هذه الوحدة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين 
 
الموضوع الأول - الاستقلال القضائي
 

العوامل الرئيسية التي تهدف إلى ضمان استقلالية القضاء

 

قد فسّر القسم الأول بإيجاز، السبب في أهمية استقلال القضاء في الحفاظ على حياد القضاة وسيادة القانون. ويركز هذا القسم على كيفية ضمان استقلالية القضاء من جوانبه الأساسية (الاستقلال الخارجي، والداخلي، والمؤسسي، والفردي). وهناك آليات مختلفة ممكنة، بالإضافة إلى تقديم مجموعة من الأمثلة لتشجيع المناقشة وتطوير التفكير الناقد.

وإن استقلال القضاء مفهوم متعدد الجوانب. وهناك ترتيبات مؤسسية، وقانونية، وتنفيذية مختلفة مصممة بصورةٍ مجردة لضمان استقلال القضاء، كما يمكن أن تعمل بصورة مختلفة تبعًا للسياق التاريخي، والسياسي، والقانوني، والاجتماعي الذي يعمل فيه القضاء. ولذلك، لا يوجد نموذج مثالي لتنفيذ استقلال القضاء بمعنى أن حجم واحد يناسب الجميع. إن استقلال القضاء - بعبارات أكثر تحديدا - هو نتيجة مجموعة من الظروف والتدابير والضوابط والتوازنات المختلفة، التي يمكن أن تختلف من بلد إلى آخر. ويتعين على كل دولة أن تجد توازنها الخاص.

ففي بعض الدول، على سبيل المثال، يتم تأمين الاستقلال القضائي بشكلٍ أساسي من خلال هيئة أو مجلس للحكم الذاتي (يتألف بشكلٍ أساسي من القضاة)، ويكون مسؤولًا عن جميع القرارات المتعلقة بتعيين/ترشيح القضاة، وحياتهم الوظيفية، ونقلهم، وانضباطهم. ويحدث هذا على سبيل المثال في فرنسا، وإيطاليا، ومنغوليا، ونيجيريا، وبولندا، ورومانيا، وإسبانيا، وأوكرانيا. وفي بلدان أخرى، مثل كينيا، وجنوب أفريقيا، والهند، وألمانيا، والنمسا، وجمهورية التشيك، والهند، وكينيا، وجنوب أفريقيا، والولايات المتحدة، حيث لا يوجد هيئة مماثلة، وبالتالي يتم تأمين الاستقلال القضائي من خلال آليات أخرى مختلفة. وعليه، فإن ما يعتبر تدبيرا أساسيا في بعض الدول قد لا يعتبر كذلك في بلدان أخرى، وهذا يكشف عن آراء مختلفة بشأن الوسائل المؤسسية اللازمة لحماية استقلال القضاء.

ولم تصل عملية تحديد المتطلبات المؤسسية لاستقلال القضاء إلى نهاية بأي حال من الأحوال. فعلى سبيل المثال، أعيد مؤخرا تصميم أقدم مؤسسة للنظام الدستوري البريطاني، وهي مكتب وزير العدل، بهدف تحقيق فصل أوضح بين أجهزة الدولة، وتعزيز استقلال القضاء (انظر قانون الإصلاح الدستوري بالمملكة المتحدة، 2005، شتريت وتورين، 2013).

وتعتبر حماية استقلال القضاء عادة من بين الجوانب المختلفة التي تعمل على مختلف المستويات: الاستقلال الخارجي والداخلي، والاستقلال المؤسسي والفردي. يشير الاستقلال الخارجي إلى استقلال القضاء عن الأجهزة السياسية (السلطة التنفيذية والتشريعية)، وكذلك أي جهة غير قضائية أخرى. وعلى الرغم من ضرورة وجود بعض العلاقات بين السلطة القضائية والقوى السياسية (وخاصة السلطة التنفيذية)، كما جاء في التعليق على مبادئ بنغالور، فإن "تلك العلاقات لا يجِب أن تتعارض مع حرية السلطة القضائية في الحكم في دعاوى الأفراد، أو في دعم القانون وقيم الدستور" (2007، الفقرة 26). ويركز الاستقلال الداخلي على الضمانات التي تهدف إلى حماية القضاة الأفراد من الضغوط غير الضرورية التي يمارسها داخل السلطة القضائية: من القضاة الآخرين، وقبل كل شيء، من القضاة رفيع المستوى. فالقضاة رفيعو المستوى قد يمارسون، على سبيل المثال، سلطة الاشراف على إدارة المحاكم (تبعا لتنظيم النظام القضائي)، ولكن لا ينبغي لهم - بأي حال - التأثير على جوهر عملية اتخاذ القرار نيابة عن القضاة.

ويتصل الاستقلال المؤسسي بالترتيبات المؤسسية والقانونية التي وضعتها الدولة مسبقا لحماية القضاة من الضغط والنفوذ غير المبرر. ومن وجهة النظر هذه، فإن أهم العوامل تتعلق بالطريقة التي يتم بها تعيين القضاة وتقييمهم وانضبابهم، في إدارة السلطة القضائية وإدارة المحاكم. وعادة ما ينظم الدستور أو القوانين الخاصة المتعلقة بالقضاء هذه الجوانب. ويبدو أن الأمر يتعلق في الواقع بأن الاستقلال المؤسسي يمكن أن يعمل بطرق مختلفة، وفقا للسياق الذي يعمل فيه، ولا يضمن في حد ذاته أن القضاة يتصرفون فعلا بطريقة مستقلة. ولذلك، من الضروري ألا يقتصر النظر في التصميم المؤسسي، بل أن ينظر أيضا في سلوكيات القضاة الملموسة. وتتعلق هذه المسألة باستقلال القضاة الفردي، أي حالتهم الذهنية وسلوكهم الملموس، الذي يعتمد، في جملة أمور، على تنشئتهم الاجتماعية المهنية وعلى الطريقة التي اكتسبوا بها القيم المهنية. ورغم أن الاستقلال المؤسسي شرط ضروري لاستقلال الفرد، فإن المفهومين مختلفان. وكلا البعدين مطلوبان: يجب أن يكون كل من القاضي والمحكمة مستقلان عن أحدهما الآخر وأن ينظر إلى كل منهما على أنه مستقل. وكما ورد في التعليق على مبادئ بنغالور: إن "القاضي يمكنه امتلاك تلك الحالة الذهنية، لكن إن لم تكن المحكمة التي يرأسها مستقلة عن الفروع الحكومية الأخرى فيما هو أساسي لوظائفها، فلا يمكن حينئذ القول بأن القاضي مستقل" (2007، الفقرة 23). ومن ناحية أخرى، ذُكر أيضا أن "إن إقرار البيانات الدستورية الخاصة بالاستقلال القضائي لا يخلق أو يصون استقلال السلطة القضائية تلقائياً حيثُ أن استقلال القضاء يجِب أن يعترف به وأن يحترم من قبل فروع الحكومة الثلاثة" (2007، الفقرة 25).

فكيف يمكن تنفيذ استقلال القضاء بعبارات محددة؟ ما هي الترتيبات الأساسية التي يمكن اعتمادها لضمان استقلال القضاء؟ ويمكن أن تكون أشكال مختلفة من الاستقلال القضائي ممكنة من الناحية العملية، وقد اعتمدت الدول نماذج وحلول مختلفة. ويمكن تحديد العوامل الرئيسية ذات الصلة بتعزيز استقلال القضاء والحفاظ عليه على اساس:

  • اجراءات تعيين القضاة وترقيتهم،
  • المجالس القضائية،
  • شروط وشروط شغل الوظائف القضائية،
  • الاستقلال المالي وإدارة المحاكم،
  • السلوك القضائي والانضباط القضائي.
 

تعيين وترقية القضاة

من يعين القضاة وكيف يتم ذلك؟ يمكن أن تتأثر إجراءات التعيين دون مبرر بالاعتبارات السياسية أو الشخصية لسلطات التعيين. لتجنب هذا الخطر، من الأهمية بمكان، ضمان إجراءات شفافة وموضوعية وغير تمييزية. ينطبق هذا أيضًا على إجراءات الانتخاب، في الأنظمة التي يتم فيها انتخاب القضاة.

ومن المتفق عليه عموما على الصعيد الدولي أنه ينبغي تعيين القضاة على أساس الجدارة، على أساس معايير موضوعية وضعها القانون أو السلطات المختصة مسبقا، وأن الاعتبارات السياسية ينبغي أن تكون غير مقبولة (المكتب، 2015، الفقرات 53-55، وقرار الجمعية العامة 40/32 و40/146، الفقرتان 10 و13). ويكون الأشخاص الذين يختارون لشغل منصب قضائي أفراداً يتمتعون بالنزاهة والقدرة مع توفير التدريب أو المؤهلات المناسبة. وتنطبق نفس المبادئ على الترقيات القضائية، التي ينبغي أن تستند إلى عوامل موضوعية، ولا سيما: القدرة والنزاهة والخبرة.

كما أن بعض المعايير الدولية تعزز التنوع في تكوين أعضاء السلطة القضائية، بما في ذلك مراعاة منظور جنساني (مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، 2013، الصفحة 2). وعلى الدول، على سبيل المثال، أن تجري تقييما لهيكل فرعها القضائي وتكوينها، لضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا، وتهيئة الظروف اللازمة لتحقيق المساواة بين الجنسين داخل السلطة القضائية (ولكن أيضا دائرة الادعاء العام وخدمة الدفاع العام) (لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان، 2013، الفقرة 70). وللحصول على منحة دراسية أكاديمية حول أنماط التوظيف التي يتم جبابها، في روسيا، انظر فولكوف ودزميتييفا (2015). وللاطلاع على مناقشة حول التعقيدات المرتبطة بزيادة عدد القضاة في باكستان، انظر هولدن (2019).

