هذه الوحدة التعليمية هي مورد مرجعي للمحاضرين  
 
 الموضوع الأول - الاستقلال القضائي
 

القضايا العامة : استقلالية القضاء كقيمة أساسية لسيادة القانون وللسيادة الدستورية

 

 يوضح هذا القسم الدور الحاسم للسلطة القضائية في المجتمع، وأهمية استقلالية القضاء كشرط مسبق ضروري للقضاة الذين يؤدون وظائفهم بشكل صحيح. كما يذكر بعض المفاهيم المهمة التي تتعلق باستقلالية القضاء، مثل الشرعية القضائية، والثقة العامة، والكفاءة، والمساءلة.

 

دور القضاء في المجتمع

ما هو دور القضاء في المجتمع وفي العدالة ؟ وماذا يسعى الأفراد ويتوقعون من النظام القضائي؟ وكيف يخدم القضاء المجتمع ؟ 

يركز هذا القسم على دور القضاة واستقلالية القضاء، بينما سيتم تناول دور المدعين العامين بشكل خاص في الموضوع الثاني.

ويلعب القضاء دورًا أساسيًا من أجل المجتمع ومن أجل الحفاظ على النظام الاجتماعي. في الواقع، إن وظيفة القضاء الأساسية هي حل النزاعات من خلال تطبيق المعايير الموجودة مسبقًا، أو في بعض القضايا السابقة، التي صدرت بإجراءات شرعية مُعترف بها من قِبل النظام السياسي. وبخصوص الفصل في النزاعات، يخضع القضاة للقانون، مما يعني أن قراراتهم تستند إلى تطبيق القانون الصادر عن البرلمان، و/أو من مصادر مشروعة أخرى ينص عليها النظام السياسي. وبناءً عليه، فإن القانون هو نتاج المجتمع ويعكس نظريًا توقعات المجتمع. ولهذه الأسباب، يمكن اعتبار القرارات القضائية نتاج المجتمع بأسره.

ومع ذلك، فإن دور السلطة القضائية وإقامة العدل أكثر تعقيدا، ويستجيب للاحتياجات الاجتماعية الأوسع نطاقا. ولذلك، يرتبط النهج التاريخي لتطوير الوظيفة القضائية بفهم تعقيد السلطة القضائية المعاصرة.

واتسم القرن الماضي بتوسع "كمي ونوعي" للسلطة القضائية، مما زاد بشكل كبير من الصلة "السياسية" للسلطة القضائية (فريدمان، 1985 - كابيليتي، 1989 - تيت وفالندر، 1995 - راسل وأوبريان، 2001). ومن ناحية أخرى، فقد وسع القضاء بشكل كبير نطاقه القضائي. وقد أدى نشر التشريعات التي تحمي مجموعة واسعة من المصالح الاجتماعية والاقتصادية إلى خلق فُرص متزايدة باستمرار للمواطنين للجوء إلى القضاة لحماية حقوقهم (في مسائل مثل حقوق الإنسان، والصحة، والضمان الاجتماعي، والتعليم، والعمل، والأسرة، والعلاقات التجارية، وحقوق العميل). والواقع أن المحاكم قد عُهد إليها، وبشكل متزايد، مسائل أساسية وحيوية، تتعلق بكل جانب تقريباً من جوانب المساعي الإنسانية وهيكل المجتمع. "وازداد عبء عمل المحكمة بشكل كبير، وأصبح عمل القضاة أكثر تعقيدًا بكثير، مما كان له تأثير قوي على عدد من القضايا الحاسمة، التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على البيئة الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية" (داي فيديريكو، 2008 أ).

ومن بين أسباب ذلك: توسيع القانون، و"تحكيم السياسة" (أي توسيع عملية صنع القرار القضائي في الساحات السياسية، على حساب السياسيين و/أو الإداريين)، والتعقيد غير العادي للتقاضي الحديث، وزيادة فعالية دور القضاة، والتفاعل بين النظم القانونية الوطنية والدولية (فريدمان، 1985 - كابيليتي، 1989 - تيت وفالندر، 1995 - راسل وأوبريان، 2001). ويعد  إدخال المراجعة الدستورية للتشريع في معظم الدول الدستورية سبب آخر مهم يستحق الاهتمام. وتختلف أشكال المراجعة الدستورية ونطاقها وعملها اختلافًا كبيرًا بين الولايات، وكذلك السلطة المختصة (المحاكم العادية أو المحاكم الدستورية، حيث تشكل هذه المحاكم نظامين قضائيين متميزين) (جارنياري وبيدرزولي، صفحة 134). ولكن في جميع الحالات، عززت المراجعة الدستورية بشكل كبير الدور السياسي للسلطة القضائية. وفي الواقع، يمكن للقضاة إما مراجعة القوانين التي يقرها البرلمان مباشرة، أو مؤسسة الأغلبية (مُراجعة شاملة)، أو في حالة إنشاء محاكم دستورية محددة، وتنظيم الوصول إلى المحاكم الدستورية، عن طريق اختيار القضايا التي تُعرض عليها (مراجعة مركزية).

