة على ذلك، تنص مبادئ الأمم المتحدة وتوجيهاتها على الوصول المتساوي والفعال إلى العدالة، "بغض النظر عمن قد يكون المسؤول النهائي عن الانتهاك" (2005، المبدأ 3 ج). وفي هذا الصدد، يُشار أيضًا إلى الحكم التالي: "وفي الحالات التي يعتبر فيها شخص ما، أو شخصية اعتبارية، أو كيان آخر مطالبا بجبر أحد الضحايا، ينبغي أن يوفر الطرف المسؤول عن الانتهاك جبرا للضحية، أو للدولة إذا كانت الدولة قد وفرت فعلا الجبر للضحية"(2005، المبدأ 15).

وقد وُضع أحد العناصر الأساسية لمبادئ الأمم المتحدة ومبادئها التوجيهية في المبادئ التي تصف مختلف أشكال الجبر. ويمكن تلخيصها على النحو التالي (فان بوفن، 2010):

عودة الوضع إلى وضعه الأصلي

يشير مصطلح "عودة الوضع إلى وضعه الأصلي" إلى التدابير التي "تعيد الضحية إلى وضعها الأصلي قبل وقوع الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي" (2005، المبدأ 19). وتشمل أمثلة الرد: استعادة الحرية، والتمتع بحقوق الإنسان، والهوية، والحياة الأسرية والمواطنة، والعودة إلى مكان الإقامة، واستعادة العمل، وإعادة الممتلكات.

التعويضات

"ينبغي التعويض عن أي ضرر يمكن تقييمه اقتصاديا، حسب الاقتضاء وبما يتناسب مع جسامة الانتهاك وظروف كل حالة" (2005، المادة 20). والضرر الذي يستلزم التعويض قد يكون نتيجة الأذى الجسدي أو العقلي؛ أو نتيجة عن الفرص الضائعة، بما في ذلك التوظيف والتعليم والمزايا الاجتماعية؛ أو أي ضرر معنوي، ويدخل في حساب التعويض التكاليف المطلوبة للمساعدة القانونية أو مساعدة الخبراء والأدوية والخدمات الطبية والخدمات النفسية والاجتماعية.

إعادة التأهيل

يشمل الرعاية الطبية والنفسية، وكذلك الخدمات القانونية والاجتماعية (2005، المادة 21).

الرضاء

يشمل مجموعة واسعة من التدابير التي تهدف إلى وقف الانتهاكات وإلى البحث عن الحقيقة، والبحث عن المختفين، واستعادة ودفن الرفات، والاعتذارات العامة، والعقوبات القضائية والإدارية، وإحياء الذكرى، والتدريب على حقوق الإنسان (2005، المادة 22).

ضمانات عدم التكرار

تشمل تدابير هيكلية واسعة ذات طبيعة إصلاحية مثل الإصلاحات المؤسسية التي تهدف إلى السيطرة المدنية على القوات العسكرية والأمنية، وتعزيز استقلالية القضاء، وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وتعزيز معايير حقوق الإنسان في الخدمة العامة، وإنفاذ القانون، ووسائل الإعلام، والصناعة والخدمات النفسية والاجتماعية (2005، المادة 23).

ومنذ اعتماد مبادئ الأمم المتحدة الأساسية والمبادئ التوجيهية، أثرت في الاجتهادات القضائية المحلية والدولية بشأن الحق في التعويض الجابر للضرر وسبل الانتصاف. وبالتوازي في تطورها مع نظام روما الأساسي، فقد أثرت على فهم مبدأ الحق في التعويض أمام المحكمة الجنائية الدولية.

 

الضحايا من منظور العدالة الجنائية الدولية

 

الضحايا والآليات المبكرة للعدالة الجنائية الدولية

كما هو الحال مع المحاكم الوطنية، تطور دور الضحايا في سياق آليات العدالة الجنائية الدولية بمرور الوقت. وركزت كل من محكمة نورمبرغ ومحكمة طوكيو، التي بدأت في عام 1940، على القضايا المرفوعة ضد الجناة. وفي مطلع التسعينات من القرن المنصرم، أنشأ مجلس الأمن محاكمتين مخصصتين: بعد بداية الحرب في البوسنة والهرسك، أنشأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في عام 1993، وبعد الإبادة الجماعية في رواندا، المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (1994). وفي الإجراءات أمام كلتا المحاكمتين، كانت القضية المرفوعة ضد الجناة هي محور الاهتمام الأساسي: وكان للضحايا دور محدود ولا يمكن أن يظهروا إلا كشهود. وانتقد الممارسون والأكاديميون والمدافعون عن الضحايا المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا بسبب هذا النهج. وزعموا أن المحاكم خيبت الظن حيث كان من المتوقع أن يخدموا العدالة (الحركة العالمية لحقوق الإنسان، 2002).