ومن الأمثلة الأخرى على المبادرات التي تهدف إلى زيادة تمثيل المرأة في القضاء ما يلي :

مثال : الأردن - مبادرات لتعزيز تمثيل المرأة في القضاء.

في السنوات الأخيرة، حدثت زيادة كبيرة في عدد النساء المقيدات في المعهد الأردني للدراسات القضائية. ويرجع هذا الارتفاع الكبير إلى مجموعة من المبادرات التي نفذتها وزارة العدل الأردنية. وتشمل هذه المبادرات تحديد حصص دنيا (15 في المائة) لقبول المرشحات في معهد الدراسات القضائية، وإنشاء صناديق للمساعدة في دراسات الطالبات القضائيات، ودعم مشاركة القاضيات في التدريب القضائي والزيارات البحثية (لجنة الحقوقيين الدولية، 2014، الصفحة 34).

 

مثال : حكم دستوري كيني لمعالجة التمييز بين الجنسين في الماضي.

تمثل السلطة القضائية الكينية أعلى نسبة تمثيل للنساء القضاة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويعزى هذا إلى حد كبير إلى نجاح أنشطة الدعوة التي يقوم بها المجتمع المدني، والتي شهدت الأخذ بتدابير سياسية ترمي بالتحديد إلى زيادة تمثيل المرأة في الجهاز القضائي. ففي عام 2010، أسس الدستور الكيني الجديد أن "لا يزيد ثلثي" كل الهيئات الانتخابية أو المعين، بما في ذلك الهيئة القضائية، لابد أن يكون من نفس النوع، الأمر الذي ينص على العمل الإيجابي لمعالجة التمييز في الماضي. وفيما بعد، تم تعيين 13 امرأة من بين 28 قاضيا جديدا في المحكمة العليا. (لجنة الحقوقيين الدولية، 2014، الصفحة 41)

 

مثال : توفر انجلترا وويلز مجالاً تقديرياً يسمح بالتنوع في التعيينات القضائية.

في إنجلترا وويلز، نص مشروع قانون الجرائم والمحاكم لعام 2013 على تغييرات رئيسية في التعيينات القضائية. وقد تغير الحكم القائم بأن التعيينات القضائية سوف تتم "على أساس الجدارة" بحيث لا تمنع "بهدوء" الهيئة التي يتم اختيارها، حيث يتساوى شخصان في الجدارة، ومن تفضيل أحدهما على الآخر بغرض زيادة التنوع داخل مجموعة الأشخاص الذين يحالون مكاتب يجري الاختيار من أجلها، أو مجموعة فرعية من تلك المجموعة. ورحب رئيس لجنة التعيينات القضائية بالنص الذي يسمح للجنة المشتركة لاختيار المرشح الأكثر تنوعا.

 

مثال : تتطلب لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان مشاركة متساوية في إقامة العدل.

وفي جنوب أفريقيا، يؤكد الدستور على ضرورة أن يعكس القضاء على نطاق واسع التكوين العرقي والجنسي/النوعي للبلد، وأن يكون هذا الاعتبار عند تعيين موظفين قضائيين (مكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة، 2015، الفقرة 55، مركز بينغهام، 2015، الصفحة 6).

وبناء على ذلك، أشارت لجنة الدول الأمريكية لحقوق الانسان إلى أن على الدول واجب "اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان تمكين الشعوب الأصلية والمجموعات الإثنية من المشاركة، على قدم المساواة، في إقامة العدل، بحيث تكون هي الأخرى، يمكن أن تصبح جزءا من مؤسسات وأجهزة الدولة وأن تشارك، مباشرة وبنسبة إلى سكانها، في إدارة الشؤون العامة. وينبغي لها أن تفعل ذلك من داخل مؤسساتها ووفقاً لقيمها وممارساتها وعاداتها وأشكال تنظيمها، شريطة أن تكون هذه المبادئ متوافقة مع حقوق الإنسان المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الإنسان" (لجنة الدول الأمريكية، 2013، الفقرة 72).

 

مناقشة رئيسية : معايير اختيار القضاة

نظرا لزيادة تعقد عمل القاضي، أصبح من الواضح تماما أن المؤهلات المهنية المطلوبة الآن لممارسة الدور القضائي على النحو الصحيح تتجاوز بكثير المعارف والمهارات القانونية الأساسية للتفسير القانوني التي كانت كافية في الماضي.

ففي كندا، على سبيل المثال، ينبغي أن يشمل تقييم المرشحين للمحكمة العليا النظر ليس فقط في خبرتهم القانونية وقدراتهم المهنية العامة، بل أيضا في وعيهم الاجتماعي وحساسيتهم، وغيرها من الصفات الشخصية، بما فيها الشعور بالأخلاق والصبر والصراحة والصدق والحس السليم والتواضع والتردد ومهارات الاتصال والقدرة على ادارة الوقت وعبء العمل والقدرة على التعامل مع عبء العمل الثقيل والتوتر (انظر، على سبيل المثال، معايير التعيينات القضائية في كندا).

وفي بعض الدول (مثل الفلبين، والنمسا، وهنغاريا، وهولندا) يشمل اختيار القضاة الجدد إجراء اختبارات نفسية. وتشمل الاختبارات النفسية اختبارات الذكاء والقدرة على العمل في فرق والقدرة على اتخاذ القرارات تحت الضغط وغير ذلك من القضايا.

وفي بعض النظم، لا سيما عندما يتم اختيار القضاة في بداية حياتهم المهنية، ليس من غير المألوف أن يشمل التعيين القضائي فترة تدريب أو فترة اختبار.

والتدريب الأولي(والمتواصل) أداة هامة لضمان استقلال القضاء. ومن الأساسي ليس فقط بناء مهارات مهنية قوية، بل أيضا تعريف القضاة بالقيم والمبادئ الأساسية لمهنة القضاء.

ويرتبط الاختبار بدقة بالتدريب. والغرض من التعيينات تحت الاختبار "هو التأكد مما إذا كان القاضي قادرا حقا على الاضطلاع بمهامه بفعالية قبل التعيين الدائم" (لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان، 2013، الفقرة 97). وقد يتمتع القضاة، أثناء فترة الاختبار، ببعض القيود في وظائفهم واستقلالهم وعقلهم (على سبيل المثال، لا يمكنهم الجلوس إلا في أفرقة ونقل أو فصل القضاة الذين يعينون مدى الحياة بسهولة أكبر). ويجب إيلاء اهتمام خاص لاستقلال القضاة أثناء فترة الاختبار في عملية صنع القرار، حيث أنهم قد يشعرون بالضغط لتقرير القضايا بطريقة معينة. ويجب إيجاد توازن بين الحاجة إلى ضمان معايير مهنية عالية وحماية المستوى الأدنى من الاستقلال. وينبغي اتخاذ القرار النهائي بشأن التعيين الدائم وفقا لمعايير موضوعية ومع ضمانات إجرائية مناسبة.

وتختلف إجراءات التوظيف والترقية اختلافا كبيرا فيما بين الدول. غير أن هناك تمييزا أساسيا بين جهاز القضاء في الخدمة المدنية (المعروف أيضا باسم القضاء البيروقراطي)، الذي تميل إليه السلطات القضائية في القانون المدني، والقضاء المهني، الذي هو نموذج للسلطتين القضائيتين في القانون العام (غوارنييري وبيديرسولي، 2002). وهذا بطبيعة الحال تمييز "نموذجي"، لأن الواقع أكثر تناثراً والعديد من الأنظمة تجمع في واقع الأمر بين بعض سمات نموذج الخدمة المدنية والنموذج المهني.

وفي معظم الهيئات القضائية المدنية، يتم تعيين القضاة عن طريق المنافسة العامة على أساس اختبارات كتابية وشفوية، حيث يتم التحقق من المعرفة النظرية لمختلف فروع القانون. وكقاعدة عامة، فإن المشاركين في هذه المسابقات هم من خريجي القانون الشباب الذين ليس لديهم خبرة مهنية أو خبرة مهنية محدودة (على الرغم من أن سنوات الخبرة تختلف بين البلدان). وفي بلدان القانون المدني، تعد المنافسة العامة هي الطريقة الشائعة للوصول إلى المناصب العامة. كما يعتمد نظام التوظيف هذا على افتراض أن عملية التنشئة الاجتماعية المهنية وتنمية المهارات المهنية ستتم في المقام الأول داخل السلطة القضائية وسيحكمها القضاء نفسه، غالبًا من خلال المؤسسات المتخصصة (المدارس القضائية). وعلاوة على ذلك، من المتوقع أن يكون القضاة المعينون حديثًا مختصين وظيفياً، حيث يمكن تعيينهم في مجموعة واسعة من الوظائف المرتبطة برتبتهم (التوظيف ذو طبيعة عامة).

واعتمادًا على الدولة، يلعب وزير العدل دورًا في إجراءات التعيين (على سبيل المثال، قد يكون مسؤولاً عن التعيين النهائي). ومع ذلك، يتم تحجيم هذا الدور في كثير من الأحيان من قبل هيئات مستقلة أو هيئات الحكم الذاتي (لجان التعيين، رؤساء المحاكم، المجالس القضائية، إلخ) التي تشارك بطرق مختلفة في تقييم المرشحين. وبالنظر إلى أن التعيينات تستند إلى المنافسة العامة، فهناك مساحة محدودة للتأثير السياسي، ويتم الحفاظ على الاستقلال الخارجي للسلطة القضائية.