ومن ناحية أخرى، فقد تم التركيز بشكل أكبر على الطابع الإبداعي للوظيفة القضائية، فبعيدًا عن كونه نشاطًا بسيطًا لتطبيق القانون على قضية محددة (كما هو موضح تقليديًا من قبل نظرية مونتسكيو)، فإن السلطة القضائية للقاضي تتمتع بطابع إبداعي جوهري، حيث أن هناك قدر من الإبداع والقدرة التقديرية المتأصلة في أي نوع من أنواع التفسير، سواء من السوابق القضائية أو القانون (كابيليتي، 1989). وبالتالي، يمكن اعتبار القضاة فاعلين سياسيين، إلى حد ما، بسبب النطاق التقديري لصنع قراراتهم.

وقد أدى توسيع السلطة القضائية إلى زيادة صلة الوظائف التي تُسند إلى المجتمع. وفقًا للتعليق على مبادئ بنغالور، فإن الحرية والسلام والنظام والحكم الرشيد - السلع الأساسية للمجتمع - تعتمد في التحليل النهائي على الأداء الأمين للواجب القضائي (2007، الفقرتان 15 و32). وفي العديد من المناسبات، يُطلب من القضاة أيضًا معالجة القضايا الواسعة للقيم الاجتماعية والقضايا الأخلاقية المثيرة للجدل، والقيام بذلك في مجتمعات تعددية بشكل متزايد. وبفضل الإجراءات القضائية، أصبحت حماية الحقوق الأساسية حقيقة واقعة في العديد من البلدان، حيث تُسهم القرارات القضائية والسوابق القضائية أيضًا في تطوير الثقافة القانونية فيما يتعلق بالحدود والتحديات الجديدة.

وبالإضافة إلى ما سبق، يلعب القضاة دورًا أساسيًا في تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلد. فالسلطة القضائية، في الواقع، "هى لبنة أساسية للسلام المستدام" (إعلان الأمم المتحدة للاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة بشأن سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي، 2012، الفقرات 11 و13 و18) كما أن لها وظائف هامة في منع والتخفيف من حدة النزاعات والجرائم والعنف، والتي تشكل حواجز رئيسية أمام التنمية. ومثال على ذلك: البلدان النامية، كما ورد في تقرير التنمية في العالم: "للسيطرة على العنف أقوى صلة بالنمو الاقتصادي، ويعد القضاء أمرًا حاسمًا في هذا الصدد، من حيث توفير كل من العمليات المشروعة لتسوية المظالم التي – على الرغم من ذلك- قد ؤدي إلى الصراع، وتثبيط للجريمة والعنف" (البنك الدولي، 2011). كما يعمل القضاء أيضًا على تعزيز نمو القطاع الخاص بما يتوافق مع الأطر القانونية والتنظيمية: فهو يفرض القواعد التي تحكم المعاملات التجارية، ويلعب دورًا مركزيًا في تحديد كيفية توزيع تكاليف ومزايا أنشطة القطاع الخاص.

ولكي تكون المحاكم فعالة في تحقيق العدالة، يجب أن يثق عامة الناس بقدرتهم على القيام بذلك. وبالتالي ينطوي هذا على بعض الأسئلة الهامة المتعلقة بشرعية القضاة وثقة الجمهور، والمساءلة القضائية، وإدارة العدالة بكفاءة، وهي شروط أساسية للقضاة؛ لخدمة المجتمع بفعالية وكفاءة.

ويجب أن يتمتع القضاء بتوافق الآراء والثقة العامة، ويجب أن يضفي المجتمع الشرعية على سلطته ويقبلها. بما أن القضاة، في معظم البلدان، ليسوا منتخبين ديمقراطياً، يجب عليهم أن يستمدوا سلطتهم وشرعيتهم من مصادر أخرى. والسؤال الرئيسي هو: من أين تستمد سلطة القضاة ؟   

كما تعتمد الشرعية القضائية بشدة، بشكل واضح، على كون القضاة محايدين ومستقلين في الدور القضائي. ومن خلال ممارسة الوظيفة القضائية بطريقة مستقلة ومحايدة ومهنية فقط، يمكن للقضاة الحصول على توافق آراء الأطراف وعامة الناس وتبرير سلطتهم. وكما تم التأكيد عليه في مبادئ بنغالور للسلوك القضائي (2002) ومبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية (قرار الجمعية العامة 40/32 و40/146، يكتسب كُل من استقلاليتهم وحيادهم ومهنيتهم ​​أهمية كبيرة لقبول قراراتهم (شابيرو، 1981، الصفحة 8). وبعبارة أخرى، "إذا كان الناس يعتقدون أن المحاكم عادة ما تكون عادلة، وأن قراراتهم تحترم من قبل الآخرين؛ فإنهم سيقبلون المحاكم كمؤسسات شرعية ويكرهون العبث بها" (سولومون، 2004، الصفحة 249).

وعلاوة على ما سبق، فإنه يبدو أن موافقة الشعب مهمة، ليس فقط لشرعية الدور القضائي؛ ولكن أيضًا لدعم ثقة الجمهور في المؤسسات القضائية، وبالتالي في المؤسسات السياسية بشكل عام. كما تظهر العديد من التقارير والدراسات الاستقصائية (انظر على سبيل المثال: تقرير التنافسية العالمية، المنتدى الاقتصادي العالمي، 2013)، يرتبط مستوى الثقة في المؤسسات القضائية باستقلالية وحياد وكفاءة الأنظمة القضائية. كلما زادت استقلالية المحاكم، زادت الثقة في المؤسسات القضائية.

