نشرت النسخة الإنجليزية لأول مرة في أيار (مايو) 2018؛ نشرت النسخة العربية في نيسان (أبريل) 2021

المنظور الإقليمي: شرق وجنوب إفريقيا - نشرت النسخة الإنجليزية في نيسان (أبريل) 2020

 

 
هذه الوحدة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين

 

السمات الرئيسية لاتفاقية الجريمة المنظمة

 

تعد اتفاقية الجريمة المنظمة الصك الدولي الرئيسي في مجال مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية. وقد نتج هيكل الاتفاقية وخصائصها بعد مفاوضات نشطة لعدد من الدول المتقدمة والنامية من مختف مناطق العالم. وقد اقتضى هذا التنوع والتعدد في المشاركات طبيعة الجريمة المنظمة عبر الوطنية. حيث أن التصدي لهذه الجريمة يعني لزومًا مواجهة الجماعات الإجرامية التي تسعى إلى أفضل الظروف لعملياتها وتسعى إلى تحقيق الربح من خلال استغلال مخاطر الدول ومنافعها وفرص السوق. ولذلك، فإن الاستراتيجية الناجحة لا يمكن أن تقوم على روابط ضعيفة وإنما تتطلب التزام أكبر عدد ممكن من الدول.

التعريفات ونطاق التطبيق

تمثلت الإشكالية الأولى أمام الدول المشاركة في المفاوضات في صياغة تعريف الجريمة المنظمة عبر الوطنية، حيث أيقنت الدول عدم جدوى وضع تعريف لهذه الجريمة. (Vlassis، 2001) فالاتفاقية - وهي صك دولي ملزم قانونًا للدول التي صدقت عليه – تهدف إلى الاستجابة لاحتياجات العدالة الجنائية الحالية والمستقبلية. ولما كانت الجماعات الإجرامية المنظمة تتكيف باستمرار مع التغيرات على المستويين المحلي والدولي وتحول أنشطتها على أساس تحليل التكلفة والفائدة للفرص غير المشروعة المتاحة. فإن محاولة صياغة قائمة بجميع صور الجريمة المنظمة كان سيحد إلى حد كبير من نطاق تطبيق الاتفاقية. ولذا فقد عمدت الدول الأطراف بدلُا من تحديد الجرائم، إلى تحديد الجهات الفاعلة او الجناة في هذه الجرائم. فعرفت الاتفاقية الجماعة الإجرامية المنظمة، في المادة 2 (أ) من الاتفاقية، والمعالجة بالتفصيل في الوحدة التعليمية الأولى. ولذا نكتفي هنا بالتذكير بأن هذه الجريمة بنيت على أربعة معايير:

  1. جماعة ذات هيكل تنظيمي، مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر؛
  2. موجودة لفترة من الزمن؛
  3. وتعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية؛
  4. من أجل الحصول، بشكل مباشر أو غير مباشر، على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى؛

وأثناء النقاشات في مرحلة المفاوضات حول مفهوم الجريمة الخطيرة، على نحو السابق عرضة في الوحدة التعليمية 1، وإزاء عجز الدول عن الوصول إلى مفهوم موحد لهذه الجريمة. فقد كُلفت الأمانة العامة للأمم المتحدة بإجراء دراسة تحليلية عن مفهوم هذه الجريمة في النظم القانونية الوطنية. وتوصلوا في النهاية إلى تعريفها بأنها "سلوك يمثل جرما يعاقب عليه بالحرمان التام من الحرية لمدة لا تقل عن أربع سنوات أو بعقوبة أشد". (المادة 2 (ب) من اتفاقية الجريمة المنظمة) ومفهوم الجريمة الخطيرة هو مفهوم أساسي لتحديد نطاق تطبيق اتفاقية الجريمة المنظمة. ولكي تكون الاتفاقية قابلة للتطبيق، يجب أن تستوفي الجريمة المحددة التي ترتكبها الجماعة الإجرامية المنظمة المعايير المحددة ويعاقب عليها بالحرمان التام من الحرية لمدة أربع سنوات على الأقل في التشريعات الوطنية. وبعبارة أخرى، يجب أن تكون العقوبة القصوى (مقابل الحد الأدنى للعقوبة) التي ينص عليها القانون بالنسبة للجريمة المحددة أربع سنوات على الأقل. فإذا لم يتم استيفاء هذا الحد، فإن الاتفاقية لا تنطبق حينئذ.

والاتفاقية ملزمة قانونًا، وهو ما يعني أن الدول التي صدقت عليها تعد ملتزمة بأحكامها. وعلى وجه الخصوص، فإن الدول الأطراف في الاتفاقية ملزمة بتجريم أربع جرائم رئيسية: 

1- المشاركة في جماعة إجرامية منظمة (المادة 5)

تعد المادة المتعلقة بالمشاركة في جماعة إجرامية منظمة أحد اهم مواد الاتفاقية وقد تمت صياغتها بعناية فائقة. وبما يتلاءم مع مختلف الأنظمة القانونية القائمة، حيث اشتملت الصياغة على مصطلح “التآمر"، المستخدم في نظم القانون العام ومصطلح "الارتباط الإجرامي"، الذي يستخدم في النظم القانونية اللاتينية. وللمزيد حول مسألة المشاركة في جماعة إجرامية منظمة، يرجى مراجعة الوحدة التعليمية 2.