كما يتم تعيين القضاة في معظم الهيئات القضائية المدنية عن طريق المسابقات العامة وهي عبارة عن امتحان خطّي وشفهي، يتم من خلاله التحقق من مدى معرفة الممتحن النظرية لأفرع القانون المتعددة. وكقاعدة عامة، يكون المشاركين في تلك المسابقات من الشباب المتخرجين في كليات الحقوق والذين لا يمتلكون أي خبرة عملية بالمجال أو تكون خبرتهم فيه محدودة (على الرغم من تباين عدد سنوات الخبرة بين الدول). كما تعتبر المسابقات العامة هي الطريقة الأكثر شيوعًا للحصول على الوظائف الحكومية في البلاد التي تتّبع القانون المدني. ويستند نظام التعيين على الافتراض القائم بأن المكان الذي سيتم به عملية التنشئة المهنية وتطوير الخبرات المهنية هو النظام القضائي وسيقوم النظام القضائي أيضًا بتنظيمه والإشراف عليه، وسيتم ذلك غالبًا عبر مؤسسات مختصّة (المدارس والمعاهد القضائية). وعلاوة على ذلك، من المتوقّع أن يكون القضاة المعينين حديثًا من ذوي الكفاءة الوظيفية العالية والشاملة، حتى يمكن تكليفهم بعدّة مهام وظيفية مرتبطة بمراكزهم (التعيين له طابع عام).

وحسب البلد المقصود، يلعب وزير العدل دورًا في إتمام إجراءات التعيين (على سبيل المثال، يمكن أن يكون هو/هي مسؤول عن مرحلة التعيين الأخيرة). ولكن يتم في معظم الأحيان تكليف الهيئات المستقلّة أو المدارة ذاتيًا بمثل تلك المهام (لجنان التعيينات، رؤساء المحاكم، المجالس القضائية وإلى آخره). وهي مؤسسات معنية بتقييمات المرشحين من نواحي عدّة. وباعتبار أن التعيينات تستند على نظام المسابقات العامة، فلا توجد مساحة كبيرة لأي تأثير سياسي على النتيجة النهائية، وبذلك يظل الاستقلال الخارجي للقضاء محفوظًا. وفي النظام المدني للتعيين، يتم تعيين القضاة في النظام القضائي في سن صغير ويظلّوا في نفس مجال العمل طوال فترة حياتهم العملية، فيلتزمون بمهنة تجمع بين الأقدمية والجدارة المهنية. وترتبط الحاجة للقيام بتقييمات دورية وأساسية للقضاة ارتباطًا وثيقًا بنموذج الخدمة المدنية للتعيين وذلك لأن القضاة يتم تعيينهم بدون سابق خبرة عملية" (دي فيدريكو، 2008أ). وعادةً ما تتضمّن الوظيفة تقييمات متكررة للأداء المهني، بغرض منح الترقيات وتوزيع أدوار العمل والنقل. كما يتمتع الرؤساء الأعلى رتبة بسلطة تقديرية واسعة فيما يتعلق بتحديد الكفاءة والجدارة. وقد يشّكل هذا الأمر مشكلة، حيث يمكن أن يقوم الرؤساء الأعلى رتبة بالإخلال بالاستقلال الداخلي. ففي بعض الدول، يشارك الرؤساء الأعلى رتبة تلك المسؤولية مع هيئات ومؤسسات أخرى ومن ضمنها ممثّلي القضاة ووزراء العدل واللجان البرلمانية. ولذلك، تم تخفيف وطأة المشكلة في بعض الدول بفضل مؤسسة المجالس القضائية والهيئات المدارة ذاتيًا والتي يتم تمثيل القاضي بها، وهي الهيئات التي تساهم – لدرجة معينة - في إدارة موظفي الهيئة القضائية.

كما يتم إتّباع نظام مختلف في معظم الأنظمة القضائية المهنية. كما يتم تعيين القضاة (أو انتخابهم) من بين المحامين، وفي بعض الحالات، من بين العاملين بمجال القانون، ويتم ذلك عادةً في نهاية حياتهم العملية. ففي الولايات المتّحدة على سبيل المثال، يتم تعيين الباحثين والدارسين بمجال القانون في مقاعد المحاكم الفيدرالية. ومع الوضع بالاعتبار أن يتم تعيين القضاة بعد اكتسابهم الخبرة القانونية المهنية المطلوبة، حيث تتم عملية التنشئة المهنية وتطوير الخبرات المهنية قبل التعيين القضائي وفي إطار المهنة القانونية/الدراسية. وعادةً ما يتم تكليف الفرع التنفيذي بمهمّة التعيين وقد تتم عملية التعيين بناءً على الانتماء السياسي للمرشّح. وهذا قد يضر بالاستقلال الخارجي للنظام القضائي. ويتم تخفيف وطاءة التأثير السياسي بجعل فترة التعيين ممتدة مدى الحياة عادةً، وبذلك لا يمكن أن يتأثر بأي تغيير محتمل في التوجّه السياسي للهيئة المسؤولة عن التعيين. وجرت العادة حديثًا باتخاذ خطوات من شأنها زيادة شفافية و/أو تشاركية عملية التعيين القضائي، أو حتّى الحدّ من سلطة الرؤساء التنفيذين في عملية التعيين القضائي. ففي إنجلترا وويلز على سبيل المثال، قدّم قانون الإصلاح الدستوري لعام 2005 نظامًا جديدًا للتعيين القضائي، وهو ما يحيد عن التقليد الراسخ بالبلاد. وكان ينص هذا التقليد الراسخ على أن وزير العدل يمتلك السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، والتي تتضمّن رئاسة قسم حكومي يتولّى مسؤولية المحاكم والتعيينات القضائية. ولقد استبدل قانون الإصلاح الدستوري هذا النظام عن طريق تأسيس لجنة التعيينات القضائية (المكوّنة بشكل رئيسي من قضاة برتبة عالية) وهو ما يحدّ من دور وزير العدل ويجعل دوره مقتصرًا فقط على قبول أو رفض توصياتها بشكل استثنائي بشرط إبداء سبب (المكتب، 2011، ص.9: شيتريت وتورين، 2013: مركز بينهام، 2015، الصفحة 44).

تعدّ النظّم الأشقّ تطبيقًا هي النظّم التي يتم بها انتخاب القضاة، "حيث يُنظر للنظام الانتخابي على أنه أداة تمنح النظام القضائي درجة كبيرة من الشرعية الديمقراطية، ولكن من الممكن أن تؤدي لتورّط القضاة في حملات جمع التمويلات وإقامة حملات انتخابية سياسية والانغماس في شراء وتقديم الجمائل والخدمات" (المكتب، 2015، الفقرة 56).

وفي الولايات المتّحدة، على سبيل المثال، يتم تعيين القضاة عن طريق الانتخاب الشعبي لعدد محدد من السنوات في بعض الولايات. ويستند هذا النظام على الاعتقاد السائد بحق المواطن في اختيار القاضي المتولّي أمور مجتمعه وحقّه في اختيار شخص آخر إن لم يرضَ عن أداء القاضي خلال المدّة التي قضاها في منصبه. و"تتمثّل حجّة منتقدي هذا النظام القضائي بقولهم التالي: لا يضمن هذا النظام الاختيار بناء على الكفاءة، ولا يحمي الاستقلالية القضائية أو صورة الحيادية، التي تمتاز بها العملية القضائية، بشكل فعّال.وتمثل أحد سبل طرح علاج لتلك المشاكل في بعض الولايات في تشكيل لجان تحتوي على مختلف أنواع الأعضاء وتتكوّن من ممثلين من ضمنهم محامين وفقهاء قانونيين وأعضاء عاديين من المجتمع يقدمون قائمة بالمحامين المؤهلين للمنصب لحاكم الولاية. ثم يقوم حاكم الولاية بتعيين أحد المرشّحين كقاضِ، وبعد مضي عدّة أعوام من توليه المنصب، يوافق القاضي بشكل غير مشروط على "انتخابات الاستبقاء". وحتّى بعد ذلك، تترك تلك الحلول المجال لانتقاد آخر موجّه ضد نظام انتخاب القضاة. كمثال، لا يمتلك الناخبين معلومات مؤكدّة تمكّنهم من اختيار الشخص المؤهل لتولّي ذلك المنصب (المكتب، 2011، ص.8).

ووفقًا للنظام المهني، يتم تعيين القضاة لشغر مناصب معيّنة في محاكم معيّنة بدون أي فرصة رسمية للترقية المهنية المستقبلية أو الانتقال من محكمة لمحكمة أخرى. ولذلك، لا يوجد أي شروط رسمية للتقدّم والترقية بهذه المهنة، على الرغم من امتلاك بعض القضاة النفوذ في عملية التعيين الأولية وترقية القضاة من المراتب الدنيا. ونظرًا لأن الترقيات ليست شائعة بشكل عام، حيث تتم ممارسة ضوابط أضعف بكثير على القضاة من جانب القضاة الأعلى مرتبة. وبالإضافة إلى ذلك، تميل الهيئات القضائية المهنية لتعيين الأفراد ذوي الخبرة القانونية الراسخة بخارج الهيئة القضائية، حيث يقّل التركيز على السيطرة الداخلية وزيادة التركيز على ضمانات الاستقلال الداخلي في تلك الأنظمة.

كما يحاول كلا نوعيّ النظم القضائية (الهيئات القضائية بنظام الخدمة المدنية والهيئات القضائية المهنية) حفظ الاستقلال القضائي. ولكن، من الممكن أن تظهر نسبة معيّنة من التأثير السياسي. وقد يحدث هذا في أنظمة القانون العادية عبر عملية التعيين، بينما يحدث في نظم القانون المدني من خلال التأثير على المهنة القضائية.