وكذلك فإن ثقة الجمهور تساهم في القيم والسلوكيات الاجتماعية والثقافية القانونية: إذا كان الناس يثقون في المحاكم ويعتقدون أن محاولات التأثير على القضاة نادرة وشاذة، فإنهم أقل احتمالًا لإجراء مثل هذه المحاولات. لذلك، فإن قوة الموانع في المجتمع ضد محاولة التأثير على مسار الفصل القضائي تعتمد أيضًا على مدى احترام القضاة واعتبارهم مستقلين (سولومون، 2004، الصفحة 249).

وينص دليل التنفيذ والإطار التقييمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (المكتب) بشأن المادة 11 على أنه "ينبغي بالتالي أن تشكل الجهود الرامية إلى تعزيز الثقة العامة والثقة في القضاء، جزءًا من استراتيجية شاملة على نطاق المنظومة تهدف إلى تصحيح التصورات العامة السلبية والقضاء على أوجه القصور التي تؤدي إلى مثل هذه التصورات العامة. غالبًا ما يتم تحديد المفاهيم العامة للنظام القضائي مسبقًا من خلال التجارب الشخصية لمستخدمي المحاكم. لذلك، كلما كان القضاء على علم أكبر بالاحتياجات والرغبات العامة، كلما زادت قدرته على الاستجابة لها" (المكتب، 2015، الفقرة 131).

ولا تضمن استقلالية القضاة شرعية الدور القضائي فحسب، بل تضمنها عدالة العملية القضائية، أي عملية صنع القرار فهناك ظلم متأصل، على سبيل المثال: في إخضاع الفرد لقرار/قرارات القاضي الذي يتأثر بالضغوط السياسية أو الفساد، والذي له مصلحة شخصية في القضية، أو لا يعامل جميع الأطراف على قدم المساواة.  

تحدد المؤلفات الأكاديمية السمات الجوهرية التي تميز الإجراءات القضائية عن السلطات التشريعية والإدارية :

  • لا تشرع المحكمة في العملية القضائية من تلقاء نفسها، ولكنها تحتاج إلى مدعي (على سبيل المثال: طرف خاص أو مدعي عام).
  • السماح للطرف الآخر: يتم إعطاء جميع الأطراف فرصة عادلة ليتم سماعهم من قبل قاضٍ محايد، سواء شخصيًا أو عن طريق ممثليهم.
  • يجب أن يهتم القاضي بقضيته الخاصة فقط: لا يمكن للقاضي أن تكون له منفعة شخصية في القضية، ويجب ألا يكون عرضة للضغط من قبل الأطراف (كبلليتي، 1989، الصفحة31، تايت وفالندر، 2005).

وتميز هذه الخصائص الإجراءات القضائية من التدابير التشريعية والإدارية، فيمكن للمشرعين والمسؤولين المشاركة، حتى مع وجود المصالح الحزبية في المسائل التي ينظمون فيها، بالإضافة إلى أنه يمكنهم تمثيل الأشخاص والمجموعات والعمل لصالحهم دون أن يكون عليهم الالتزام بالمصالح أو المجموعات المقابلة (حتى وإن كانوا يأخذون المصالح المتضاربة قيد الاعتبار)، فيمكن أن يبادروا بالإجراءات التشريعية والإدارية دون انتظار توقيع الشخص المعني (كبلليتي، 1989، الصفحة 31).

كما تشمل العملية القضائية الضمانات التالية: واجب القاضي في إبداء أسباب القرارات القضائية، وحق الأطراف في عملية عادلة ومنصفة بما يتماشى مع معايير المجتمع، والحفاظ على حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية المتساوية، وحقوق الأطراف في التشاور والتمثيل بمحام أو بأشخاص مؤهلين آخرين، وحقوق المترجم الشفهي، والحق في اتخاذ قرار دون تأخير لا مبرر له. وفي النهاية، قد تم تحديد معظم هذه على أنها الضمانات الدنيا لمحاكمة عادلة.

وإن السلطة التي تتمتع بها السلطة القضائية ترجع أيضاً جزئياً إلى حقيقة مفادها أن الأفراد الذين يمثلون أمام المحكمة ليسوا من الجهات الفاعلة التي تتمتع بالصلاحية في هذه البيئات (بل إنهم في كثير من الأحيان لا يعرفون ماذا ينبغي لهم أن يتوقعوا فيما يتعلق بالعملية القضائية والقرارات القضائية). وتؤكد ديناميكية السلطة هذه على أهمية الدور القضائي والنزاهة القضائية، لكنها تؤكد أيضاً على أهمية المحامين باعتبارهم "أولياء" إضافيين للمحاكمة العادلة، فإن الواجب الرئيسي للمحامين يتلخص في تقديم المشورة، والمساعدة، وتقديم الدعم للأطراف في المحاكم لحماية حقوقهم ومصالحهم، ولكن أيضاً الإسهام في الأداء الصحيح لإدارة العدالة وتعزيز ثقافة الشرعية في المجتمع (وبهذا المعنى فإن المحامين أيضاً لديهم وظيفة "الاجتماعية").

وينبغي استكمال استقلال السلطة القضائية بوسائل تكفل امتثال القضاة، والسلطة القضائية ككل للمبدأ الديمقراطي الاجتماعي المتعلق بالمسائلة، ففي المجتمع الديمقراطي تظل كل مؤسسة خاضعة للمساءلة وكما أكد بعض الباحثين، فإذا كانت الديمقراطية تعمل بشكل جيد، فلا توجد مؤسسة مستقلة حقًا (فريدمان، 2004، الصفحة 99، كبلليتي، 1989).