2- غسل الأموال (المادة 6)

قبل اعتماد اتفاقية الجريمة المنظمة، أدرج تجريم غسل الأموال في اتفاقية فيينا للمخدرات لعام 1988، وبذلك اقتصر الأمر على الجرائم المتعلقة بالمخدرات. وأما اتفاقية الجريمة المنظمة فتتوسع من حيث نطاق تطبيقها لتشمل جميع الجرائم الخطيرة. وللمزيد حول إشكالية غسل الأموال، يرجى مراجعة الوحدة التعليمية 4.

3- الفساد (المادة 8)

كانت مسألة إدراج الفساد في الاتفاقية محلًا لنقاش كبير، لأن الفساد في حد ذاته يعد من المفاهيم الواسعة والمعقدة للغاية. ولكن بالنظر إلى أن الفساد يعد إحدى الطرق التي تستخدمها الجماعات الإجرامية المنظمة للتغلغل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في جميع أنحاء العالم، فقد وافقت الدول في النهاية على إدراج مادة متعلقة بالفساد في الاتفاقية، ولكن دون أن يتم تغطية هذه المسألة على نحو شامل في الاتفاقية. ولذا فقد صدرت لاحقًا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لتكملة الأحكام الواردة باتفاقية الجريمة المنظمة. وقد تم تغطية موضوع الفساد في قسم منفصل من هذه الوحدة التعليمية، بالإضافة إلى كونه موضوعًا لدورة قائمة بذاتها. وللمزيد حول إشكالية الفساد، يرجى الاطلاع على الوحدة التعليمية 4.

4- عرقلة العدالة (المادة 23)

أضيفت هذه المادة لحماية نزاهة إجراءات العدالة الجنائية. وإذ يستحيل تحقيق العدالة دون حماية القضاة أو الموظفون المكلفون بإنفاذ القانون أو الشهود أو الضحايا من الترهيب أو التهديد أو الفساد. وكذلك فإن التعاون على المستويات الوطنية والدولية لن يكون فعالا إذا لم تنعم سلطات التحقيق وإنفاذ القانون بالحماية الكافية للسماح لهم بأداء أدوارهم وتقديم أعمالهم دون عرقلة. وبناء عليه فإن هذه المادة تنطوي على تجريم استخدام القوة الجسدية أو التهديدات أو التخويف في عرض أو وعد أو إعطاء ميزة غير ضرورية لأداء شهادة مزورة، أو التأثير على الشهود، أو تقديم الأدلة. وكما تنطوي كذلك على تجريم استخدام القوة الجسدية أو التهديد أو التخويف للتأثير على القضاة أو سلطات إنفاذ القانون. وللمزيد حول إشكالية عرقلة العدالة، يرجى مراجعة الوحدة التعليمية 2.

حددت المادة 3 من اتفاقية الجريمة المنظمة نطاق تطبيقها بوضوح ليشمل منع الجرائم المذكورة أعلاه والتحقيق فيها وملاحقة مرتكبيها، وكذلك الجرائم الخطيرة. وكما اشتملت المادة على شرطين إضافيين لتحديد نطاق تطبيق الاتفاقية وهما: وجوب أن تكون الجرائم المشمولة ذات طابع عبر وطني وأن تنطوي على جماعة إجرامية منظمة.

وقد عالجت الاتفاقية عنصر "عبر الوطنية" اللصيق بالجريمة بطريقة مثيرة للاهتمام. فبشكل عام، تتمثل الجرائم العابرة للحدود الوطنية في الجرائم المخطط لها أو الموجهة أو المسيطر عليها أو المنفذة أو التي يمتد آثارها عبر الحدود الوطنية.

عنصر عبر الوطنية في اتفاقية الجريمة المنظمة

وفقًا للمادة 3 (2) من اتفاقية الجريمة المنظمة، تكون الجريمة ذات طابع عبر وطني إذا:

(أ) ارتُكب في أكثر من دولة واحدة؛

(ب) ارتُكب في دولة واحدة ولكن جرى جانب كبير من الإعداد أو التخطيط له أو توجيهه أو الإشراف عليه في دولة أخرى؛

(ج) ارتُكب في دولة واحدة، ولكن ضلعت في ارتكابه جماعة إجرامية منظمة تمارس أنشطة إجرامية في أكثر من دولة واحدة؛

(د) ارتُكب في دولة واحدة، ولكن له آثارا شديدة في دولة أخرى.

ومع ذلك، فقد صيغت الاتفاقية بعناية لتجنب الثغرات في التشريعات الوطنية. ولهذا السبب، تنص المادة 34 (2) أنه يتعين على الدول، على الصعيد الوطني، سن التشريعات اللازمة لتحديد الطبيعة عبر الوطنية للجريمة أو كيفية اشتراك جماعة إجرامية منظمة.