 

المجالس القضائية

لقد تم إنشاء مجالس قضائية لإدارة مهن القضاة الطويلة في عدّة نظم يتم بها تعيين القضاة ذوي السن الصغير. وفي بعض البلدان، يحدث العكس، وخاصةً في البلدان التّي تتّبع تقاليد القانون العادي، حيث لا توجد في تلك البلدان مجالس قضائية. كما أشارت بوادر إصلاح حديثة (يُرجى الاطلاع على المثال: ساجو، 2004، وتحليل الإصلاحات القضائية في بلاد وسط وشرق أوروبا) إلى وجود تفضيل قوي لتعيين وترقية القضاة المعينين عن طريقة هيئة مستقلّة، مثل المجلس القضائي أو لجان التعيين القضائي.

تعتبر المجالس القضائية هيئات قضائية مدارة ذاتيًا. وتتكوّن بشكل رئيسي من قضاة، وتعتبر تلك المجالس مستقلّة عن الفروع التنفيذية والتشريعية، على الرغم من أن علاقتها بهم لا تزال قائمة. بدأ تكوين تلك المجالس بشكل رئيسي في البلاد التي حوّلت اتجاهها السياسي من النظام الاستبدادي إلى لديمقراطية الليبرالية، حيث تم اعتبار عملية تكوين تلك المجالس بمثابة جزء هام من عملية تطبيق مبادئ استقلال القضاء عن القوى السياسية (وخاصة السلطة التنفيذية). وأيضًا كان للمجالس القضائية تأثير هام على تعزيز الاستقلال الداخلي، حيث أدّى وجودها لتقليل نفوذ الرؤساء الأعلى رتبة.

مثال : رومانيا

في رومانيا، وكما هو الحال في بلاد وسط وشرق أوروبا (أوروبا الوسطى والشرقية)، كانت محاولة إقحام السياسة في شؤون النظام القضائي "تسييس النظام القضائي" هي أهم سمات النظام الاشتراكي. وكانت تتم إدارة المحاكم والقضاة بواسطة السلطة التنفيذية، كما أنهما كانا خاضعين لإدارة نظام الحزب الشيوعي. وكانت التعيينات فيهم مدارة بشكل حصري عبر نظام المعيّنين بواسطة نظام الحزب الشيوعي. وكان الفصل بين القوى موجود بشكل صوري فقط، حيث كان هناك شركة خاصة "بالحزب الشيوعي" تتحكّم بشكل كامل في النظام القضائي والتنفيذي والتشريعي. بينما كان "القضاء الهاتفي" هو القاعدة: حيث كان أبارتشيك الحزب الشيوعي يقومون بإعلام القضاة بالأحكام المطلوب منهم إصدارها عبر الهاتف. وكانت النيابة تعتبر الشريك المسيطر في الفرع القضائي وكان يتم استخدامها بشكل متكرر كأداة للحزب. وسمح الحزب للنظام القضائي بنسبة ضئيلة من الاستقلال من أجل التعامل مع المسائل التي لم يهتم لها الحزب على الإطلاق، مثل جرائم الشوارع والطلاق والوصاية على الملكيات العقارية، وإلى آخره. (باراو، 2011، ص.641).

وبعد تجربة السياسات الحزبية في النظم القضائية الشيوعية، في رومانيا، ودول عدّة في منطقة أوروبا الوسطى والشرقية، كان الاعتقاد السائد أن نقل مسؤولية إدارة العاملين في النظام القضائي من السلطة التنفيذية هو أساس استقلال القضاء. ولتحقيق هذا الغرض، تم وضع إدارة النظام القضائي تحت عناية المجالس القومية للقضاة. ومع وجود بعض الاختلافات بين البلدان، اكتسبت تلك المجالس سلطة شاملة (بلانكنبرج، 2004، ص.212). وبالتالي حُرِمت السلطة التنفيذية من معظم سلطاتها في الشؤون المتعلّقة بالإدارة القضائية، وأيضا حُرِمت من سلطتها في التأثير على الأحكام القضائية.

وعلى مدار العقود الأخيرة، لوحظ زيادة عدد المجالس القضائية في أوروبا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط بشكل كبير مع تنوع سلطاتهم وطرق تشكيلهم والنظم التي يتم تعيين الأعضاء بها من بلد لآخر.

وعلى الرغم من وجود المجالس القضائية، إلا أن نفوذ الفروع السياسية مازال موجودًا. ففي الحقيقة، أحيانًا ما تشتمل المجالس القضائية على بعض الأعضاء غير العاملين بالنظام القضائي، ويكونوا عادةً فقهاء قانونيّن ممتازين أو مواطنين لهم سمعة وخبرة معهودة، ويتم انتخابهم عن طريق جهات معيّنة (كمثال: البرلمان، ورؤساء غرفتي البرلمان، والحكومة) أو عن طريق أشخاص/مجموعات أخرى لها علاقة بإدارة النظام القضائي (على سبيل المثال: ممثلي خدمات النيابة). وإن المجالس التي تتكوّن بشكل حصري من القضاة نادرة جدّا. وبصفتهم ممثلين للمجتمع، يتولى الأعضاء غير العاملين بالنظام القضائي الإدارة الاجتماعية بالمجلس، ولكن في نفس الوقت، يُعتبَرون حلقة وصل تربط بين النظام القضائي والبيئة السياسية، وخصوصًا في البلاد التي يتم تعيينهم فيها عبر البرلمان وبدعم من الأحزاب السياسية. وفي بعض البلاد، يتم تعيين كل أعضاء المجلس (ومن ضمنهم القضاة) عن طريق السلطات السياسية (وزير العدل، رئاسة الوزراء، البرلمان) وتكون الصلة السياسية في تلك الحالة أقوى.

مثال : فرنسا و اسبانيا

ظهرت اتجاهات لتقليل النفوذ السياسي للمجالس. في إسبانيا، على سبيل المثال ومنذ عام1985، قام البرلمان بانتخاب جميع أعضاء المجلس العام للقضاء. ومع ذلك، فوفقًا لتجربة أُجريت مؤخرًا، يقوم البرلمان بانتخاب أعضاء الهيئة القضائية بناءً على قائمة يتم تقديمها من الجمعيات المهنية المختلفة للقضاة.

وفي فرنسا، وبغرض تعزيز استقلال القضاء، أكّد الإصلاح الدستوري لعام 2008 (القانون الدستوري رقم. 742 لعام 2008) على تولّي رئيس المحكمة العليا للنقض رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، بحيث يكون الوكيل العام للنيابة نائب الرئيس. وقبل 2008، كان من يتولّى مهام رئيس ونائب رئيس المجلس هم رئيس جمهورية فرنسا ووزير العدل بنفس الترتيب السابق ذكره. ولكن أدّى الإصلاح إلى زيادة عدد الأعضاء غير العاملين بالنظام القضائي، الذين يتم تعيينهم عن طريق السلطات السياسية (رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الشيوخ ورئيس الجمعية الوطنية) وأصبحوا يشكلون الآن الأغلبية في المجلس. والهدف من ذلك هو تفادي تفضيل المصالح المشتركة بالجهة القضائية على حماية قيم عمل النظام القضائي السليم والتي تتضمّن الفعالية والمسائلة القضائية. وعلى الرغم من سيادة الطبيعة السياسية على سلطات التعيين، يجب أن يتم التركيز في عملية تعيين الأعضاء غير العاملين بالنظام القضائي على الخبرة المهنية والكفاءة.

وبالإضافة إلى ذلك، قامت المجالس بزيادة دور ممثّل جديد ومهم، وهي الجمعيات القضائية، حيث إنها تختص بتنظيم المشاركة الانتخابية للقضاة. فيوجد في عدّة دول جمعيات مشابهة للنقابات مقسّمة بموجب الأحكام السياسية والثقافية. وكذلك، يظهر نفوذها في بعض الدول وتظهر بأنها فعّالة وأنها تفرض بعض النفوذ على العملية التداولية الداخلية للمجالس.

 

شروط وأحكام تأمين فترات ولاية مضمونة للقضاة

هل يتم تعيين القضاة مدى الحياة أم حتى سن التقاعد؟ وهل تم إرساء أسس إنهاء ولاية القضاة بموجب القانون؟ وإن من أسس ومبادئ الاستقلال القضائي الرئيسية تأمين القانون مدة الولاية والتأمين والراتب المناسب وشروط الخدمة والمعاش وسن التقاعد للقضاة (قرار الجمعية العامة 32/40 و146/40، الفقرتان 11-12). فما سبق ذكره هي المتطلّبات الدنيا لتأمين مدة ولاية القضاة. ففي معظم البلاد، يتمتعّ القضاة، سواء تم تعيينهم أو انتخابهم، بفترات ولاية مضمونة حتى سن التقاعد الإجباري أو حتى نهاية مدّتهم الانتخابية بمنصبهم، أيًا كانت الحالة.

فالهدف من تأمين فترات ولاية مضمونة هو حماية القضاة من تدخّل أي عامل خارجي أو داخلي (وأولهم السلطات المختصة بالتعيين) بشكل اجتهادي أو عشوائي. وتعتبر إقالة القضاة من منصبهم بشكل مبكر أو غير مبرر هو أحد أشكال الضغط غير اللائق على القاضي/القاضية. ولتحقيق تأمين فترات ولاية مضمونة، يجب أن يتم تحديد أسس الإقالة قبل سن التقاعد أو شروط تولّي المنصب بناءً على ظروف محددة بشكل واضح ومدعومة قانونيّا، ويتضمّن ذلك: أسباب عدم القدرة على أداء الوظيفة أو تصرّفات من شأنها جعله غير قادر على أداء مهامه الوظيفية، أو إن تمت إدانته في جريمة جادة أو عدم كفاءته بشكل عام أو صدور تصرّف منه يخالف مبادئ استقلال وحيادية ونزاهة القضاء. كمثال، يعتبر ثبوت قيام أحد أعضاء الهيئة القضائية بأعمال فساد هو الحد الأدنى للإقالة. ويجب أن تطابق العقوبات التأديبية أو الإيقاف عن العمل أو إقالة القاضي الإجراءات القانونية (مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة، 2013، ص.3).