وحتى إذا كان القضاة مستقلين، فإنهم بحاجة إلى أن يكونوا مسؤولين أمام المجتمع عن طريق إجراءات شفافة، والواقع أن فكرة كون القضاة ينبغي أن يكونوا مستقلين لا تعني أن لهم حرية تقرير الأمور بناءً على رغباتهم دون الحاجة إلى تبرير أو مساءلة، بل إن "الالتزام باستقلال القضاء متوافق تمامًا، على الأقل من الناحية المجردة، مع الالتزام بالمساءلة القضائية - أي مع الآليات التي يمكن أن تكفل أن يكون القضاة، الذين لا تأثير لهم، مسترشدين في الواقع باعتبارات مناسبة في التوصل إلى قرارات" (فانبرغ، 2008)، كما يثير انعدام المساءلة بوجه عام القلق من حيث الفصل بين السلطات: "قد يكون للهيئة القضائية، بوصفها هيئة من هيئات الشركات، سيطرة مفرطة على تشكيلها، أو خلق طبقة حماية ذاتية، أو سلطة مفرطة في تفسير القانون، وإعادة تشكيل الإطار القانوني وفقاً للقيم والآراء التي لا يتقاسمها الجمهور، ولا مع الفروع الأخرى للحكومة" (هاك، 2004، الصفحة9). وفي الواقع، يمكن للجهود الرامية إلى زيادة استقلال القضاء أن تتعارض عمليًا مع محاولات ضمان المساءلة القضائية، ويجب تحقيق توازن جيد وتأمينه وهذه ليست بالطبع مهمة سهلة.

وأخيرًا، تواجه المؤسسات المعاصرة، بما فيها المؤسسات القضائية، بصورة متزايدة مشاكل تتعلق بأداء هذه المؤسسات لمهامها بكفاءة، وتحديث خدماتها ومع تزايد عدد القضايا المعروضة على المحاكم، فتواجه عدة بلدان مسألة كيفية ضمان و/أو تعزيز كفاءة نظام العدالة مع تحديد آليات توجيه جديدة دون المساس بالفصل المستقل في القضايا. وقد أدت الحاجة إلى وجود جهاز قضائي كفء وفعال قادر على إدارة المنازعات في الوقت المناسب إلى زيادة الاهتمام بأداء المحاكم وإدارة المحاكم، وهذا لا يؤثر على القضاء ككل فحسب، بل يؤثر أيضا على القضاة أنفسهم والواقع أن وظيفتهم القضائية لا تعني عدم الاستجابة في إدارة القضية وعبئها، بل إن مبادئ بنغالور للسلوك القضائي تنص على أنه ينبغي تزويد القضاة ببعض المهارات الإدارية وأن يكونوا من مختلف الطرق المشتركة في إقامة العدل (2002، الفقرة 6.2).

 

مفاهيم استقلال القضاء ونزاهته

وكما ذكر سابقًا، فإن استقلال القضاء ونزاهته هما أهم مصادر الشرعية والسلطة للقضاة، وبالتالي ثقة العامة في المؤسسات القضائية. ومع توسيع نطاق السلطة القضائية، اكتسبت هذه السلطات أهمية أكبر من ذي قبل.

والاستقلال القضائي ليس غاية في حد ذاته، أو وسيلة لضمان الوظيفة المهنية للقضاة لصالحهم، ولكن وسيلة لضمان الممارسة المحايدة للمهام القضائية، واحترام حقوق المتقاضين، والسماح لكل شخص بأن يثق في نظام العدالة. ولذلك، فإن الحيادية هي نتيجة لاستقلال القضاء؛ فهي تشير على نحو أكثر تحديدًا إلى دور القاضي في العملية القضائية، وتعني ضمنًا أن القضاة يجب أن يكونوا فوق أي مصلحة في القضية وأن يبتعدوا عن أي ضغط. وبعبارة أخرى، يتصرف هؤلاء القضاة كما جاء في المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية، "على أساس الوقائع ووفقا للقانون، ودون أي قيود، أو تأثيرات غير سليمة أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة أو لأي سبب". (قرار الجمعية العامة 40/32 و 40/146، الفقرة 2). كما أن الحيادية (أو الحياد) يعني الالتزام بكرامة الأفراد المتساوية دون تحيز أو تمييز.

المناقشة الرئيسية : تدريب القضاة حسب الجنس

التعليم هو مفتاح ممارسة الوظيفة القضائية دون تحيز أو تمييز. وتحدد المنح الدراسية الأكاديمية، في عدة بلدان، أهمية تدريب القضاة على التوعية الجنسانية، قبل الخدمة القضائية وأثناءها على السواء. وعلى سبيل المثال :

إن الممارسات التمييزية القائمة على أساس رجحان نوع الجنس في أداء الواجبات القضائية في أوغندا ... فالتحول الفكري في النهج المتبع في [المناهج التعليمية للتعليم القضائي] أمر حيوي" (أواور وموسوك، 2015، الصفحة 281).

"نادراً ما يغطي التعليم القانوني المهني المواضيع المرتبطة بنوع الجنس في اليابان، ولم يبذل أي جهد منظم لمعالجة قضايا الجنسين في التعليم المستمر [القضائي]". (مينامينو، 2017، الصفحة 43)

وإن التدريب المستمر على قضايا الجنسين يشكل أهمية كبرى، في سياق "التحاق النساء بأعداد كبيرة بالسلطة القضائية" في الأرجنتين. "ويعتبر تقييم الأثر وسيلة للتحقق من تأثير التعليم على الجنسين على القضاء باعتباره مؤسسة وعلى العمل اليومي للقضاة" (كوهين، 2014، الصفحة 333).

