هذه النميطة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين

 

مسائل رئيسية

 

تستكشف هذه النميطة وجود قيم إنسانية عالمية. فلدى كل شخص مجموعة من القيم التي تنشأ عن سياقاته الأسرية والاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية، وبعضها يتوافق بشكل كبير مع الأطر "العالمية" و"الدولية". وتشجع هذه النميطة الطلاب على الفصح عن قيمهم وطرحها في حوار حول قيم من سياقات أخرى. ويُعد الهدف الأسمى هو إثبات أنه من الممكن الفصح عن القيم العالمية وأنه حان الاعتراف بأن هذه المعايير متاحة دائما للمناقشة. ويُعد أحد أهداف النميطة الراهنة هو تسليط الضوء على هذا التوتر بين الطابع العالمي للقيم والأخلاق والفضيلة والسياقات الخاصة التي تخلق تلك القيم والأخلاق والفضائل. وتشمل المواضيع المهمة التي يجب معالجتها الأخلاق والفضائل والقيم والنسبية والحقوق والمسؤوليات.

ويشير مصطلح "القيمة" إلى أن أي شيء يعتقد الفرد أو المجتمع أن له قيمة يستحق متابعته أو تعزيزه أو تفضيله. ومن الممكن أن يكون هذا الشيء (مال، طعام، فن) أو حالة ذهنية (سلام، أمن، يقين) أو سلوك ينتج عن تلك الأشياء أو حالات ذهنية (حماية الأبرياء، قول الحق، الإبداع).

والقيمة تختلف عن الرغبة، فالرغبة في شيء ما تعني الرغبة في شيء دون التفكير فيه بشكل كبير، وتأتي الرغبة من غريزة أو دافع أو حاجة مادية. ومن الممكن أن تكون القيمة ناشئة من الرغبة أو من سلسلة رغبات، ولكن تنشأ القيمة بعد التفكير فيما إذا كان الشيء المرغوب فيه جيدا أم لا. ويركز الفلاسفة على كيفية استمدادنا للقيم الخاصة بنا من رغباتنا وغالباً ما يكون ذلك من خلال التركيز على كلمة"جيِّد". وقال أحد الفلاسفة، جورج إدوارد مور (1873-1958)، بأن كلمة "جيِّد" لا يمكن تعريفها بالفعل لأنه لا يوجد معيار يمكننا أن نكتشف من خلاله معنى كلمة "جيِّد". وقد وصف عدم قدرته على تحديد المصطلحات التقييمية بأنها "مغالطة طبيعية" لأنها تفترض وجود شيء ما بطبيعته أو أنه ف يمكن للمصطلحات التقييمية أن تتطابق. كما أوظح بأن "جيِّد"سمة غير طبيعية لأنه لا يمكن التحقق منها من خلال العلم (بالدوين، 2010).

ويقدر كل فرد قيمة أشياء معينة أو حالات عقلية أو سلوكيات لأنها تتعلق بتربيته أو سياقها الاجتماعي. ويمنح المجتمع امتيازاً خاصاً لبعض الأشياء والحالات والسلوكيات نتيجة لموقعه الجغرافي أو مساره التاريخي أو خلفيته الفكرية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الادعاء بوجود قيم عالمية يعني السعي إلى الكشف عن شيء ينطبق على جميع الأشخاص والمجتمعات نتيجة لإنسانيتهم ذاتها. ومن الممكن استمداد هذه القيم العالمية من البحث العلمي أو اختبار العلوم الاجتماعية أو التفكير الفلسفي. ومن الممكن أن تنشأ أيضًا عن أساليب أكثر عدوانية مثل الممارسات الإمبريالية أو التبشير الأيديولوجي والديني أو الاستغلال الاقتصادي. ومن ثم، لا يتطلب استكشاف القيم العالمية الاهتمام بالقيم نفسها فقط بل يتطلب أيضًا الاهتمام بالطرق التي ظهرت بها في النظام العالمي الحالي.