وبناء على ذلك، ففي عدّة بلدان، "يمكن تبرير إقالة قاضي إن كانت لديه أوجه قصور حادة لدرجة تصل للضرر بالثقة في إمكانية أداء القاضي لمهامه القضائية" (المكتب، 2015، الفقرة 75).

وتعتبر رواتب ومعاشات القضاة عناصر مهمّة يجب وضعها عين الاعتبار لحماية الاستقلال القضائي. فمن المتعارف عليه بشكل عام هو وجوب تحديد القانون للرواتب والمعاشات لتلائم وتناسب مرتبة ومنزلة ومسؤوليات المنصب القضائي. وفي حقيقة الأمر، يساهم الراتب الملائم في منع القضاة من البحث عن ربح إضافي أو جمائل وحمايتهم من أي ممارسات متعلّقة بالفساد وكذلك من أي ضغط موجّة للتأثير على قراراتهم أو سلوكهم (الميثاق الأوروبي بشأن النظام الأساسي للقضاة. المبدأ 6.1).

كما يجب ألا يتم تغيير الرواتب وشروط الخدمة ومعاشات القضاة بشكل يضرهم بعد التعيين. ولتحقيق هذه الغاية، "لن يتم استخدام السلطات التشريعية والتنفيذية التي قد تؤثر على القضاة فيما يتعلق بمناصبهم أو رواتبهم أو شروط خدمتهم أو مصادر دخلهم بغرض تهديد قاضي أو قضاة معينين أو وضعهم تحت ضغط" (المكتب، 2015، الفقرة 91).

مثال : كندا

في تسعينيات القرن الماضي، أدّت المشاكل الاقتصادية العامة ببعض المقاطعات الكندية إلى تخفيض رواتب قضاة محاكم المقاطعات. وأدّى ذلك لاتهام البعض وجمعية قضاة المقاطعة بأن تلك التخفيضات هي خرق للضمان الدستوري للاستقلال القضائي. تمت دعوة المحكمة العليا الكندية لتحديد إطار لاتخاذ القرار في مسألة رواتب قضاة محاكم المقاطعات بشكل يتوافق مع مبدأ حفظ تأمينهم المالي.

وبذلك خرجت المحكمة بثلاثة استنتاجات رئيسية. أولًا، يمكن تقليل أو زيادة أو تثبيت الرواتب القضائية، ولكن، يجب أن يتم ذلك بعد احتكام لجنة مستقلة وفعّالة وموضوعية. ويمنع على الحكومات اتخاذ قرارات متعلّقة برواتب القضاة قبل حصولها على تقرير اللجنة. وعلاوة على ذلك، يجب أن تستجيب الحكومات بشكل رسمي وعاجل لتقرير اللجنة، وتبرر أي رفض لتوصياتها. ثانيًا، لن تجري أي مفاوضات على الرواتب القضائية بين الهيئة القضائية والهيئة التشريعية أو التنفيذية. ويُبنى هذا التحريم على الرأي السائد بأن المفاوضات هي بالأصل عمل سياسي وقد تؤدي لوضع المحكمة في محل تضارب مصالح لأن الملكية غالبًا ما تكون طرف أمامهم. وبالإضافة لذلك، قد تؤدي المفاوضات إلى انتشار اعتقاد بين عامة الشعب بأن الهيئة القضائية معرّضة لأي تسوية، إن تطلّب الوضع ذلك. ثالثًا، قد لا تقل الرواتب القضائية عن الحد الأدنى. وفي حين أن المحكمة لم تقرر حد أدنى، أوضحت أنه في حالة انخفاض الرواتب بشكل كبير، يوجد احتمال-سواء كان الاحتمال حقيقي أو مجرّد توقّع- بأن يقوم القضاة بإصدار الأحكام بطريقة تمكّنهم من الحصول على رواتب أعلى من الجهات التشريعية أو التنفيذية أو القيام بأعمال التلاعب عن طريق قبول العروض والمنافع من خصوم الدعاوى (بيني، 2011، ص.23).

وهناك سؤال آخر متعلّق بضمان فترة ولاية القضاة أو الإقالة يطرح نفسه وهو ما إذا كان القضاة يتمتّعون بحصانة ضد المسائلات الجنائية أو المدنية وإلى أي حد قد تصل تلك الحصانة؟ ولما كانت المساءلة الجنائية للقضاة هي المبدأ الأساسي المعترف به بمعظم البلدان بموجب القوانين الجنائية المطبّقة بشكل عام، حيث تعتبر المساءلة المدنية مشكلة جدلية. يجب أن يكون هناك توازن بين مبادئ الاستقلال الفردي (يجب أن يمتلك القاضي/القاضية حرّية التصرّف وفقًا لقناعاته/قناعاتها الشخصية، بدون خوف من عواقب شخصية) وبين حقوق الأفراد في الحصول على تعويض من الدولة بسبب إصابة حدثت بسبب إهمال أو احتيال أو سوء استخدام من جانب القاضي لسلطته.

ولكن العديد من البلدان "تعتقد أنه من المهم أن يتمتّع القاضي بحصانة شخصية ضد الدعاوي المدنية المرفوعة لأضرار مالية أو أعمال غير لائقة أو سهو ارتكبه أثناء ممارسته لحقوقه القضائية". بمعنى آخر، يتمتّع القضاة بشكل شخصي بحرّية مطلقةمن أي مسائلة متعلّقة بدعاوي صادرة ضدّهم بشكل مباشر متعلّقة بممارسة وظيفتهم بنيّة حسنة. وتطبيقًا لهذا المبدأ، "يكمن علاج الأخطاء القضائية، سواء كانت متعلّقة بالاختصاص أو الإجراءات في التأكيد على سيادة القانون أو تطبيقه أو تقييم الأدلّة، في وجود نظام ملائم للنقض أو المراجعة القضائية. وفي المقابل، يمكن تطبيق المسائلة المدنية فيما يتعلّق بالإصابات المتكبدة بسبب إهمال أو إساءة استخدام القاضي لسلطته، ولكن عادةً ما يقع الحل فقط حصريًا على عاتق الدولة دون حصولها على حق لجوء (أو حق لجوء محدود) تطلبه من القاضي" (المكتب، 2015، الفقرات 78-80).

المناقشة الرئيسية

لقد تم الخوض في نقاشات تتعلّق بالمبادئ الأساسية للمساءلة المدنية في ايطاليا في الأعوام الأخيرة، والتي تبعت مجموعة من الأحكام الصادرة من محكمة العدل الأوروبية بعام 2006 و2011. وأقرت المحكمة الأوروبية بعدم إمكانية القانون الوطني في استثناء، بشكل عام، مسؤولية الدولة المتعلّقة بخرق قانون المحكمة الأوروبية، بشرط أن يكون هذا الخرق ناتج عن تفسير القانون أو تقدير الوقائع والأدلّة. وعلاوة على ذلك، أشارت المحكمة إلى مسؤولية المشرّع الإيطالي عن هذه النقطة وطالبت بإصلاحها في هذا الميدان. وكانت المشكلة تكمن في أن القانون الإيطالي (رقم 17 لعام 1988) ذكر مسؤولية الدولة في بعض الحالات الاستثنائية وفي حالة ارتكاب الخرق عمدًا أو في حالة حدوث إهمال جسيم، ولكن بالإضافة إلى ذلك، كانت المحاكم الإيطالية متسامحة مع الهيئة القضائية بشكل أدّى إلى رفض دوري للشكاوي المرفوعة ضد الدولة الإيطالية. وبمعنى آخر، أثبت القانون الإيطالي عدم جدارته في حماية حقوق الأفراد وتسبب في اكتساب الدولة لحصانة مطلقة (والقضاة بشكل مماثل) ضد الأضرار التي تسببت بها الأحكام القضائية. ولم تطعن المحكمة الأوروبية في امتيازات القاضي التقليدية حيث إنها وضعت مسؤولية الدولة فقط عين الاعتبار ولم تضع مسؤولية القاضي عين الاعتبار. ويجب أن تتحمل الدولة (وليس القاضي) مسؤولية خرق القاضي لأحكام قانون الاتحاد الأوروبي. وكانت تلك نقطة الحوار الرئيسية. وتطلّب ذلك إجراء تعديلات على بعض الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، وخصوصًا الدول التي كانت بها مسؤولية الدولة عن الأخطاء القضائية مقتصرة على الخرق الجنائي أو النشاط الخاص.

وأخيرًا، حددت بعض الدساتير والقوانين القومية بأن القضاة لا يجوز لهم أن يتولوا أي منصب آخر، سواء كان منصب عام أو خاص، فيما عدا المناصب غير مدفوعة الأجر المتعلّقة بالتدريس أو البحث العلمي في المجال القانوني.

 

الاستقلال المالي وإدارة المحاكم

ترتبط عملية تمويل المحاكم بمشكلة الاستقلال القضائي، حيث إنها تحدد شروط أداء المحاكم لمهامها. كما تعتبر وفرة الموارد عامل أساسي لتعزيز الاستقلال القضائي من مؤسسات الدولة والأطراف الخاصة، حتى يستطيع النظام القضائية إتمام واجباته باستقلالية ونزاهة وفعالية.