"لقد توسع التعليم القضائي إلى حد كبير في بلدان القانون العام في السنوات الخمس والعشرين الماضية، ولكن القضايا المتعلقة بالجنسين تميل إلى الإهمال في المناهج الدراسية"(داوسون، وشولتز، وشو، 2015، الصفحة 255).

واعترافًا بالدور الهام الذي يلعبه القضاء للوصول إلى العدالة في حالات العنف القائم على نحو الجنس، يقوم المكتب بوضع دليل عن الاستجابات الفعالة من جانب السلطة القضائية للعنف ضد المرأة. وسيشمل هذا الكتيب، الذي صمم كأداة عملية ليستخدمها القضاة، دور القضاة والممارسات المؤسسية الأوسع نطاقا. ولن يوفر فقط التوجيه بشأن كيفية إدماج القضاة لمنظور جنساني في صنع القرار القضائي وتجنب وقوع ضحية ثانوية أو الممارسات الجيدة في المحاكم التي تستجيب لاحتياجات الجنسين والتي تراعي الضحايا، ولكن أيضًا التركيز على القواعد الأخلاقية ومدونات السلوك المهنية، فضلا عن أهمية الرصد والتقييم.

لمزيد من المعلومات حول المواضيع ذات الصلة، يُرجى الاطلاع على البث الصوتي التالي الرابطة الدولية للادعاء العام التابعة للمكتب :

  • منع التحيز ضد المرأة في القضاء، الذي تتحدث فيه قاضية المحكمة العليا الأوغندية ليليان تيباتموا مع الرابطة الدولية للادعاء العام حول كيفية التعرف على التحيز ضد المرأة في القضاء ومنعه.
  • دخول المرأة إلى القضاء، حيث تتحدث القاضية جوديث جونز من المحكمة العليا في ترينيداد وتوباغو عن سبل تحسين ثقة الجمهور في القضاء بالنسبة للناجيات من العنف المنزلي.
  • القضايا المتعلقة بنوع الجنس في السلطة القضائية، حيث أجرت الرابطة الدولية لنزاهة القضاء مقابلة مع القاضي شيراني تيلاكاوردان، قاضي المحكمة العليا في سريلانكا، بشأن القضايا المتعلقة بالجنسانية في السلطة القضائية، بما في ذلك: الاغتصاب، والتحرش الجنسي، والتمثيل الناقص للمرأة.

كيف يمكن ضمان استقلال القضاء بعبارات ملموسة؟ إن استقلال القضاء ونزاهته لن يتغيرا عن كونه مجرد "وهم" في غياب الضمانات السياسية والقانونية اللازمة لإعمالهما، وتشمل الضمانات السياسية الأساسية عمومًا نظامًا سياسيًا ديمقراطيًا ملتزمًا بسيادة القانون. والضمانات القانونية التنفيذية هي تلك الأحكام (المنصوص عليها في الدساتير أو النظم الأساسية أو غيرها من القواعد القانونية) التي تكفل تحديد مركز القضاة والمحاكم في هيكل السلطة العامة بطريقة تمنع فرض تأثير على الأنشطة القضائية.

ويتمثل الشرط الأساسي لاستقلال القضاء في الهيكل السياسي للدولة وفي المركز المؤسسي للسلطة القضائية فيما يتعلق بسلطات الدولة الأخرى. فالاستقلال مضمون على نحو أفضل من خلال مبدأ الفصل بين السلطات، الذي بموجبه تنقسم سلطات ومسؤوليات الحكومة بين ثلاثة فروع مختلفة: السلطة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، حيث أن كل فرع مستقل وله وظيفة منفصلة ولا يجوز له أن يغتصب وظائف فرع آخر. وهذا النظام من الضمانات يسمح بفصل الجهاز القضائي مؤسسيًا عن السلطات السياسية.

وبيد أن الفروع الثلاثة مترابطة وتتعاون فيما بينها. وللسلطة القضائية، على وجه التحديد، وظائف هامة فيما يتعلق بالفرعين الآخرين: وفقًا للتعليق على مبادئ بانغالور، "تكفل محاسبة الحكومة والادارة على ما تتخذه من اجراءات، وفيما يتعلق بالهيئة التشريعية، فهي تشارك في كفالة إنفاذ القوانين التي سُنت على النحو الواجب، وإلى حد كبير أو أقل، في ضمان امتثالها للدستور الوطني، وعند الاقتضاء للمعاهدات الإقليمية والدولية" (2007، الفقرة 36). ولكي يؤدي الجهاز القضائي دوره في هذه المجالات، يجب أن يكون خاليا من أي صلات غير ملائمة مع فروع الحكومة الأخرى أو من تأثيراتها.

