هذه الوحدة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين

 

القيود التي يجيزها قانون حقوق الإنسان

 

لا تتمتع جميع مبادئ حقوق الإنسان بنفس مستوى الحماية. وبدلاً من ذلك، يمكن أن يكون لها خصائص قانونية مختلفة، سواء كانت ذات طبيعة مطلقة أو غير مطلقة أو لها قيود متأصلة.

وبعض حقوق الإنسان الأساسية هي "مطلقة". وتشمل هذه الحقوق حظر التعذيب والعبودية والقوانين الجنائية بأثر رجعي. ويعني الطابع المطلق لهذه الحقوق أنه لا يجوز تقييد هذه الحقوق من خلال الموازنة بين التمتع بها وبين السعي وراء هدف مشروع. فعلى سبيل المثال، تنص المادة 2 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على أنه "[لا] يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديداً بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب". وبالمثل، رداً على ممارسات بعض الدول، صرحت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بأنه "لا تخضع الأحكام التي تحظر أخذ الرهائن أو أعمال الخطف أو الاحتجاز في أماكن لا يُعلن عنها لعدم التقيد. والطبيعة المطلقة لهذا الحظر، حتى في أوقات الطوارئ، تبررها وضعية هذه القواعد باعتبارها من قواعد القانون الدولي العام" (اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم CCPR/C/21/Rev.1/Add.11، الفقرة 13 (ب)).

ومع ذلك، فإن معظم الحقوق ليست ذات طابع مطلق. ويمكن للدول أن تحد من ممارسة هذه الحقوق لأسباب وجيهة، بما في ذلك احتياجات لمكافحة الإرهاب، طالما أنها تحترم عددًا من الشروط.

وفي حالة بعض الحقوق، فإن شروط القيود المشروعة موضحة في أحكام المعاهدة التي تكرس هذا الحق. ومن الأمثلة على ذلك الحق في حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع وحرية التنقل ومتطلبات الإعلان عن جلسات المحكمة. ويصاحب هذه الحقوق أسباب مختلفة، مثل الأمن القومي أو النظام العام، بالإضافة إلى الشروط التي يجب استيفاؤها من أجل تقييدها بشكل مشروع. وتجدر الإشارة إلى أن القيود المنصوص عليها في النص، كما هو الحال في المادتين 18 (3) و19 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، موجودة ويمكن الاعتماد عليها بشكل مستقل عن أي إعلان لدولة ما لحالة طوارئ. والواقع أنه حتى في أوقات الطوارئ العامة كما هو مفهوم في المادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الموضح أدناه، قد تختار الدول الاعتماد على هذه القيود بدلاً من السعي إلى عدم التقيد.

وفي حالة بعض الحقوق الأخرى، يقتصر حكم معاهدة حقوق الإنسان على أنه لا يجوز التدخل في هذا الحق "بشكل تعسفي". فعلى سبيل المثال، حالة المادة 9، التي تشترط ألا يكون الحرمان من الحرية تعسفياً (تم مناقشتها تفصيلياً في الوحدة التعليمية 10). ولا يجب مساواة بين مفهوم "التعسف" و"ضد القانون"، ولكن يجب تفسيره على نطاق أوسع ليشمل عناصر عدم الملاءمة والظلم وانعدام القدرة على التنبؤ ومراعاة الأصول القانونية.

شروط التقييد المشروع للحقوق غير المطلقة دون استثناء

على أسس أحكام مثل المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تحمي الحق في حرية التعبير (تشمل الأمثلة الأخرى المواد 18 و21 و22)، طورت محاكم حقوق الإنسان والهيئات المنشأة بمعاهدات اختباراً لإنشاء ما إذا كان التدبير الذي يحد من الحق غير المطلق مشروعاً. ويجب طرح الأسئلة التالية:

  • هل هناك أساس قانوني للتدبير يقيد الحق؟
  • هل يقتصر تقييد الحق على هدف مشروع مثل احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، وحماية الأمن القومي، والحفاظ على النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة؟
  • إذا كان الأمر كذلك، هل القيد ضروري لتحقيق الهدف المشروع، وهل يتناسب مدى الحد في السعي وراء الهدف المشروع المحدد؟ وإن وجود الضمانات الإجرائية وفعاليتها سيكونان جانباً رئيسياً في التقييم فيما إذا كان تحديد الحق متناسباً.
  • هل يحترم التقييد مبدأ المساواة؟ وهل هو غير تمييزي؟ التدابير التي تحد من الحقوق بطريقة تمييزية ستفشل في اختبار التناسب. ولذلك، تعتبر مسألة التمييز بشكل عام أحد جوانب اختبار الضرورة والتناسب.

وتقييد الحق غير المطلق مسموح به بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان فقط إذا كان بالإمكان الإجابة على جميع هذه الأسئلة بالإيجاب في حالة معينة.

ولاحظ أن هذا الاختبار تم تطويره لفحص جواز التدابير التي تتدخل في الحقوق التي تسمح صراحة بالقيود وتوضيح الأهداف المشروعة التي تبرر القيود (مثل المادتين 18 (3) و19 (3)). ومع ذلك، يتم استخدام منطق مشابه جداً في الواقع لتقييم ما إذا كانت التدابير التي تحد من الحقوق غير المطلقة الأخرى مسموح بها. ومن الأمثلة على ذلك أن الاحتجاز سيعتبر تعسفياً ليس فقط إذا كان خالياً من أساس قانوني، ولكن أيضاً إذا كان تمييزياً أو غير متناسب تماماً مع الهدف المشروع المراد تحقيقه. (انظر، على سبيل المثال، لجنة حقوق الإنسان (1994). (آراء: موكونغ ضد الكاميرون. 10 آب/أغسطس. البلاغ رقم 458/1991).

وأخيراً، تخضع بعض الحقوق لما يمكن تسميته بالقيود "المتأصلة". ومن الأمثلة على ذلك حق المتهم في قضية جنائية في أن يحاكم دون "تأخير لا مبرر له". والتأخير المعقول يتم تقييمه في ظروف كل حالة، مع الأخذ في الاعتبار مدى تعقيد القضية (التي قد تكون كبيرة في قضايا الإرهاب)، وسلوك المتهم، والطريقة التي تم بها معالجة الأمر من قبل سلطات التحقيق والقضاء. ولم يتم توضيح هذه القيود في نصوص معاهدات حقوق الإنسان، بل تم تطويرها من قبل المحاكم الوطنية والدولية وغيرها من هيئات مراقبة المعاهدات التي تطبق معايير حقوق الإنسان على قضايا محددة معروضة عليها.

 
التالي
العودة إلى الأعلى