هذه النميطة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين  

 

الإطار القانوني الدولي

 

إنّ الحق في محاكمة عادلة حق جد أساسي بحيث إنه مدمج في صلب كل الأطر القانونية التي تستند إليها استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، المقدّم لها في النميطتين 3 و4، أي القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، والقانون الجنائي الدولي (بما في ذلك الصكوك العالمية لمكافحة الإرهاب، ومنها مثلاً المادة 17 من الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب)، وقانون اللاجئين/المهاجرين. وينصب التركيز الرئيسي هنا على مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، التي تشكل مقياسا مرجعيا للمعايير المتفق عليها دوليا، وتنير أيضاً مبادئ المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة التي تتبدّى وتتجسّد في صلب أنظمة قانونية أخرى.

والمنطلق في مسار استبانة المعايير والالتزامات المعترف بها دوليا هو المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي ترمي إلى كفالة إقامة العدل على نحو صحيح من خلال ضمان سلسلة من الحقوق المعينة على وجه التحديد. وهذا مستوعب ضمن نص المادة 14 (1)، الذي يبين ما يلي:

لدى الفصل في أية تهمة جزائية تُوجَّه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قِبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون.

وهناك عدد من المبادئ القانونية المصاحبة الأخرى، ومنها خصوصاً هنا:

  • افتراض البراءة (المادة 14 (2)).
  • تكافؤ الوسائل (المادة 14 (3)).
  • الحق في اللجوء إلى محكمة استئناف أعلى لإعادة النظر في قرار إدانته وفي العقاب الذي حُكم به عليه (المادة 14 (5)).
  • الحق في عدم التعرض مجددا للمحاكمة أو العقاب على جريمة سبق أن أُدين بها أو بُرّئ منها (المادة 14 (7)).

وإن احترام هذه المبادئ من جانب كل الأطراف المعنية (ولا سيما الشرطة أو جهات التحقيق الأخرى، والنيابة العامة، والدفاع، والقضاء، وغيرهم من الموظفين العموميين) عامل حاسم الأهمية أثناء مرحلتي التحقيق والمحاكمة على حد سواء من إجراءات الدعوى، إذا ما أريد أن تُعتبر المحاكمة منصفة وأن تكون أي إدانة تنتج عنها سليمة. وعلى سبيل المثال، إن أي تقصير في تزويد الشخص المعني بسبل الوصول الفوري إلى محام يهدد مبدأ الإنصاف الذي تقوم عليه إجراءات الدعوى القضائية على ذلك الشخص في نهاية المطاف. وعلى نحو مماثل، فإن أي تعليقات سابقة للإجراءات القضائية، مثلاً من جانب أعضاء الهيئة القضائية أو غيرهم من الموظفين العموميين تلمح ضمنا إلى أن المتهم مذنب قبل أن يواجه ذلك المتهم المحاكمة، تستدعي التشكك في إنصاف أي إجراءات قضائية تقام في نهاية المطاف. وثمة ملاحظة هامة، وإن لم تُدرس بتفصيل هنا، وهي أن الدول يترتب أيضاً عليها التزام بحماية حقوق الإنسان لا بخصوص الإرهابي المتهم فحسب، بل كذلك فيما يخص الضحايا والشهود أثناء مرحلة التحقيق في قضايا الإرهاب (انظر كذلك النميطة 14).

وثمة عدد من العناصر المقترنة بالحق في محاكمة عادلة، والتي دونت في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، توجد بوصفها التزامات بمقتضى القانون الدولي العرفي، ويُعثر عليها أيضاً في معاهدات دولية أخرى، بما في ذلك المعاهدات التي تحكم أوضاع النـزاعات المسلحة (انظر ما يرد أدناه) (تقرير الجمعية العامة A/63/223، الفقرة 9). ويُذكر بمزيد من التحديد أن هناك عددا من الصكوك العالمية لمكافحة الإرهاب التي تنص صراحة على التقيد بمبادئ المحاكمة العادلة وإرساء سيادة القانون. وعلى سبيل المثال، تقتضي المادة 17 من الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لعام 1999 بأن "تُكفَل لأي شخص يوضع قيد الاحتجاز أو تُتَّخذ بشأنه أي إجراءات أخرى أو تقام عليه الدعوى عملا بهذه الاتفاقية معاملة منصفة وجميع الحقوق والضمانات طبقا لتشريعات الدولة التي يوجد ذلك الشخص في إقليمها ولأحكام القانون الدولي الواجبة التطبيق، بما في ذلك الأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان". وعلى نحو مماثل، تنص المادة 67 (1) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 (نظام روما الأساسي) على متطلبات أساسية بشأن المحاكمة المنصفة. وبمزيد من التحديد تشتمل هذه المتطلبات على ما يلي: افتراض البراءة؛ والحق في عدم تجريم الذات؛ والحق في التواصل مع الممثلين القانونيين بحرية في جو من السرية؛ والحق في لزوم الصمت، دون أن يدخل هذا الصمت في الاعتبار لدى تقرير الذنب أو البراءة؛ والحق في الإدلاء ببيان شفوي أو مكتوب، دون أن يحلف اليمين، دفاعا عن نفسه؛ والحق في ألا يُفرض على المتهم عبء الإثبات أو واجب الدحض على أي نحو. وإن المفعول المجمّع لهذا الإطار الدولي الذي يشمل المعاهدات الدولية والإقليمية مع القواعد المعيارية العرفية يعني أنه لا يمكن لأي دولة أن تدعي بأن ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة المقترنة بالحق في محاكمة منصفة لا تسري ضمن ولايتها القضائية.