كما يشكل استقلال القضاء أيضًا حجر الأساس في سيادة القانون. فسيادة القانون تعني ضمنيًا وجود قضاء مستقل ونزيه في وظيفة الفصل في القضايا، فيما يتعلق أيضا بالدولة وممثليها. ولا يمكن للقاضي أن يعمل كطرف ثالث محايد في المنازعات بين الدولة والمواطنين إلا من خلال تعريف الاستقلال القضائي والنزاهة فيما يتعلق بالدولة (مثلا في المحاكمات الجنائية أو القضايا الإدارية). وبدون أن تتعرض السلطة القضائية لضغوط من الدولة، يمكن أن تصبح عندئذ أداة فعالة للتحقق من طريقة أداء الوظائف العامة (جوارنيري، 2010). فبدون سيادة القانون والقضاة المستقلين والمحيدين سيكون هناك انحراف في أداء الدولة، وبالتالي فإن القضاء المستقل ضروري لدعم سيادة القانون وضمان هيكل سياسي فعال وخاضع للمساءلة.

وهذا يفسر أيضاً السبب الذي جعل استقلال القضاء واحداً من أهم عناصر الدستورية الحديثة، وأحد الأهداف الرئيسية للدستورية هو "الحد من الممارسة التعسفية للسلطة وجعلها مسؤولة قانونا، مع إخضاع أداء الوظائف العامة للتدقيق من جانب هيئة مستقلة (السلطة القضائية). وهذا يضمن سيادة القانون ويمثل خطوة أساسية في بناء دولة دستورية" (جوارنييري، 2010، الصفحة 44).

وتشير الضمانات القانونية التنفيذية إلى تنفيذ الوسائل/الآليات القانونية والفعالة لضمان اختيار القضاة بعناية، وإلى أداء واجباتهم باستقلال وكفاءة مهنية وعناية وكفاءة ونزاهة. وهناك ترتيبات مختلفة ممكنة، من الناحية العملية، وقد اعتمدت الدول نماذج وحلول مختلفة. ويمكن تحديد العوامل الرئيسية ذات الصلة بتعزيز استقلال القضاء والحفاظ عليه على أساس إجراءات تعيين القضاة وترقيتهم، وخصائص الحيازة القضائية، والاستقلال المالي للسلطة القضائية، ومعايير السلوك القضائي والانضباط.   

كما أن الاستقلال والنزاهة هما من المتطلبات الأساسية لمنع ومكافحة الفساد في السلطة القضائية. ووفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، فإن الفساد "وباء غادر يترتب عليه نطاق واسع من الآثار الضارة في المجتمعات. فهو يقوض الديمقراطية وسيادة القانون، ويؤدي إلى ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان وتشويه الأسواق وتدهور نوعية الحياة ويتيح ازدهار الجريمة المنظمة والإرهاب وغير ذلك من التهديدات لازدهار الأمن البشري" (قرار الجمعية العامة 58/4، "فورورد").

ومن المفترض أن يكون القضاة المستقلون والمحايدين، المجهزون جيداً بالمهارات المهنية القوية ومعايير النزاهة العالية، أقل عرضة للممارسات الفاسدة والاحتيال. ومن الضروري وجود مؤسسات قضائية قوية مستقلة ومحايدة في أداء مهمتها، وذلك للتقليل إلى أدنى حد من الفرصة والنزعة إلى اللجوء إلى الفساد. ومما يؤسف له أن أدلة الفساد في إقامة العدل قد ظهرت في أجزاء كثيرة من العالم. كما أن النظرة العامة للفساد القضائي تثير القلق. وبطبيعة الحال، ينبغي التحقيق في أسباب هذه الظواهر ومعالجتها (المكتب، 2015، الفقرة 47، انظر على سبيل المثال: مقياس الشفافية الدولي لمكافحة الفساد العالمي، مجموعة الدول ضد الفساد، ومجلس أوروبا، الدروس المستفادة من جولات التقييم الثلاث، 2000-2010).

وكما أشارت الأمم المتحدة، فإن الفساد في الجهاز القضائي "لا يقتصر على الرشوة التقليدية. إن الفساد الذي يتسم بالضرر والمذهل على حد سواء يأتي من التفاعل بين أعضاء السلطة القضائية والمصالح الخارجية والسياسية أو الاقتصادية القوية (...). فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي المحسوبية السياسية التي يحصل من خلالها القاضي على منصبه، أو الترقية، أو تمديد الخدمة، أو المعاملة التفضيلية، أو الوعد بالعمل بعد التقاعد، إلى الفساد" (المكتب، 2015، الفقرة 50).

وفي البلدان التي يشترك فيها المحلفون والقضاة غير المحترفين في إقامة العدل، تنطبق مبادئ الاستقلال والنزاهة على قدم المساواة، حسب الاقتضاء. وهذا ما ورد في ديباجة مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية (قرار الجمعية العامة 40/32 و40/146). وعلى الرغم من أن مركز المحلفين والقضاة غير المحترفين قد يختلف عن مركز القضاة المهنيين (فيما يتعلق مثلا بالاختيار، والمؤهلات، والمرتبات/التعويض، والعزل، والاجراءات التأديبية، وما إلى ذلك)، فإنه يجب ضمان استقلالهم وحيادهم في العملية القضائية وفي صنع القرار. ولدى أداء الوظائف القضائية، يكون لها نفس الواجبات والالتزامات التي تقع على عاتق القضاة المهنيين، ويلزم أن تبدي استقلاليتها وحيادها. 

وأخيرًا، يجدر التذكير أيضًا بأن السلطة القضائية تعمل في سياق معولم، وأصبح التفاعل والمقارنة بين النظم القضائية أكثر تواترًا، وعبرت المناقشات بشأن استقلال القضاء الحدود الوطنية، ويجري مراقبتها واستيعابها في سياق مختلف البلدان بفضل عمل المنظمات الدولية وقانون الدعاوى القضائية للمحاكم الدولية. وإن "الحوار القضائي عبر الحدود الوطنية" أو "التسميد الدستوري" من بين بعض العلامات التي تستخدم لتغطية مجموعة العلاقات المتبادلة الرأسية والأفقية بين السلطات القضائية في مختلف المحاكم.