والقيم هي موضوع التحقيق الأخلاقي. ففي بعض الأحيان تُدمج مصطلحات الأخلاق والفضائل والقيم في موضوع واحد، حيث من الشائع استخدام هذه المصطلحات على سبيل الترادف في اللغة الإنكليزية، لكن الفلاسفة يميزونها بالطريقة التالية: ترتبط القيم والأخلاق ارتباطًا وثيقًا، على الرغم من ذلك ووفقالمعظم الفلاسفة، فإن الأخلاق والفضائل ينتجان عن العقلانية، في حين أن القيم قد تنشأ عن السياقات الاجتماعية أو الميول العاطفية أو العقلانية. ووفقاً لما ورد أعلاه، فإن القيمة تختلف عن الرغبة البسيطة، فالقيمة هي الشيء الذي نريده بعد تفكير فيما إذا كان هذا شيء جيدًا بالفعل، أما الأخلاق فهي دراسة الفضائل بما في ذلك أصولها واستخداماتها ومبرراتها وعلاقاتها.

وهناك جهود لتوضيح القيم الإنسانية العالمية. فقد ساعد البروفيسور هانز كونج، عالم اللاهوت الكاثوليكي، يدرس في جامعة توبنجن في ألمانيا، في إنشاء برلمان للأديان العالمية والذي أصدر إعلانًا للأخلاقيات العالمية. وأصدر الزعيم الروحي الهندوسي سري سري رافي شانكار أيضًا إعلانًا عالميًا للقيم الإنسانية. وتؤكد كلتا الوثيقتين على القيم وعلى كونها متداخلة في العديد من الطرق المهمة. فكيف يمكن أن نجد القيم العالمية؟ هناك طرق عديدة للتحقيق في وجود مثل هذه القيم. وربما يمكننا تنظيم تلك المقاربات حسب ثلاث فئات عريضة: العلمية والتاريخية والجدلية. ويمكن تمثيل هذه الفئات بثلاثة فلاسفة مختلفين: أرسطو، منسيوس، ويورغن هابرماس.

ويعتبر أرسطو (384-322 قبل الميلاد) واحداً من أكبر ثلاثة فلاسفة في اليونان القديمة. وانتقل أرسطو من مقدونيا إلى أثينا عندما كان شابًا حيث أصبح طالبًا لأفلاطون، الذي يعد فيلسوف عظيم آخر (428-348 قبل الميلاد) والذي كان هو نفسه طالبًا لسقراط (470-399 قبل الميلاد)، وربما كان أعظم فيلسوف يوناني في العصور القديمة. ولم يكتب سقراط أي شيء، لكنه استجوب أهل أثينا بشأن قيمهم. ففي تلك الاستجوابات، غالبًا ما كان يطرح أسئلة أكثر من الإجابات، مشيرًا إلى أن التقاليد الثابتة لا تعكس بشكل فعلي ما هو جيد للإنسان.

ووفقا لما جاء به أفلاطون، الذي كتب العديد من الحوارات باستخدام شخص سقراط كشخصيته الرئيسية، من أنه ينبغي فهم الأخلاق والقيم من خلال فكرة المناقب أو معيار التميز ضمن أنشطة معينة كدليل على كيفية التصرف. على سبيل المثال، كونك قبطانًا جيدًا يعني ضمان عدم تعطل السفينة ووصول بضائعها وأفرادها بأمان إلى الميناء وتظل السفينة صالحة للإبحار. ولكن عندما يتعلق الأمر بالقيم العالمية، فإننا نتحدث عن معنى ألا يكون مجرد رائد جيد بل إنسان جيد.

وأخذ أرسطو فكرة أفلاطون الرئيسية حول المناقب وحاول ترسيخها في ملاحظات تجريبية، وبالتالي، اتخذ نهجاً علمياً لمعرفة ما هو جيد وما هي القيمة العالمية. وقام أرسطو بذلك عن طريق مقارنة الناس بالحيوانات الأخرى غير البشرية ومقارنة المجتمعات السياسية المختلفة. ولذلك، بالنسبة لأرسطو، فإن فهم مناقب الشخص الإنساني يعني البحث عن الأنشطة التي يقوم بها أفضل الأشخاص والتي تجعلهم سعداء.