وثمة خاصية أخرى ذات دلالة يتميز بها الحق في محاكمة عادلة، وهي أن هذا الحق مع أنه يُعدّ تقنيا حقاً قابلا للاستثناء بمقتضى المادة 4 (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فهو يعتبر في الممارسة العملية حقاً غير قابل للاستثناء في الحالات التي يؤدي فيها ذلك إلى عدم حماية حقوق غير قابلة للاستثناء. وفي الأحوال التي يسمح فيها بالاستثناء بمقتضى المادة 4، فلا بد مع ذلك من التقيد بالمقتضيات الجوهرية للمحاكمة المنصفة، ولا سيما مبادئ الشرعية وسيادة القانون. ومن حيث ما يعنيه هذا في الممارسة العملية، فإن لجنة حقوق الإنسان بيَّنت بتفصيل المقتضيات الدنيا التالية الواجب تطبيقها أثناء حالات الطوارئ: فلا يجوز أن يُحاكم ويُدان أي شخص على ارتكاب جُرم جنائي إلا أمام محكمة قانونية، ويجب أن يُحترم دائماً مبدأ افتراض البراءة؛ ويجب عدم الانتقاص، على سبيل الاستثناء، أياً كان، من أحكام العهد، من الحق في مباشرة إجراءات دعوى أمام محكمة لكي تبت دونما إبطاء بشأن قانونية احتجاز ذلك الشخص (التعليق العام رقم 29، CCPR/C/21/Rev.1/Add.11، الفقرة 16؛ والتعليق العام رقم 32، CCPR/C/GC/32، الفقرتان 6 و59). وعلاوة على ذلك، إذا ما أمكن أن تؤدي المحاكمة إلى فرض عقوبة الإعدام، فلا يمكن إجراء أي استثناء من أي ضمانات خاصة بالمحاكمة العادلة. كما إن إحدى السمات المميزة في الميثاق العربي لحقوق الإنسان (الذي اعتُمد في 22 أيار/مايو 2004، ودخل حيز النفاذ في 15 آذار/مارس 2008) تتمثل في أنه يشمل صراحة الحق في محاكمة عادلة ضمن الحقوق التي لا يمكن الاستثناء منها "في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تهدد حياة الأمة".

المبادئ والمبادئ التوجيهية الناظمة للحق في محاكمة عادلة

في عام 2014، أعدّ الفريق العامل المعني بحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، التابع لفرقة العمل المعنية بالتنفيذ في مجال مكافحة الإرهاب (CTITF)، اثني عشر مبدأ من المبادئ والمبادئ التوجيهية الناظمة للحق في محاكمة عادلة (محاكمة منصفة) والإجراءات القانونية الواجبة في سياق مكافحة الإرهاب.* وفي حين أنَّ هذه المبادئ والتوجيهات لا تحل محل أي مجموعة محددة من الأحكام التعاهدية الملزمة قانوناً أو التزامات القانون الدولي العرفي ولا تبيِّنها بتفصيل، فهي مع ذلك توفر منطلقاً مفيداً لاستبانة جوهر الحقوق الأساسية في المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة للأشخاص المتهمين بارتكاب أعمال إرهابية.

1-  بصرف النظر عن الجنسية أو انعدام الجنسية، أو أيّ وضع آخر، يجب أن تتاح لجميع الأفراد سبل فعالة للوصول إلى العدالة.

2-  يجب أن تقرِّر التهم الجنائية لأي شخص، أو حقوقه وواجباته في دعوى قانونية، هيئةٌ قضائية مختصة مستقلة محايدة (غير منحازة) منشأة بموجب القانون. كما إن محاكمة أي شخص أمام محكمة عسكرية أو خاصة يجب أن تمتثل لمعايير حقوق الإنسان من جميع النواحي، بما في ذلك الضمانات القانونية بشأن أداء هذه المحاكم وظيفتها باستقلال ونزاهة.