وقد اعترف باستقلال القضاء ونزاهته كقيمتين أساسيتين في جميع أنحاء العالم، فإن العديد من المعاهدات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية والإقليمية الكبرى تشير صراحة إلى الاستقلال القضائي باعتباره قيمة أساسية لحماية الحقوق المدنية والسياسية، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون. وهي تشمل، على سبيل المثال :

إعلان الأمم المتحدة العالمي الخاص بحقوق الإنسان (1948)، المادة 10 :

"لكل انسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا عادلا علنيا للفصل في حقوقه و التزاماته و أي تهمة جنائية توجه اليه".

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية (1966)، المادة 14 :

"و من حق كل فرد، لدى الفصل في أي تهمة جزائية توجه اليه أو في حقوقه و التزاماته في أي دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف و علني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون (...)".

الاتفاقية الأمريكية لحقوق الانسان ("ميثاق سان خوسيه")(1969)، المادة 8 :

"لكل شخص الحق في محاكمة تتوفر فيها الضمانات الكافية وتجريها خلال وقت معقول قاض أو محكمة مختصة مستقلة غير متحيزة كانت قد أسست سابقا وفقا للقانون، و ذلك لاثبات أية تهمة ذات طبيعة جزائية موجهة اليه أو للبت في حقوقه أو موجباته ذات الصفة المدنية أو المالية أو المتعلقة بالعمل أو بالضرائب أو أيه صفة أخرى (...).

الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (ميثاق بانجول) (1981)، المادة 7 و26 :

"لكل فرد الحق في أن تُسمَع قضيته، ويشمل ذلك: (...) (د) الحق في أن يحاكم في غضون فترة معقولة من قبل محكمة محايدة أو هيئة قضائية محايدة". وتنص (المادة 7): "على الدول الأطراف في هذا الميثاق واجب ضمان استقلال المحاكم والسماح بإنشاء وتحسين المؤسسات الوطنية المناسبة التي يعهد إليها بتعزيز وحماية الحقوق والحريات التي يكفلها هذا الميثاق" (المادة 26).

رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، ميثاق الديمقراطية (2011) :

"تلتزم الدول الأعضاء في رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، بروح توطيد الديمقراطية في جنوب آسيا، بما يلي: (...) ضمان استقلال السلطة القضائية وسيادة سيادة القانون، وضمان أن تكون عمليات التعيين في السلطة القضائية وكذلك السلطة التنفيذية منصفة وشفافة".

الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (1950)، المادة 6.1 :

" لكل إنسان الحق في أن تُنظر قضيته نظرا عادلا علنيا خلال فترة زمنية معقولة أمام محكمة مستقلة نزيهة تكون منشأة بحكم القانون وتتولى الفصل في حقوقه والتزاماته المدنية أو في أي تهمة جنائية توجه إليه".

وقد شجعت المنظمات الدولية عدة مشاريع عالمية وإقليمية تهدُف إلى تعزيز استقلال القضاء وسيادة القانون في عدة دُول. ويكفي هنا أن ذِكر أنشطة البنك الدولي، والمجلس الأوروبي، ومنظمة الشفافية الدولية (انظر على سبيل المثال: منظمة الشفافية الدولية في رومانيا، 2015)، ومكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة (إلى جانب تـأسيس الشبكة العالمية لنزاهة القضاء، تحديدًا).

وعلاوة على ذلك، فقد نشطت الشبكات القضائية الجديدة بصفة خاصة في العقود الأخيرة في بعض المناطق، داعمةً شكلاً جديداً من أشكال التعاون والحوار الوطني بين الهيئات القضائية. ويمكن وصف هذه الشبكات بأنها مجموعات أو مؤتمرات أو لجان أو منظمات للخبراء القانونيين والقضاة والأكاديميين (القادمين من دول مختلفة) والتي أُنشئت على صعيدٍ وطنيّ. وتتمثل أنشطتها بصورةٍ أساسيةٍ في تبادل الأفكار والممارسات، وصياغة التوصيات والآراء وأفضل الممارسات المتعلقة بمختلف مجالات القانون أو عمل النظام القضائي، وتنظيم ندواتٍ دراسية ومؤتمرات وتدريب القضاة والخبراء القانونيين (سلوتر، 2004، ستون سويت، 2000). وعلى الصعيد العالمي، تتألف عضوية الرابطة الدولية للقضاة من 90 رابطة قضائية من بلدان متنوعة مثل أنغولا، وبرمودا، وكرواتيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومصر، وغواتيمالا، وغينيا بيساو، والكيان الصهيوني، وكازاخستان، وموريتانيا، ونيكاراغوا، وتونس (الرابطة الدولية للقضاة). والهدف الرئيسي للرابطة هو "المحافظة على استقلال السلطات القضائية، بوصفه شرطا أساسيا لوظيفة القضاء وضمانا لحقوق الإنسان وحرياته" (الرابطة الدولية للقضاة) وهناك مجموعة من الأحداث التي تيسر إقامة تبادل فكري، على الصعيد الدولي، وزيادة تبادل المساعدة لتعزيز المعارف القضائية (الرابطة الدولية للقضاة).