كما يقع على عاتق كل دولة توفير موارد كافية تمكّن السلطة القضائية من أدائها لمهامها بشكل ملائم. وهذا يتضمّن أيضًا تعيين عدد كاف من القضاة فيما يتعلّق بعدد القضايا، الأمر الذي سيعمل على توفير طاقم داعم ضروري ومعدّات للمحاكم (تتضمّن أتمتة المكاتب ووجود منشآت معالجة بيانات) وتقديم حراسة شخصية ملائمة وتدريب ملائم وأجور ومكافئات للقضاة. ومن الواضح أن قدرة الدولة على تلبية احتياجات الميزانية للسلطة القضائية تعتمد على مكانتها الاقتصادية والمالية.

كما يوجد صلة واضحة بين تمويل المحاكم وإدارة المحاكم. ووفقًا لبعض المعايير الدولية والإقليمية، ستتم إدارة المسائل المتعلّقة بإدارة المحاكم المتعلّقة بشكل مباشر. بممارسة مهام القضاء، والتي تتضمّن، على سبيل المثال، تعيين القضاة وتوزيع القضايا على القضاة، بواسطة الهيئة القضائية أو الهيئة الخاضعة لسيطرتها وإدارتها. ويجب ألا تقوم أي سلطة خارجية بالتدخّل في المسائل المتعلّقة بشكل مباشر أو فوري بالمهام القضائية. ولن تتأثر عملية توزيع القضايا برغبة طرف متقاضي أو أي شخص آخر له مصلحة متعلّقة بنتيجة القضية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن إقامة علاقات مؤسسية مع بعض السلطات الأخرى، ولكن مع وضع حدود الاستقلال القضائي في الاعتبار (قرار الجمعية العمومية 32/40 و146/40، الفقرة 14، المجلس الأوروبي، توصيات بشأن القضاة (2010)، الفصل 3، الفقرات 24، 40، 41).

ورغم ذلك، أدى تطبيق عدّة مبادئ وممارسات إدارية تهدف إلى تحقيق أعلى انتاجية في نظام المحاكم على مدار العقود الأخيرة لتحسين عملية معالجة القضايا وتقليل التكاليف (بإتباع ما يسمّى بنظرية الإدارة العامة الجديدة)، والتنويه على الحاجة لطريقة أكثر احترافية لتولي مسألة إدارة المحاكم. "وبالتالي، يمتلك مدير شؤون المحكمة في عدّة مناطق قضائية سلطة إدارة كل مهام المحاكم غير القضائية والإدارية. وتتضمّن تلك المهام التخطيط الإداري بعيد المدى والشؤون المالية والميزانية والمشتريات والموارد البشرية وإدارة الموارد وتأمين المحاكم وتأديب الموظّفين، بالإضافة لمهام الدعم القضائي. وفي تلك الحالة، ونظرًا لأن المهام الإجمالية للمحكمة تعتمد على التفاعل بين القاضي وطاقم العمل الإداري، فيجب أن تكون هناك مسؤولية مشتركة بين رئيس المحكمة ومدير شؤون المحكمة فيما يتعلّق بالإدارة العامة للمحكمة" (المكتب، 2015، الفقرة 99).

وفي سبيل تحسين مدى فعالية المحكمة، قامت بعض الدول بتأسيس هيئات مستقلّة محددة تدعى دوائر المحاكم. وتتكوّن من قضاة وممثّلي طاقم عمل المحاكم وأعضاء النقابة وخبراء في مجال الإدارة والشؤون المالية وأحيانًا وزير العدل. وعادةً ما يتم تكليفهم بتولّي الصلاحيات بالغة التأثير مثل في مجال إدارة المحاكم وتولّي شؤونها، وأحيانًا ما يتدخّلون في تحديد ميزانية النظام القضائي ومراقبة النفقات والترويج لعملية الأتمتة وتوضيح معايير تقييم الأداء العام للمحاكم، وتقوم أيضا بتولّي إدارة–بدرجات متفاوتة- موظفين الهيئة القضائية (التدريب وتوزيع المهام والتقييم والترقية) لحماية الاستقلالية القضائية. ولقد انتشرت خدمات المحكمة-على سبيل المثال- عبر شمال أوروبا وخصوصًا في إيرلندا والسويد والنرويج والدنمارك وهولندا وإستونيا.

وعادةً ما تلعب دوائر المحاكم دور الوسيط بين المحاكم والحكومة. ويكمن الغرض منهما في تحسين مدى فعالية العمل مع الحفاظ على الاستقلالية القضائية. فإذا قامت المحاكم بممارسة دورها الإداري عبر دائرة المحكمة التابعة لها، حينها يكون هناك فرصة كبيرة لزيادة مسؤولية المحاكم فيما يتعلّق بنتائجها وتحسين مدى فعالية أعمالها. وعادةً ما تقوم دوائر المحاكم بصياغة تقارير سنوية متعلقة بنشاطاتها.

كما تقبع التحدّيات الرئيسية التي تواجهها الدول الآن في كيفية موازنة متطلبات الإدارة العامة الجديدة والقيام بالمهام القضائية بشكل دقيق. وإن التركيز التام على مدى الفعالية الذي يستهدف مدى الإنتاجية وإدارة التكاليف والإحصائيات وسياسات التحكّم في الجودة كأولوية لتحسين آلية عمل المحاكم قد يؤدي لعواقب سلبية.

ففي بعض البلاد على سبيل المثال، يُستخدم نظام النقض وإبطال الحكم للتقييم المهني لقضاة المحاكم الابتدائية. وقد يتسبب هذا في وضع ضغط على القضاة، بنفس الشكل الذي قد يكون موجّة بدرجة أكبر لإرضاء محاكم النقض بدلًا من تطبيق القانون بحيادية. ويمكن أن تكون تلك الآليات، التي تشجّع على الامتثال للنظام القضائي، ضارة بالاستقلال القضائي. كما أنه من الممكن أن يكون لسياسات تطوير الجودة الموجّهة نحو أهداف الإنتاجية والفعالية تأثير ضار على بعض القيم الأخرى (مثل الاستقلالية) المهمّة لسلامة سير عمل المحاكم.

وهناك سؤال مهم آخر تم طرحه واكتسب أهمية كبيرة على مدار الأعوام الفائتة هو مصداقية المحاكم. ومن الممكن تعزيز الثقافة القانونية والوصول إلى مفهوم العدالة وثقة الشعب في الهيئة القضائية عبر عرض معلومات شاملة ومفهومة عن إجراءات المحكمة. ويمكن للإجراءات التي تمتاز بمصداقية تحسين مدى معرفة الشعب بالحلول القانونية التي يقدّمها نظام المحاكم، والحقوق الإجرائية البسيطة للأطراف (مثل حق الاستئناف ضد الحكم)، ودور الممثلين المختلفين للعملية القضائية (المحامين، القضاة، وكلاء النيابة والى آخره).

وإن المصداقية تعني أيضًا حرية الاطلاع على القرارات القضائية. ويجب أن يتم إتاحة عدد معقول من الأحكام كي يطّلع عليها عامة الشعب. ففي معظم الدول، يتم نشر الأحكام بشكل دوري في قواعد بيانات مفتوحة لعامة الشعب أو للمحترفين (وتوجد أيضًا في نشرات المحكمة والموقع الإلكتروني مجموعات الأحكام والتعليقات القانونية والى آخره). وعادةً ما يتم نشرها ببيانات مجهولة المصدر لحماية خصوصية الأطراف وكل من هو مشارك بالقضية، بالإضافة لحماية المعلومات والبيانات السرّية. "تختلف سياسات الخصوصية فعليًا من دولة لأخرى: ففي بعض الدول، تُصدر الأحكام القضائية لأطراف النزاع ومحاميهم فقط؛ وفي دول أخرى، تُحد قوانين الخصوصية المُتسعة والمُعارضة التقليدية من الوصول لمعلومات المحكمة. وفي بعض الدول قد يكون الموقف أسوأ حيث إنه ليس لديهم قوانين لخصوصية نشر الأحكام القضائية وترويج المعلومات الخاصة بالمحكمة" (المكتب، 2011، الصفحتان 99 و100). وبعبارات عامة جدًا، فإن مُعاينة الجمهور للأحكام القضائية يمكن أن يؤدي للارتقاء بجودة القرارات القضائية. وإن توافر إمكانية توجيه النقد للأحكام القضائية عن طريق الإعلام أو الأوساط الأكاديمية أو حتى السياسيين لا يُعتبر انتهاكًا لخصوصية القضاء بل بالأحرى يُساهم في علانية العدالة وجعلها موضع نقاش عام.

وقد تقتضي الشفافية أيضًا: إتاحة إمكانية حضور جلسات المحكمة و/أو جلسات الاستماع في المحاكمة فعليًا (وذلك طبقًا للشروط المنصوص عليها في القانون)؛ وتقديم المساعدة عند بدء إجراءات المحاكمة (من خلال تقديم الاستمارات الموحدة والنماذج، وما إلى ذلك)؛ وتسهيل التواصل مع المحامين والوكلاء؛ وإمكانية فحص السجلات والبروتوكولات المُتبعة في جلسات المحكمة، إلى آخره؛ وأيضًا دعوة الصحفيين إلى المؤتمرات الصحفية والنشرات الصحفية المنعقدة حول ما يتعلق بالأحكام القضائية والقضايا رهن المحاكمة؛ وخاصةً تلك القضايا ذات الصلة بالجمهور؛ وتنظيم المؤتمرات الصحفية وعمل ندوات لتشمل القضاة وممثلي المجتمع من أوساط الأعمال التجارية، وما شابه ذلك؛ واتخاذ التدابير الاستباقية والاستراتيجيات الأخرى لتحسين التفاعل بين القضاة والمجتمع الذي يعملون على خدمته (كمثال، ففي بعض الدول، يوفر دليل موظف المحكمة معلومات أساسية عن الإجراءات الجنائية والمدنية. كما أنها تساعد على إرساء علاقة بين المحكمة والمجتمع على نحو فعال وأيضًا إزالة الغموض الذي يكتنف العديد من الجوانب المُعقدة المُحيطة بسريان النظام القانوني) (المكتب، 2011، الصفحات 99 و100؛ المكتب، 2015).