الضحايا والمحكمة الجنائية الدولية

منذ اعتماد نظام روما الأساسي، الإطار القانوني الذي تسترشد به المحكمة الجنائية الدولية، أول محكمة جنائية دولية دائمة، وذلك في 17 يوليو 1998، فقد أصبح الاهتمام المتزايد للضحايا في إطار الإجراءات الجنائية في نظم العدالة الجنائية الوطنية وصل إلى نظام العدالة الجنائية الدولية. وإن ديباجة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تُذكرنا بأنه "خلال هذا القرن، الملايين من الأطفال، والنساء والرجال الذين هم ضحايا أعمال عدوانية لا يمكن تصورها، وأصابت ضمير البشرية بصدمة شديدة". وهذا الاهتمام بشأن الضحايا والمعاناة الإنسانية في الديباجة مقصود، ويعكس النية في إنشاء "محكمة الضحايا"، وهي محكمة تمنح الناجين من الفظائع الجماعية صوتًا هامًا في إقامة العدل (ستوفر وآخرون، 2010).

وفي الحقيقة، يمكن القول جزئيًا، وذلك كرد على الانتقادات الموجهة ضد المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، أن المحكمة الجنائية الدولية رائدة في مجموعة من الميزات الجديدة التي تركز على الضحايا في إطارها المعياري والإجرائي (ترمبل، 2008). وعلى وجه الخصوص، تمنح المحكمة الجنائية الدولية الضحايا الحق في المشاركة في المحاكمة والحق في التعويض. كما يضمن الممثلون القانونيون للضحايا أنه في جميع مراحل الإجراءات، سوف يتم الاستماع إلى آرائهم بشأن المسائل التي تأثرت فيها مصالحهم الشخصية. كما أنه يجوز للضحايا حضور جلسات الاستماع، وذلك وفقا لقوانين المحكمة، ويمكن تقديم إفادات شفوية ومكتوبة، أو السماح لهم باستجواب الشهود. وخلال المشاركة في المحاكمة، تتم حماية هويات الضحايا من خلال اسم مستعار منسوب إليهم (على سبيل المثال: أ/0001/18) ويسهل استعمال الاسم المستعار وجود قسم خاص من المحكمة الجنائية الدولية، يسمى قسم مشاركة الضحايا وجبر الضرر، مما يسهل التفاعل مع المحكمة وسجل الآلاف من الضحايا كمشاركين في عقدين من وجود المحكمة الجنائية الدولية. ويوفر مكتب المستشار العام للضحايا (OPCV) التمثيل القانوني للضحايا طوال الإجراءات، ويدعم المحامين المعينين من قبل الضحايا. وهناك قسم آخر في المحكمة تتعامل مع تسهيل حماية الضحايا والشهود، حسب الاقتضاء.

وعلاوة على ذلك، أنشأ نظام روما صندوق ائتمان للضحايا باختصاصين، (1) لتنفيذ التعويضات التي أمرت بها المحكمة (اختصاص التعويضات) و(2) لتوفير إعادة التأهيل البدني والنفسي الاجتماعي أو الدعم المادي لضحايا الجرائم التي تقع داخل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية (اختصاص المساعدة). فعلى سبيل المثال، يتولى صندوق الائتمان، بالتعاون مع الشركاء المحليين، برامج إعادة التأهيل الطبي للضحايا الجرحى نتيجة جرائم الحرب، أو خطط القروض الصغيرة التي تفيد الناجين من جرائم العنف الجنسي أو العنف القائم على أساس الجنس المرتبطة بالنزاعات في بلدان المحكمة الجنائية الدولية.

تعزيز حقوق الضحايا بعد اعتماد نظام روما الأساسي

تشمل المحاكم المخصصة التي تم إنشاؤها بعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية أشكالًا مختلفة من أنظمة مشاركة الضحايا وآليات وجبر الضرر. وعلى وجه الخصوص، الدوائر الاستثنائية في محاكم كمبوديا (ECCC)، والمحكمة الخاصة للبنان، ودوائر كوسوفو المتخصصة، وشامبر أفريكانز إكستراوردينايرز (التي أنشئت لتقديم العدالة للديكتاتور التشادي السابق حسين حبري)، المحكمة الجنائية الخاصة لوسط أفريقيا في جمهورية أفريقيا الوسطى، وتحتوي على أحكام محددة تسمح للضحايا بالمشاركة في الإجراءات، وبدرجة متفاوتة، لطلب تعويضات في حالة الإدانة.