وقال إن هناك نشاطين يميزان البشر عن جميع الحيوانات الأخرىن هما: أن البشر يفكرون ويعيشون في المجتمعات السياسية. ونحن نعرف أن الحيوانات الأخرى لديها بعض القدرة على التفكير الناقد، مثل الرئيسات والدلافين الأخرى. ونعلم أن بعض الحيوانات الأخرى تعيش فيما يشبه المجتمعات السياسية المنظمة، مثل الرئيسيات والدلافين وحتى النمل. ولكن لا توجد حيوانات أخرى تستخدم اللغة مما يمنح البشر القدرة على التفكير الناقد فيما يفكرون به ويفعلونه. وتعني الكلمة اليونانية "logos" اللغة والعقل، وهذه الكلمة هي التي توفر لأرسطو مفتاح إيجاد الخير والقيمة للشخص الإنساني. ويتم تعريف البشر من خلال الجمع بين هاتين المجموعتين من الأنشطة. واستنتج أرسطو أن أفضل شخص ممكن هو شخص يشارك في نوعين من الأنشطة: التفكير الناقد والنشاط السياسي. ووصف المجموعة الأولى من الأنشطة بالفضائل الفكرية والمجموعة الثانية من الأنشطة بالفضائل العملية.

ويعتقد أرسطو أن الناس بحاجة إلى تعلم المناقب. فمن الممكن أن يرغب الأفراد في أشياء كثيرة يعتقدون أنها ستجعلهم سعداء مثل الثروة أو الطعام أو الشراب أو الجنس أو السلطة. ووفقًا لأرسطو، كل واحدة من هذه الأمور مهمة، ولكن عند التفكير نجد أن كل هذه الأشياء تحتاج إلى التمتع بها باعتدال حتى تصبح ذات قيمة حقيقية. ولا يمكن أن تزدهر القيم العالمية إلا من خلال استخدام العقلانية في التفكير وخلق مجتمع يتم فيه تشجيع التفكير ويكون التعليم فيه ذا قيمة (شيلدز، 2016).

والنهج الثاني لاكتشاف القيم العالمية هو التركيز على التاريخ والتقاليد. وعاش الفيلسوف الصيني منسيوس (372-289 قبل الميلاد) في نفس الوقت الذي عاش فيه أرسطو. كما كان أرسطو طالبًا لدى أفلاطون الذي درس في عهد سقراط، لذلك كان منسيوس تلميذاً للفيلسوف الصيني العظيم، كونفوشيوس (551 -479 قبل الميلاد). ويعتقد البعض أن منسيوس درس على يد حفيد كونفوشيوس، رغم أن هذا موضع خلاف. ويُطلق على منسيوس أحيانًا "العالم الكونفوشيوسي العظيم الثاني"، حيث طوّر أفكار كونفوشيوس وحسّنها بطرق مهمة.

وناقش كونفوشيوس، الذي يُعتبر الفيلسوف الصيني الأكثر شهرة، نظرية أخلاقية تستند على المناقب. وكانت الرن أو الاحسان للأخرين هي أحد هذه المناقب والأكثر أهمية على وجه الخصوص. ولكن هذا التعاطف لم يكن موجهاً إلى جميع الناس بل إلى أولئك الموجودين في أنظمة اجتماعية معينة بداية من الأسرة. وكون المرء شخصًا جيدًا فهذا يعني فهم مكانة الفرد في المجتمع وفهم التقاليد والقواعد التي تنشأ من ذلك المكان. ومن المبادئ الأساسية لكونفوشيوس احترام كبار السن، وهو الاحترام الذي ستظهر أثاره في الخارج من أجل احترام قادة المجتمع. وهذه العلاقات هي محور الفكر الأخلاقي والسياسي الكونفوشيوسي.

وكان للثقافة التي عاش فيها منسيوس هياكل اجتماعية وثقافية وسياسية متطورة شأنها شأن ثقافة اليونان في ذلك االوقت أين ترعرع أرسطو. وكان لدى الصين القديمة نظامًا سياسيًا مزدهرًا ولكنها لا تخلو من المشاكل. ففي الواقع، عاش منسيوس أثناء الفترة التي تسمى أحيانًا في التاريخ الصيني باسم "الدول المتحاربة" عندما كان الصراع الأسري والسياسي متفشياً. وعلى نحو مماثل لأرسطو، ولد منسيوس في مكان (مودرن داي تشوتشنغ، وهي مدينة في شرق الصين) وانتقل إلى مكان أخر، وعمل لفترة كمسؤول حكومي في مدينة تشي. وفي إطار هذا المنصب، نصح الحكومة بغزوها لمقاطعة أخرى، وهي مقاطعة يان، وذلك ما تعهدت به الحكومة، وعلى الرغم من ذلك استقال منسيوس من منصبه لأن الحاكم لم ينفذ التغييرات التي دعا إليها.