كما أن شبكات المدعين العامين، على الصعيدين العالمي والإقليمي، هي آليات هامة لتيسير التبادل الفكري وتبادل المعارف والتدريب على أفضل الممارسات. وتشكل الرابطة الدولية للمدعين العامين أكبر منظمة للمدعين العامين على نطاق العالم (مع أعضاء من أكثر من 177 دولة). كما ينظم البرنامج دورات تدريبية ومؤتمرات إقليمية (إلى جانب الأحداث الأخيرة التي عقدت في شمال أفريقيا وآسيا الوسطى وأوروبا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط) (الرابطة الدولية للمدعين العامين، بدون تاريخ). وفي مجال الاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي، فإن أكثر الشبكات نشاطا في ميدان استقلال القضاء والحكم القضائي هي: شبكة مجالس القضاء الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي، والمجلس الاستشاري للقضاة الأوروبيين التابع للجنة المجلس الأوروبي، ولجنة المجلس الأوروبي المعنية بكفاءة العدالة، واللجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون التابعة للجنة الأوروبية للديمقراطية (لجنة فينيسيا) (دالارا وبيانا، 2015).

ويحظى الإطار الدولي للمعايير والقواعد المتعلقة باستقلال القضاء، والذي وضعته الدول الأعضاء من خلال مختلف العمليات الحكومية الدولية، بأهميةٍ خاصة. ويمكن تسليط الاهتمام بشكلٍ خاص بمبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية (1985)، ومبادئ بنغالور للسلوك القضائي (2002)، والتعليق عليها. وقد نتجت هذه المعايير والمبادئ التوجيهية عن التعاون بين الهيئات القضائية في مختلف الدول، وهي نابعة من الحاجة، التي حددها القضاة أنفسهم، إلى وضع معايير وضمانات لحماية استقلالهم من الضغوط.

تهدف مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية (1985) إلى مساعدة الدول الأعضاء في مهمتها المتمثلة في تأمين وتعزيز استقلال السلطة القضائية. وينبغي أن تأخذ الحكومات هذه التدابير في الاعتبار وأن توجه إليها انتباه القضاة والمحامين وأعضاء السلطة التنفيذية والهيئة التشريعية والجمهور بوجه عام. وقد اعتُمدت هذه التدابير في المؤتمر السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، المنعقد في ميلانو في عام 1985.

وإن مبادئ بنغالور (2002) هي نتيجة لمشاورات مكثفة شارك فيها رؤساء القضاة وكبار القضاة من دول مختلفة، داخل مجموعة النزاهة القضائية، بغرض النظر في سبل تعزيز المؤسسات القضائية وتعزيز استقلال ومسؤولية القضاء. وقد وُضِعت المبادئ من خلال عملية استخلاص معلومات عن مفهوم الاستقلال القضائي عن مختلف قوانين السلوك القضائي، فضلا عن وثائق أخرى تم وضعها على الصعيد الدولي. كما دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، في قراره 2006/23 المؤرخ 27 تموز/يوليو 2006، الدول الأعضاء، بما يتفق مع نظمها القانونية المحلية، تشجيع الهيئات القضائية على مراعاة مبادئ بنغالور عند استعراض أو تطوير قواعد تتعلق بالسلوك المهني والاخلاقي لأعضاء السلطة القضائية.

وبالإضافة إلى التوجيه الرسمي المقدم على الصعيد الدولي، أُنشئت شبكات مختلفة للتعاون القضائي لدعم التعاون الدولي في المسائل الجنائية. وفي بعض المناطق، تلعب هذه الشبكات دورًا فعالًا تمامًا. وتضم الشبكة القضائية الأوروبية، وهي شبكة رائدة من هذا النوع، نقاط اتصال وطنية من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتيسير التعاون القضائي في المسائل الجنائية، لا سيما فيما يتعلق بالجرائم الخطيرة. وبالإضافة إلى تبادل المعلومات والمهام التعاونية للشبكة، تنظم المنظمة أيضا دورات تدريبية، بغية تعزيز تحسين التعاون القضائي بشكلٍ عام.

وفي أمريكا اللاتينية، اجتمع رؤساء المحاكم الدستورية وقضاة المحاكم الدستورية في البرازيل في عام 2017 لمناقشة الاستقلال القضائي والتدريب على الأخلاقيات وبناء القدرات في مجال مكافحة الفساد وشفافية القرارات وإجراءات المحاكم وتضارب المصالح والكشف عن البيانات المالية والاستقلال المالي للمحاكم والمساءلة والثقة العامة في القضاء. وقد استضافتها المحكمة العليا للبرازيل، وضم الاجتماع أعضاء من إكوادور، وأوروغواي، وألمانيا، والبرازيل، وبنما، وبوليفيا، وبيرو، والجمهورية الدومينيكية، والسلفادور، وشيلي، وغواتيمالا، وكوستاريكا، وكولومبيا، ونيكاراغوا، وهندوراس، فضلا عن ممثلين من محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان، واللجنة الدولية للحقوقيين ومنظمة الشفافية الدولية. واختتم الاجتماع باعتماد إعلان برازيليا، الذي أعرب فيه المشاركون عن التزامهم بالأخلاقيات القضائية وحقوق الإنسان والشفافية ومعالجة الفساد وتعزيز الوصول إلى العدالة (انظر أيضا، المكتب، بدون تاريخ).

 

 التالي

 العودة الى الأعلى