وأخيرًا، تُسهم الزيادة في الشفافية أيضًا في استقامة وكفاءة النظام القضائي وتُقلل من فرص حدوث الفساد.

 

السلوك والانضباط القضائي

وقد حظيت مواضيع السلوك والانضباط القضائي بالاهتمام بشكل خاص في العقود القليلة الماضية. كما جرى إدخال العديد من معايير الأنظمة القضائية الخاصة بالسلوك القضائي لدعم وتقوية استقلالية السلطة القضائية. وتتمثل شروط ضمان استقلالية السلطة القضائية في رصد السلطة القضائية لقوانين السلوك وفرض التدابير التأديبية على من يُخالف هذه القوانين، (قاضي محكمة النقض توماس، 2007). وأيضًا يؤثر السلوك القضائي على مستوى الثقة في المحاكم بشكل عام: نظرًا لممارسة السلطة القضائية "والتي لها تأثيرات كبيرة على كلٍ من الحيوات والثروات" الخاصة بالأشخاص المعنيين، فإن المواطنين "لن يرغبوا بأن توضع هذه السلطة بأيدي من يكن هناك شك في صدقه أو قدرته على تحمل عبء هذه السلطة أو معايير شخصيته" (قاضي محكمة النقض توماس، 2008). وبناءً على ذلك، تخدم معايير السلوك القضائي كل من استقلال القضاة وضمان "كفاءتهم".

كما يرتبط السلوك والانضباط القضائي بشكل واضح وصريح بجوانب أخرى من الإدارة القضائية. وإن الدور الأكبر أو الأقل من الانضباط القضائي مُرتبط، بصورة عامة، بنظام التعيين في السلطة القضائية وجودة التعليم الأولي والمتواصل بالإضافة إلى دقة التقييمات المهنية الدورية (متى توافرت). فعلى سبيل المثال، يصبح الانضباط القضائي ملحوظًا بشكل أكبر في الدول التي تُعين القضاة من صفوف خريجي الحقوق الشباب، بدون خبرات مهنية سابقة (الدول التي تُطبق القانون المدني) عوضًا عن الدول الأخرى التي يتم فيها تعيين القضاة من ضمن المحامين المعروفين بخبرتهم المهنية (الدول التي تطبق القانون العام).

أما في بعض الدول، يتم تعيين القضاة على أساس القوانين المصوغة من خلال شروط مُبهمة، وأحيانًا تُطبق هذه الشروط على الموظفين الحكوميين بصفة عامة. ولقد كانت أنظمة الانضباط تلك موضعًا للانتقاد وذلك لعدة أسباب، من ضمنها حقيقة أن هذه الطريقة تترك مجالًا واسعًا للتقدير. وقد تُمثل السلطات التقديرية الواسعة التي تحظى بها السلطات التأديبية فيما يتعلق بتطبيق المعايير المصوغة في شكل شروط مُبهمة تهديدًا على استقلال القضاء، بقدر ما يمكن إساءة استخدام القوانين لمعاقبة القضاة على توجهاتهم القضائية.

مثال : ايطاليا

في دولة إيطاليا وحتى عام 2006، كان الانضباط القضائي يستند إلى نص مُبهم أتاح للجنة التأديبية للمجلس الأعلى للقضاء استخدام سلطته التقديرية لكي يقرر وقت وكيفية المُعاقبة على سوء السلوك القضائي. وطبقًا لهذا النص، فكان من الممكن فرض عقوبات تأديبية على القضاة "عندما يخفقون في القيام بمهامهم ولم يتصرفوا بشكل صحيح -سواء كان داخل المحكمة أو خارجها- بشكل يجعلهم غير جديرين بالثقة والاحترام اللذين من المفترض أن يتمتعون بهما أو عندما يُعرِضون هيبة السلطة القضائية للخطر". ونظرًا بأن هذا النص كان مُعممًا، أصبح سوء السلوك القضائي أمرًا واقعًا أقرّه قانون السوابق القضائية للجنة التأديبية. واستنادًا إلى عدم وضوح ماهية المخالفات التي قد يُحاسب عليها القاضي (سواء للقضاة أو لعامة الجمهور)، يتعرض القضاة إلى الخضوع إلى التحقيق عن أي تصرف يرتكبونه.

وفي عام 2006، أصدرت دولة إيطاليا قانونًا جديدًا لا يضم فقط قائمة مُفصلة بالمخالفات التأديبية - سواء كان القاضي على المنصة أو نازلًا عنها- بل أيضًا موضَّحًا به أنواع العقوبات التي يتعين فرضها على تلك المخالفات.

وفي دول أخرى، يعتمد الانضباط القضائي -بشكل مختلف- على قوانين ومبادئ توجيهية راسخة للسلوك القضائي. وقد اعتمدت العديد من الدول من كافة أنحاء العالم القوانين الخاصة بالسلوك. ويتعين اعتبار هذه القوانين وثائق حية ومراجعتها بصفة دورية في ضوء التحديات الأخلاقية الناشئة وفعالية هذه القوانين أمام تلك التحديات (المكتب، 2011، الصفحة 134). وقد لعبت القوانين النموذجية دورًا هامًا في التشجيع على الاعتماد على قوانين السلوك القضائي والتي تم صياغتها على الصعيد الدولي كمبادئ بانغالور بشأن سلوك الجهاز القضائي (عام 2002) وقانون أمريكا اللاتينية الخاص بالسلوك القضائي، اللذان يُحددان القيم الأساسية للقانون القضائي والتي تتمثل في: الاستقلال والنزاهة والكرامة والاستقامة والمساواة والكفاءة وأيضًا المثابرة.

ويوجد عدة اختلافات كبيرة بين القوانين تختلف باختلافها بما في ذلك الطبيعة الخاصة التي تُحدد ما إذا كانت المبادئ المتعلقة بالأخلاقيات أو السلوك القضائي مُوضحة، وما إذا كانت في حيز التنفيذ طبقًا للإجراءات التأديبية. فالقوانين الخاصة بالسلوك القضائي لها تأثيرات مهمة على حماية استقلال السلطة القضائية، حيث لا ينقصهما سوى أن يكون لكلاهما طبيعة إرشادية وأن يتضمنا توجيهات مُفصلة ومُلزمة بشكل أفضل. ففي العادة تكون هذه الأحكام ذاتية التنظيم وتكون صادرة عن السلطة القضائية نفسها (أو الأجهزة التي تمثلها) أو من خلال مساهماتها.

وأما القوانين الخاصة بالسلوك القضائي، فهي تعتبر أدوات مهمة ليس فقط للتدريب القضائي وإنما أيضًا لبناء ثقافة مهنية بغرض تحسين التميز في أداء المهنة القضائية وكسب ثقة الجمهور في سير العدالة، وكذلك تقديم المساعدة في المسائل المُتعلقة بالسلوك القضائي، فضلًا عن تشجيع القضاة على التفكير في المشكلات التي قد تظهر سواء في حدود حياتهم المهنية أو خارجها.

وقد اعتمدت بعض الدول القوانين أو المبادئ التوجيهية الخاصة بالسلوك القضائي غير القابلة للإنفاذ على هذا النحو، حيث إن هذه القوانين لها طبيعة إرشادية. وتشير، بصورة عامة، إلى السلوك المتوقع من القضاة، كما أنها توضح أفضل الطرق لممارسة المهام القضائية. وتتمثل الميزة المشتركة لتلك النصوص في أنها غير مُلزمة تأديبيًا؛ ولكنها تتألف من القواعد الأخلاقية والاقتراحات والنصائح والتوصيات والمبادئ التي لا يمكن أن يؤدي انتهاكها في حد ذاته إلى تنفيذ إجراء تأديبي. ونظرًا أن تلك القوانين ليست إلزامية، فتقع المسئولية الأساسية على عاتق القاضي الفردي في تحديد ما إذا كان سلوك أو نشاط معين لائقًا أم لا. كما أن العملية الاستشارية تلعب دورًا هامًا في قبول القضاة للتطوير الذي يطرأ على تلك القوانين. وأما القوانين الخاصة بالسلوك القضائي، فهي تعتبر أدوات مهمة ليس فقط للتدريب القضائي وإنما أيضًا لبناء ثقافة مهنية بغرض تحسين التميز في أداء المهنة القضائية وكسب ثقة الجمهور في سير العدالة، وكذلك تقديم المساعدة في المسائل المُتعلقة بالسلوك القضائي، فضلًا عن تشجيع القضاة على التفكير في المشكلات التي قد تظهر سواء في حدود حياتهم المهنية أو خارجها. وقد اعتمدت بعض الدول القوانين أو المبادئ التوجيهية الخاصة بالسلوك القضائي غير القابلة للإنفاذ على هذا النحو، حيث إن هذه القوانين لها طبيعة إرشادية. وتشير، بصورة عامة، إلى السلوك المتوقع من القضاة، كما أنها توضح أفضل الطرق لممارسة المهام القضائية. وتتمثل الميزة المشتركة لتلك النصوص في أنها غير مُلزمة تأديبيًا؛ ولكنها تتألف من القواعد الأخلاقية والاقتراحات والنصائح والتوصيات والمبادئ التي لا يمكن أن يؤدي انتهاكها في حد ذاته إلى تنفيذ إجراء تأديبي. ونظرًا لأن تلك القوانين ليست إلزامية، فتقع المسئولية الأساسية على عاتق القاضي الفردي في تحديد ما إذا كان سلوك أو نشاط معين لائقًا أم لا. كما أن العملية الاستشارية تلعب دورًا هامًا في قبول القضاة للتطوير الذي يطرأ على تلك القوانين.