وتكيف منسيوس مع تعاليم كونفوشيوس، واقترح أربعة فضائل: الإحسان والبر والصلاح والحكمة. وتتوسع هذه الفضائل وتجتمع معًا في النقطة المركزية لكونفوشيوس وهي الإحسان مما يؤدي إلى نظرية أخلاقية أكمل وأكثر شمولًا. ولكن اعتقد منسيوس مثل كونفوشيوس أن الأسرة والمجتمع يوفران الأساس لهذه الفضائل. فقد يحتاج الفرد إلى فهم مكانة الفرد في المجتمع واحترام الفرد للتقاليد لإيجاد هذه الفضائل. وقال منسيوس بأن الإحسان هو الأكثر أهمية، لكنه يعتقد أيضًا أن غرس الحكمة لمعرفة كيفية توجيه هذا الإحسان أمر مهم أيضًا. ولهذا السبب، ركز بشدة على التعليم كما فعل أرسطو (فان نوردن،2017).

وهناك بعض أوجه التشابه مع أرسطو فيما يتعلق بما يعتبر قيمًا ولكن هناك أيضًا بعض الاختلافات المهمة. فقد يرى أرسطو ومينسيوس أن التفكير الناقد في حياة الإنسان هو أمر أساسي؛ فبالنسبة لأرسطو فإن هذا يترجم إلى المناقب الفكرية، وبالنسبة إلى منسيوس فإن هذا يترجم إلى فضيلة الحكمة. ولكنهم يختلفون في الطريقة التي يرون بها أهمية السياسة. وبالنسبة لأرسطو، فإن المناقب العملية تعني تنمية الحياة حيث يمكن للمرء أن يشارك في السياسة بشكل مباشر؛ وربما هذا ما ينشأ من حقيقة أن أرسطو عاش في اليونان القديمة التي كانت ديمقراطية. ولا يركز منسيوس بنفس القدر على كل البشر باعتبارهم فاعلين سياسيين على الرغم من أنه هو نفسه شارك في السياسة. وعلى نحو مماثل لكونفوشيوس، ونظرا للسياقات الاجتماعية والسياسية التي نشأ فيها منسيوس، فلقد ركز بشكل أكبر على احترام كبار السن والحكام والاعتراف بمكانتهم في المجتمع والأسرة. وكلاهما يعتقدان أن الإنسان يزدهر عندما يتعلم.

وبالمقارنة بين هذين الفيلسوفين، يمكننا أن نرى كيف يمكننا التوصل إلى نفس الاستنتاجات حول القيم العالمية (قيمة التعليم والحكمة) رغم الاختلاف بشأن الأمور الأخرى (قيمة المشاركة المباشرة في السياسة أو الخضوع لحكم حكام يتمتعون بالحكمة). كما يمكننا أن نرى أيضاً كيفية اختلاف طرق الفلاسفين في الوصول إلى استنتاجهما؛ فقد سعى أرسطو إلى مراقبة العالم الطبيعي للوصول إلى استنتاجاته بينما راقب منسيوس السياق الاجتماعي للوصول إلى استنتاجاته. وهناك فلاسفة آخرون من ثقافات مختلفة توصلوا إلى استنتاجات مماثلة. فعلى سبيل المثال، توصل الفيلسوف العربي الفارابي (872-951) إلى استنتاجات مشابهة مثل أرسطو فيما يتعلق بعلاقة العالم الطبيعي بالأخلاق.

وفي عالم اليوم المترابط، هناك طريقة أخرى للبحث عن القيم العالمية والتي من الممكن أن نسميها بالجدلية. وتشمل هذه الطريقة الانخراط في النقاش والحوار مع الآخرين الذين لديهم وجهات نظر مختلفة من أجل التوصل إلى بعض الإجماع حول ما نتفق عليه جميعًا. وكان فيلسوف العصر الحديث الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس (1929) يدافع عن هذا النهج، وكان في مطلع حياته مفكراً ماركسيا، ولكنه ابتعد عن الماركسية الصارمة لتبني نظرية نقدية أكثر دقة. وأدى ارتباطه بمجموعة من الفلاسفة الذين يعيشون في فرانكفورت إلى ارتباطه بمدرسة فرانكفورت التي سعت إلى الجمع بين التفكير الناقد في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية وتقدير المبادئ الديمقراطية.