ونتيجة لذلك، يبدو أن نظام مشاركة الضحايا بشكل أو بآخر أصبح عنصراً مكملاً لآليات العدالة الجنائية الدولية الحديثة. ويعكس هذا التحول نحو احتضان الضحايا كأصحاب مصلحة حيويين في عملية العدالة الجنائية الدولية الفهم الحديث بأنه لتحقيق تأثير إيجابي طويل المدى على المجتمعات المتضررة والمجتمع ككل، يجب استكمال النموذج التقليدي للعدالة الجزائية بعناصر إصلاحية.

التحديات

قد توجد قيود على مشاركة الضحايا وآليات التعويضات في نظم العدالة الجنائية الدولية قيود بفعل الحدود الإجرائية والمتعلقة بالميزانية وكذلك القيود الأساسية الملازمة للمهمة الصعبة المتمثلة في جعل الإجراءات الجنائية ذات مغزى لأعداد كبيرة محتملة من الضحايا والمجتمعات المتضررة التي مرت "بفظائع لا يمكن تصورها". فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في كلية الحقوق في بيركلي، وأجرت خلالها مقابلات مع أكثر من 600 ضحية مشاركة أمام المحكمة الجنائية الدولية، أن العديد منهم شعروا بالإحباط من التقدم البطيء للإجراءات وفي الواقع غالبًا ما يكون لديهم فقط فهم بدائي لصلاحية واختصاص المحكمة الجنائية الدولية (مركز حقوق الإنسان، 2015).

وتتضمن بعض التحديات الرئيسية ما يلي:

أ. التمثيل القانوني أثناء الإجراءات: بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، فإن المادة رقم 90 (1) من القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات لسنة 2005 تنص على المبدأ العام القائل بأن "[الضحية] لها الحرية في اختيار ممثل قانوني". إلا أنه في الواقع، في جميع الحالات تقريبًا المعروضة على المحكمة الجنائية الدولية، يتم تنظيم الضحايا في مجموعات وتعيين ممثلين قانونيين مشتركين، يتم الدفع لهم من خلال أموال المساعدة القانونية. وقد قامت المحاكم والهيئات القضائية الدولية بنسخ هذا النظام، واستخدام التمثيل القانوني للضحايا بشكل عام هو ممارسة معتادة بشكل متزايد. ومع ذلك، من الممكن أن يكون هذا التمثيل المشترك مفيدًا فقط إذا اهتم الممثلون القانونيون للضحايا وأقاموا ببناء علاقة قائمة على الثقة مع جميع عملائهم على المستوى الفردي. وقد يشكل هذا بدوره تحديًا إذا كان أحد الممثلين القانونيين يمثل مئات أو حتى الآلاف من الضحايا.

ب. طرق المشاركة في الإجراءات: يمكن أن تكون مشاركة الضحايا في المحاكمة في قضايا الجرائم الدولية معقدة للغاية وقد تؤدي إلى طول إجراءات التقاضي، وتأخير المحاكمة، وتكاليف إضافية، والأهم من ذلك، أن تشكل عبئا على الدفاع والمتهم.

ج. التعويضات الجابرة للضرر: تؤثر الجرائم، المتداولة وفقا للآليات الجنائية الدولية، بحكم تعريفها وطبيعتها، في جميع الحالات تقريبًا، على عدد كبير جدًا من الضحايا بطرق بالغة الخطورة. ونتيجة لذلك، ليس من المستغرب أن التجارب أمام المحاكم الجنائية الدولية أظهرت أن الأشخاص المدانين بارتكاب جرائم دولية لن يكون لديهم بشكل عام الموارد المالية اللازمة لدفع تعويضات كافية إلى هؤلاء الضحايا - وحتى إذا فعلوا ذلك، فغالبًا ما يكون من الصعب جدًا على المحاكم والهيئات القضائية تعقبها والوصول إليها. ومع ذلك، عندما يتجاوز عدد الضحايا الأصول المتاحة لجبر ضررهم، سيكون من المهم وضع استراتيجية سليمة لإدارة التوقعات التي تهدف إلى تقليل الإحباط وخيبة الأمل. وعلى وجه الخصوص، ينبغي إبلاغ الضحايا منذ بداية الإجراءات عما يمكن أن يتوقعوه من نظام التعويضات المعمول به، والأهم من ذلك، ما لا يمكنهم توقعه. على سبيل المثال، يتوقع النظام القانوني للاتفاقية الأوروبية للتعويضات دفع التعويضات الجماعية والتعويضات أخلاقية ولكنه لا يسمح بالتعويضات الفردية.

 
التالي: الخلاصة
العودة إلى الأعلى