السمات الرئيسية والمبتكرة:

تتمثل السمة الرئيسية لاتفاقية الجريمة المنظمة في تركيزها على التعاون الدولي، للمزيد حول هذه المسألة انظر الوحدتين التعليميتين 8 و11. وإن التعاون الشامل والمرن عبر الحدود ضروري لضمان التحقيق ومقاضاة المسؤولين عن الجريمة المنظمة عبر الوطنية. ويتحقق التعاون الدولي في مجال العدالة الجنائية عندما تتبادل الدول المعلومات والمصادر والمحققين والمدعين العامين لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في مكافحة الجماعات الإجرامية المنظمة وأنشطتها الإجرامية. وتحتوي اتفاقية الجريمة المنظمة على مجموعة من التدابير لتيسير هذا التعاون بين الدول الأطراف. وتشمل هذه الإجراءات:

كما تحتوي الاتفاقية على العديد من الأحكام لضمان تطبيقها الفعال، لا سيما، متطلبات التجريم. ويشمل ذلك الأحكام المتعلقة بما يلي:

ويمتد نطاق التعاون الدولي كذلك ليشمل بعض هذه الأحكام. فعلى سبيل المثال، تتضمن المادة 24 التي تعني بمسألة حماية الشهود، حكما يدعو الدول فيما بينها إلى ابرام اتفاقات تتعلق بنقل الشهود. وتجعل هذه الأطر والأحكام الاتفاقية أكثر مرونة واستيعابًا لمجموعة واسعة من الجرائم.

وتكمن أهمية إدراج الأحكام المتعلقة بالتعاون الدولي في معالجة الأنواع المستجدة من الجرائم، مثل جرائم الحياة البرية، والمنتجات الطبية المزورة، والاتجار بالممتلكات الثقافية (لمزيد من التفصيل حول هذه المسائل انظر الوحدة التعليمية 3)، والجرائم الإلكترونية (التي تم تناولها في الوحدة التعليمية 12). ومن ثم فإن الجرائم التي تستوفي معايير الجرائم الخطيرة على النحو المحدد في المادة 2 (ب) – أي تلك التي، يعاقب عليها بالحرمان التام من الحرية لمدة لا تقل عن أربع سنوات – تدخل في نطاق تطبيق أحكام الاتفاقية وتنطبق عليها أحكام التعاون الدولي. وبفضل هذه الأحكام الأساسية، أصبحت الاتفاقية أداة مرنة، وقابلة للتكيف، وقادرة على استيعاب مختلف الأنشطة الإجرامية للجماعات الإجرامية المنظمة.

واستكمالا للأحكام المتعلقة بالتعاون الدولي، تتضمن اتفاقية الجريمة المنظمة أيضا مواد محددة بشأن التعاون التقني، كتلك المتعلقة بتبادل المعلومات (المادة 28)، والتعاون من أجل وضع برامج تدريبية محددة (المادة 29)، وتعزيز التعاون والمساعدات المالية والمادية، لاسيما الموجهة بشكل خاص إلى الدول النامية (المادة 30).

إلى جانب قابليتها للتكيف، تقدم اتفاقية الجريمة المنظمة عدد من السمات الأخرى المثيرة للاهتمام. حيث تمكنت الدول من تضمين بعض العناصر المبتكرة في الاتفاقية، مثل الحكم المتعلق بمنع الجريمة المنظمة. وقد تضمنت هذا الحكم المادة 31 (الوحدة التعليمية 13)، والتي تنقل الجهود المبذولة والمطروحة من المستويات الإقليمية إلى المستويات الدولية. (فلاسيس، 2001) وقد اشتملت الاتفاقية على هذا الحكم لحث الدول على اتخاذ التدابير المناسبة لحماية أسواقها القانونية من براثن الجريمة المنظمة. كما تحث المادة الدول الأطراف بوجه عام على تعزيز وتطوير المعايير والإجراءات المصممة لحماية سلامة الكيانات العامة والخاصة، ومدونات قواعد السلوك للمهن ذات الصلة، وكذلك منع إساءة استخدام الأشخاص الاعتباريين من قبل الجماعات الإجرامية المنظمة.

ومن المسائل الأخرى المثيرة للاهتمام في الاتفاقية، مسائلة مسؤولية الأشخاص الاعتباريين (المادة 10؛ تم معالجتها في الوحدة التعليمية 4). حيث كثيرا ما تُرتكب الجرائم الخطيرة والمنظمة من خلال أو بواسطة الكيانات القانونية الاعتبارية، مثل الشركات أو المنظمات الخيرية. ولذا حرصت اتفاقية الجريمة المنظمة على النص على المسؤولية القانونية للكيانات الاعتبارية لتفادي إفلات هذه الكيانات من المسئولية. وتعد المادة 10 المتعلقة بمسؤولية الأشخاص الاعتباريين بمثابة اعتراف بالدور الذي يمكن أن تضطلع به الشخصيات الاعتبارية في ارتكاب الجريمة المنظمة عبر الوطنية أو تيسيرها. 

 

العودة إلى الأعلى