مثال : انجلترا و ويلز

في دولتي إنجلترا وويلز، وامتثالًا لمشاورات مكثفة مع السلطة القضائية، قامت مجموعة من القضاة، تشكلت بواسطة مجلس القضاة، بصياغة دليل للسلوك القضائي في عام 2004، الذي يهدف إلى "تقديم المساعدة للقضاة في قضاياهم، بدلًا من فرض قانون مُفصل وإرساء مبادئ يستطيع القضاة من خلالهما اتخاذ القرارات الخاصة بهم وكذلك الحفاظ على استقلالية السلطة القضائية" (المجلس الأعلى، 2008). وبالتالي كانت إحدى أهم مميزات هذا الدليل هي المرونة؛ فالمسئولية والمفهوم العام للمعايير اللتان يتعين على القضاة اتباعهما يتطوران بصورة مستمرة. ولهذا السبب، وبعد نشر الدليل الذي قام مجلس القضاة بصياغته، كُلفت لجنة دائمة بالاحتفاظ بالدليل قيد المراجعة؛ وذلك لمراجعة كل النقاط المبدئية والتي قد لا يُعتد بها في الدليل أو النقاط التي تحتاج إلى مراجعة إلى جانب النظر في كيفية عمل الدليل من الناحية العملية عند تنفيذه. وقد يرى القضاة وجود حاجة إلى تعديله سواء طرأت مشكلة محددة بالفعل أم لا.

وفي جمهورية الفلبين، نشر معهد الإدارة القضائية بجامعة الفلبين القانون الجديد لقواعد السلوك القضائية للقضاء الفلبيني (2004). وفقًا لمبادئ بنغالور، كتب الخبراء المحليين الشروح المتعلقة بستة شرائع لدعم قانون السوابق القضائية المحلي في تنفيذ هذا القانون، بمساعدة قاضي محكمة الاستئناف الفيدرالية الأمريكية في التعديل وكتابة الملاحظات الأخيرة. كما تُقدم التعليقات التوضيحية لعام 2007 دليلًا عمليًا للقضاة يستخدم السوابق القضائية في شرح النصوص المختلفة للقانون.

وفضّلت دول أخرى اللجوء إلى حل مختلف، حيث أدخلت قواعد تأديبية مُفصلة (قواعد مدونة الأحكام التأديبية) مُلزمة للقضاة. وتهدف هذه القواعد في المقام الأول إلى تقليل السلطات التقديرية عند ممارسة الرقابة التأديبية. وتعتبر هذه القواعد بمثابة أدوات أقل مرونة يوافق عليها القانون في بعض الأحيان. كما تساهم القواعد التأديبية المُلزمة المُفصلة بشكل أفضل في ضمان استقلال الجهاز القضائي من وجهتي النظر الآتيتين على الأقل: تجنب استخدام الأساليب التأديبية مع القضاة لأي أسباب تقديرية غير واضحة ودون معرفة للحدث الذي يُعتبر مُخالفة قبل وقوعه والجزاءات التي تترتب عليه؛ إلى جانب وجهة النظر التي تتمثل في تحسين شفافية وفعالية الإجراءات التأديبية عن طريق تخفيض السلطات التقديرية التي تملكها الجهات التأديبية.

وتعتبر حرية التعبير من المواضيع المشتركة المتعلقة بالسلوك القضائي. فهل يمكن لحرية التعبير أو وسائل التواصل الاجتماعي بأن يعيقا استقلال السلطة القضائية؟ وإن حرية التعبير مسألة حساسة بالنسبة للسلطة القضائية؛ ليس فقط لأن القاضي عليه أن يكون مُستقلًا ومحايدًا، ولكن أيضًا لأنه من الواجب عليه أن يظهر على هذا النحو. فالتصريحات غير الملائمة قد تتسبب بسهولة في تشويه صورة استقلال السلطة القضائية في نظر عامة الجمهور. ولهذا السبب، فمن المهم أن يكون القضاة حذرين بشدة وعليهم ممارسة ضبط النفس في علاقتهم مع الإعلام وعند استخدامهم وسائل التواصل الأخرى.

المناقشات الأساسية

كقاعدة عامة، "فإن أعضاء السلطة القضائية لهم الحق في حرية التعبير والإيمان والاشتراك في الجمعيات كباقي المدنيين ولكن بشرط أن يتصرفوا بكفاءة دائمًا، وبسلوك يُحافظ على هيبة منصبهم والتزام الحياد والنزاهة والحفاظ على استقلالية السلطة القضائية عند ممارستهم هذه الحقوق" (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/32 والقرار رقم 40/146 الفقرة 8). كما يلتزم القضاة أيضًا بالسرية المهنية فيما يتعلق بمداولاتهم ومعلوماتهم السرية؛ حيث يجب عليهم ممارسة حقهم في الحصول على معلومات عن المسائل القضائية ذات المصلحة العامة مع مراعاة الحدود المفروضة من استقلال السلطة القضائية.

ولمنع القضاة من المشاركة بشكل مباشر مع الإعلام، "فقد انطوت عدة دول على نهج شامل من خلال إنشائها مكاتب للصحافة والاتصالات أو المتحدثون باسم المحكمة وتحت مسئوليتها وذلك لتسهيل التغطية الإعلامية للإجراءات القضائية. وتقوم هذه المكاتب بالاتصال بممثلي وسائط الإعلام والرد على الصحفيين وإدارة الطلبات المُقدمة منهم وإصدار نشرات صحفية وتزويد الإعلام بمعلومات دقيقة عن الأحكام القضائية والقضايا القانونية بشكل عام. وعلاوة على ذلك، تقدم هذه المكاتب أيضًا الجداول الزمنية للقضايا القادمة وترصد وسائل الإعلام للحصول على تقارير دقيقة، هذا إلى جانب أنها تضع حملات إعلامية تعمل على تعزيز فهم الجمهور للسلطة القضائية" (المكتب، 2015، الفقرة 135).

وبالإضافة إلى تلك التدابير، "قد يُساعد تدريب الصحفيين، الذي تنظمه المحاكم أو يتم تنظيمه بالتعاون معها، في تقليل إعداد التقارير عديمة الفعالية. فهذه التدريبات توفر لهم المعرفة الأساسية عن إجراءات المحاكم والمسائل القانونية؛ وبالتالي ستسهم في تحسين المهارات والأخلاقيات الصحفية وبناء الثقة بين كل من القضاة والصحفيين" (المكتب، 2015، الفقرة 134).

ومن خلال الشبكة العالمية لنزاهة القضاء والتي تشكل عنصرًا من عناصر البرنامج العالمي لتنفيذ إعلان الدوحة، فقد جمع المكتب القضاة معًا من كافة أنحاء العالم، لاستكشاف التحديات والفرص التي تقدمها وسائل الإعلام للممارسة القضائية. وقد شارك القضاة في الآراء التالية بشأن تعقيدات وصعوبات الممارسة القضائية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي :

"إذا كنا نتقدم للأمام، فمن الواضح أن التوجيه والتدريب مطلوبان لتفادي الوقوع في عثرات. ربما تكون مبادئ بنغالور قد وُضعت قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن أي سلوك أو تصرف قد يُرى على أنه غير لائق يمكن تفسيره في عالم وسائل التواصل الاجتماعي. وإننا لن نبتكر معايير جديدة؛ فهي نفس المعايير، ولكنها على هيئة رقمية الآن" نقلًا عن القاضي قاسم زنة، رئيس قضاة ولاية بورنو، نيجيريا، وعضو المجلس الاستشاري للشبكة العالمية لنزاهة القضاء.

كريستي دانيلت، قاضي محكمة الاستئناف في رومانيا، والذي لديه أكثر من 60.000 مُتابع على حسابه في موقع فيسبوك، أنه من المقبول التواصل مع دائرة أوسع من الأشخاص وذلك ما دام القضاة يتبعون نفس المعايير. "فالمواطنون يريدون أن يروا جوانب أكثر احترافًا عندما يبحثون عن قاض على شبكة الإنترنت. فهم ليسوا مهتمين بعائلتي وإنما بخبرتي في القانون. من الجيد أن يكون لديك قانون يحكم السلوك، ولكن في الوقت ذاته يجب علينا احترام جميع القواعد الموجودة لدينا بالفعل قبل ظهور شبكة الإنترنت".

وقالت القاضية فرجينيا كاندل، قاضية محكمة الولايات المتحدة المحلية، والتي تُعتبر مؤيدة قوية للتدريب ومدربة نشطة للقضاة ولموظفي السلطة القضائية لدى إرشادها القضاة حول كيفية استخدام منصات التواصل الاجتماعي المختلفة: "هذا الأمر ليس شيئًا بديهيًا، يجب عليك تدريب القضاة على القوانين الخاصة بسلوكياتهم. فالطبيعة الغادرة لوسائل التواصل الاجتماعي تكمن في أنها ستظل إلى الأبد". (مثال، توضيح كيفية كتابة التغريدات وكيفية وضع علامات الإعجاب وأيضًا كيفية إضافة تعليق) بالإضافة إلى كيفية نسخ المنشورات وتعديلها وإعادة نشرها مرة أخرى.

للمزيد من المعلومات عن موضوع وسائل التواصل الاجتماعي والنزاهة القضائية، راجع المكتب، 2018. وراجع أيضًا :

 

التالي

العودة الى الأعلى