واقترح هابرماس ما سماه "وضع الكلام المثالي" كوسيلة للتعرف على كيفية إجراء حوار أخلاقي وسياسي. ويعد ذلك نهجاً متخيل للحوار حول القضايا المعقدة حيث يكون جميع الأشخاص قادرين على مناقشة ومناقشة مواقفهم. والهدف من هذا الموقف هو إيجاد بعض الإجماع الذي يُمكن للمجتمع من تعزيز أفكاره وقيمه. وكتب هابرماس عن كيف يمكن للأنظمة الديمقراطية الحديثة أن تأخذ هذا النهج من خلال الجمع بين أدوار المشرعين والقضاة؛ وتوفر الهيئات التشريعية مساحة لمناقشة وضع القوانين بينما توفر الهيئات القضائية مساحة لمناقشة الخلاف القانوني. وقال أيضًا بأن الاتحاد الأوروبي يقدم مثالًا على كيفية تصميم نظام دولي يَدْفَعْ الدول وشعوبها إلى التفاعل السلمي من أجل النهوض بقيم معينة.

وهذه الطريقة تختلف عن الطريقة العلمية والتاريخية. ويشير النهج الديالكتيكي إلى خلق مساحات يمكن فيها بث الخلافات والآراء السياسية المختلفة من أجل التوصل إلى توافق في الآراء بدلاً من الاعتماد على الملاحظة العلمية المجردة أو احترام التقاليد التاريخية. والأساس في وجود ذلك النهج هو الافتراض القائل بوجود القيم العالمية، لكن لا يمكن تحقيقها إلا من خلال إيجاد مساحة لمناقشة الاختلافات. وعلاوة على ذلك، هناك حاجة لإعادة إنشاء تلك المساحات باستمرار لضمان إمكانية حل الخلافات المستقبلية (بومان وريج، 2017).

ويمكن العثور على مثال يدور حول كيفية عمل نموذج مبني على توافق الآراء في الطريقة التي تم بها إنشاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والحقوق ليست هي نفسها القيم، لأنها تعبر عن مثال معياري معين نشأ عن الليبرالية. وعلى الرغم من ذلك، يشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قيمًا مهمة مثل قيم الأمن الإنساني وحرية التعبير والمساواة. ويمكن التعبير عن هذه القيم بلغة غير الحقوق لكنها تمثل شيئًا قريبًا من مجموعة من القيم العالمية.

والأمر الأهم من ذلك، هو أن العملية التي نشأ بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تعكس نموذج توافق الآراء المنصوص عليه أعلاه. فقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في 10 ديسمبر 1948. وتم اقتراح فكرة هذه الوثيقة في الجمعية العامة في عام 1946. وكلف المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة أحد الأجهزة الست الرئيسية للأمم المتحدة الذي تم إنشاؤها بموجب ميثاق الأمم المتحدة لعام 1946. وللقيام بذلك تم إنشاء لجنة صياغة برئاسة إليانور روزفلت والتي ضمت لجنة الصياغة أفرادًا من جميع أنحاء العالم يمثلون معتقدات سياسية ودينية وأيديولوجية مختلفة تمامًا. وقد ساعدت جهود الصياغة لجنة دولية نظمتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، والتي نشرت كتاباً يجمع عشرين مقالاً حول وجود أو عدم وجود أي حقوق مشتركة يؤلفها قادة فكريون من جميع أنحاء العالم. ويشتمل الكتاب على مساهمات بعض الشخصيات الدينية والفلسفية الأكثر شهرة حاليا، بما في ذلك المهاتما غاندي. وتحدث الفيلسوف الكاثوليكي الفرنسي جاك ماريتاين بصفته أحد المساهمين عن تداول اللجنة:

وعند طرح الأمر ذو الصلة في أحد اجتماعات لجنة اليونسكو الوطنية التي يتم فيها مناقشة حقوق الإنسان، أعرب أحدهم عن دهشته بأن بعض أبطال أيديولوجيات المعارضة بعنف قد وافقوا على قائمة بهذه الحقوق. وقالوا نعم، نحن متفقين على الحقوق ولكن شريطة ألا يسألنا أحد عن السبب، و"السبب" هو حيث تبدأ الحجة. (أكيرلي، 2017، ص 135).

والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليس وثيقة طويلة حيث يحتوي على ديباجة و30 مقالة. والإعلان ليس ملزماً من الناحية القانونية على الرغم من أنه أبلغ لغة العهدين الملزمين بشأن حقوق الإنسان التي دخلت حيز الوجود في الستينيات والتي وقّع عليها جميع دول العالم تقريبًا. ويركز الإعلان على الحقوق ولكنه يشدد أيضًا على أهمية الكرامة وقيمة الفرد. وقد جعل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان اليوم الترويج للإعلان العالمي لحقوق الإنسان عنصراً أساسياً في عمله (يمكنك مشاهدة الفيديو على الرابط التالي).

ومرة أخرى، الحقوق ليست هي نفسها القيم، ولكن ما يظهر لنا ذلك هو أنه من الممكن إيجاد بعض الإجماع على القيم الإنسانية الواسعة، وهذه الحالة تم التعبير عنها من حيث الحقوق.

وسوف يتعين على الطلبة في هذه النميطة مراعاة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بتجاربهم الخاصة، ومنحهم في الوقت ذاته سياق الوثيقة وتطبيقها اليومي وعلاقته بقضايا أوسع تتعلق بالقيم العالمية. وستشجع النميطة أيضاً الطلبة على انتقاد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالطريقة التي تعطي الحقوق أهمية أكبر من المسؤوليات، واستبعاد المسائل المهمة المتعلقة بالجنس والبيئة وقد لا تعكس التجارب الحية لجميع الناس في جميع أنحاء العالم. وبالإضافة إلى ذلك، يتم التركيز على صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ودور الأفراد من جميع أنحاء العالم، يمكن للطلبة تحديد وتقييم وتطبيق الممارسات العالمية التي تتجاوز تقاليدهم الوطنية والثقافية والدينية الخاصة.

وستمكن هذه النميطة الطلبة من رؤية العلاقة بين القيم الإنسانية العالمية والواقع الاجتماعي والسياسي الملموس. وغالبًا ما تحدث المناقشات حول هذه القيم دون مراعاة كيفية تطبيقها عند اتخاذ القرارات في الحياة الواقعية. وعلى الرغم من أن التحليل النظري والفهم جيدان كنقطة انطلاق، إلا أنها من الممكن أن تمنع الطلبة من تقدير كيف يمكنهم المشاركة في الممارسات التي تعزز القيم. وسيكون لدى الطلبة فرصة لفهم كيف يمكن التوصل إلى اتفاق حول القيم التي تطلب الانخراط في المداولات والحل الأوسط، وهو نشاط قد يعتبره البعض تمرينًا سياسيًا أساسيًا. ويوجد طريق ذو اتجاهين هنا، حيث أن الممارسة تُعلم القيم والقيم تعلم الممارسات. ويتيح استخدام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كوسيلة للتفكير في هذا التقاطع بين الممارسة وخلق القيمة للطلاب فهمًا عمليًا أكثر للقيم العالمية نتيجة لسياقات معينة.

وستبدأ النميطة مع المحاضر الذي يحدد بعض المصطلحات التي سيتم استخدامها خلال المناقشة.

ووفقاً لهذه المناقشة النظرية، يقوم الطلاب بعد ذلك بمحاكاة خيالية ويطلب منهم فيها إنشاء إعلان عالمي للقيم الإنسانية. ويعملون كممثلين للتقاليد المختلفة خلال هذه المحاكاة ويسعون لإنشاء وثيقة مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويجب عليهم أيضًا التفكير في كيفية اختلاف القيم عن الحقوق عند القيام بتلك المحاكاة (شيء تمت مناقشته في المحاضرة والمناقشة السابقة لذلك).

ويلخص الباب الأخير من النميطة ما تم تعلمه ويربطه بالقضية الأوسع للقيم.

 

المراجع

  • Ackerly, Brooke (2017). Interpreting the political theory in the practice of human rights. Law and Philosophy vol. 36, No. 2.
  • Baldwin, Tom (2010). George Edward Moore. The Stanford Encyclopedia of Philosophy. Edward N. Zalta, ed.
  • Bohman, James and William Reig (2017). Jürgen Habermas. The Stanford Encyclopedia of Philosophy. Edward N. Zalta, ed.
  • Shields, Christopher (2016). Aristotle. The Stanford Encyclopedia of Philosophy. Edward N. Zalta, ed.
  • Van Norden, Bryan (2017). Mencius. The Stanford Encyclopedia of Philosophy. Edward N. Zalta, ed.

 

التالي
الرجوع إلى البداية