3-  يشتمل الحقُ في محاكمة عادلة الحق في عقد جلسات استماع علنية. وإن أي تقييدات تُفرض على الطابع العلني للمحاكمة، بما في ذلك حماية الأمن الوطني، لابد من أن تكون ضرورية ومناسبة معاً، بحسب تقديرها في حالة كل قضية على حدة. كما ينبغي أن تكون أي تقييدات من هذا النحو مصحوبة بآليات وافية بالغرض للإشراف أو المراجعة بغية ضمان الإنصاف في الاستماع للدعاوى.

4-  لكل شخص متهم بجُرم جنائي الحق في افتراض براءته إلى حين إثبات كونه مذنبا، وفقاً للقانون.

5-  لا يجوز إجبار أي شخص متهم بجرم جنائي على الإدلاء بشهادة تُدينه أو على الاعتراف بأنه مذنب.

6-  يستلزم ضمناً الحق في مرافعة منصفة، في إجراءات الدعاوى الجنائية وغير الجنائية على حد سواء، الحقَ في المحاكمة "دونما إبطاء" أو "ضمن فترة زمنية معقولة". ويشمل الحقُ في المرافعة في الوقت المناسب الحقَ في إصدار الحكم في الوقت المناسب.

7-  لكل شخص متهم بجُرم جنائي، بما في ذلك الجُرم الإرهابي، الحق في محاكمته حضوريا، وأما المحاكمة غيابياً فينبغي ألاّ تحدث إلاّ في ظروف استثنائية، وإلاّ إذا تم القيام بجميع الخطوات الواجبة لإعلام المتهم بالإجراءات القانونية مسبقاً بوقت كاف.

8-  لكل شخص الحق في أن يمثله مستشار قانوني مستقل يختاره هو، أو أن يمثل نفسه بنفسه. ويسري الحق في التمثيل بواسطة مستشار قانوني على جميع مراحل الدعوى الجنائية، بما في ذلك مرحلة ما قبل المحاكمة. وإنَّ أي تقييدات تُفرض على الحق في التواصل وفي جو من الخصوصية والسرية والثقة مع المستشار القانوني يجب أن تكون لأغراض مشروعة، ويجب أن تكون متناسبة، ولا يجوز أبداً أن تنتقص من الحق الكلي في النظر المنصف في الدعوى.

9-  في إجراءات الدعاوى الجنائية وغيرها من الإجراءات القضائية التي تباشرها الدولة، يكون لكل شخص الحق في أن يُتاح له وقت كاف ومرافق وافية لإعداد دفاعه في قضيته. وكذلك في إجراءات الدعاوى الجنائية، يجب على الادعاء أن يكشف أي مواد ذات صلة بالموضوع تكون في حيازته، أو قد يكون وصل إليها، بما في ذلك المواد المبرِّئة من التهمة. وأما التقييدات التي تُفرض على كشف المعلومات فيجوز تسويغها في حالات معينة فحسب، ورهناً بالشروط التي تضمن على نحو كاف حق الشخص في الرد على القضية.

10-  يكون لكل شخص الحق في استدعاء الشهود واستجوابهم، بما في ذلك الشهود الخبراء. ويجب تقييد اللجوء إلى الشهود المغفلي الهوية بالقضايا التي يلزم فيها منع تخويف الشهود، أو حماية خصوصيتهم أو أمنهم؛ ويجب أن يكون ذلك مصحوبا بضمانات كافية لكفالة إجراء محاكمة تتميز بالإنصاف.

11-  يكون لأي شخص يُدان بارتكاب جُرم إرهابي الحق في التماس إعادة نظر حقيقية للإدانة أو الحكم أو كليهما لدى هيئة قضائية أعلى منشأة بموجب القانون.

12-  يجب أن يؤدي أي انتهاك للحقوق في المحاكمة العادلة إلى توفير تدابير انتصافية فعّالة للشخص الذي انتُهكت حقوقه. كما يجب تقديم تعويض في الأحوال التي تكون فيها الإدانة قد نتجت عن إساءة تطبيق أحكام العدالة.

* فرقة العمل المعنية بالتنفيذ في مجال مكافحة الإرهاب (CTITF) (2014). الدليل المرجعي الأساسي لحقوق الإنسان: الحق في محاكمة عادلة والإجراءات القانونية الواجبة في سياق مكافحة الإرهاب. ( Basic Human Rights Reference Guide: Fair Trial and Due Process in the Context of Countering Terrorism .) نيويورك: سلسلة منشورات فرقة العمل، الأمم المتحدة.
 

الرجوع إلى البداية